لا شيء يبقى على حاله لأكثر من 24 ساعة، والأسعار تخطّت كلّ التوقّعات. وفي خضمّ كلّ هذه المعمعة، ثمّة من يقول إنّ اللحم ممنوع على الفقراء، وأصبح حكراً على الأغنياء. مجموعة من الأسئلة تدور في بال كلّ مواطن، ويتساءل بينه وبين نفسه: لماذا هذا الارتفاع الجنوني لسعر اللحمة؟ وهل ستقفل الملاحم بشكل نهائي بعدما انطلق مسلسل الإقفال؟ وهل بعد إعلان وزارة الاقتصاد عن دعمها للسلة الغذائية التي تتضمّن المواشي، ستنخفض الأسعار؟
إقرأ أيضاً: سلّة الغذاء المدعومة: التجّار يتلاعبون.. والتهريب سيزداد
نقيب “اتحاد القصّابين وتجار المواشي” في لبنان معروف بكداش استغرب هذا الارتفاع الجنوني للأسعار ونفى لـ”أساس” أن تكون “اللحمة باتت حكراً على الأغنياء”، معيداً سبب ما يحصل اليوم إلى “الوضع المالي الصعب الذي نواجهه، لأنّ الذي يتحكّم بالسوق هو الدولار. وإذا أردنا شراء دولار من السوق السوداء وفق سعر السوق، فسنكون مجبرين على بيع كيلو اللحم بـ100 ألف ليرة! استناداً إلى أنّ كيلو اللحم كان يساوي 15 ألف ليرة، وكانت تساوي 10$ يوم كان الدولار يساوي 1500 ليرة، وارتفع إلى 30 ألف ليرة يوم وصل سعر الدولار إلى 3 آلاف ليرة”.
ويتابع: “قبل الأزمة، كان لبنان يستورد 250 ألف طن من المواشي سنوياً أي حوالي مليون (راس غنم) وحوالي ربع مليون (راس بقر). لكن اليوم الكمية تراجعت ما يقارب الـ60%، ولكن حتى اللحظة لا يوجد إحصاءات رسمية”.
وزارة الاقتصاد تتخبّط وسط العديد من القرارات العشوائية وخارج أيّ خطة اقتصادية
يكشف بكداش أن “60% من الملاحم أقفلت أبوابها في كافة المناطق اللبنانية. أما من صمد منها، فتتشارك كلّ مجموعة منها بيع ذبيحة واحدة. لأنّ اللحوم الموجودة في السوق اليوم مصدرها مخزون تجار المواشي. اليوم يصرفون من المخزون الذي لا يكاد يكفي شهراً ونصف الشهر. وبعد ذلك، ستحلّ الكارثة على القطاع، عندما نضطر للشراء وفق سعر الصرف في السوق السوداء بعد نفاد المخزون”. وعن الحلول المطلوبة لمعالجة الأزمة قال: “لا حلّ في الأفق إلا من خلال حلّ أزمة الدولار، وذلك بأن يكون شراء الدولار المدعوم عبر المصارف حصراً ومباشرة لا عبر الصرّافين. وهذا الإجراء كفيل بإعادة سعر كيلو لحم البقر إلى 30 ألف ليرة مثلاً”.
رئيس “جمعية حماية المستهلك” زهير برو أوضح لـ”أساس” أنّ الجمعية لا ترى في “الدعم حلاً لأيّ مشكلة، بل يفاقمها”، لأنّ “وزارة الاقتصاد تتخبّط وسط العديد من القرارات العشوائية وخارج أيّ خطة اقتصادية”.ويطالب بوقف كلّ انواع الدعم بدون استثناء، واتباع طرق جديدة تركّز على دعم العائلات الفقيرة والمتوسطة الصغيرة بمبلغ شهري وفق حالة كلّ عائلة”. ويشدّد على ضرورة دعم المحتاجين لا التجار “من خلال شراء فوري لباصات نقل عام، وإعادة النقل المشترك، دعم المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية بعيداً عن فساد أحزاب الطوائف، تأسيس فوري لصندوق الدعم والقروض للصناعة والزراعة والشركات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار فيها لأنّها الوحيدة القادرة على خلق الوظائف وعلى إعادة الأمل بنمو جديد وبناء الدولة. وهذه الإجراءات تكلّف أقلّ بكثير مما ستدفعها خلال الدعم. ومبلغ 3 مليارات دولار كافٍ لكلّ هذا وأكثر”.
لربّات المنازل أيضاً حصّتهن من هذه الأزمة: “لم نعد نأكل اللحوم منذ فترة طويلة. فلم يعد باستطاعتنا الشراء حتى بالأوقية، فصرت أطبخ دون لحمة”، تقول سعاد التي تطلب عدم نشر كامل اسمها حفاظاً على خصوصيتها، وتتحسّر بهذه العبارات: “كنا نشوي اللحم كثيراً. أمّا الآن، فبتنا نشتهيه، ونقول: رزق الله. وبتنا نغازل صور اللحم كقطعة أصبحت نادرة لنحتفظ بها في ذاكرتنا أو كتحفة في متحف آثار، إذ ليس متاحاً لي ولعائلتي التلاحم معها بعد اليوم في ظلّ أسوأ ازمة اجتماعية ومالية يمرّ بها لبنان”.
على الناس أن تدرك أنّ هناك مصادر أخرى غنية بالفيتامينات الموجودة باللحمة كالبقوليات (حبوب، فصوليا، حمص، عدس، برغل) التي تحتوي على الأحماض الأمينية
اختصاصية التغذية هيام سالم رخا تعتبر أنّ الأزمة “ليست بالكارثة الكبيرة. فالإنسان يستطيع أن يعوّض النقص في جسمه”. وتشرح لـ”أساس” أنّ “اللحمة الحمراء تتميّز بغناها بالعديد من الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين B3، وفيتامين B6 للمناعة، وفيتامين B12 الذي يحافظ على صحة الجهاز العصبي، والحديد، والزنك وعلى المواد الرئيسية الموجودة بالبروتيين لنموّ كافة أعضاء الجسم. وهذه الفيتامينات موجودة أيضاً بالدجاج والسمك واللبن ومشتقاته، فلا داعي للخوف والهلع بأننا لن نستطيع لن نعوّض هذا النقص”.
أما بالنسبة إلى الطبقة الفقيرة “فهناك مشكلة بالتغذية العامة. هذه الطبقة لا تستطيع أن تأكل ليس فقط اللحمة الحمراء، بل السمك والدجاج أيضاً. وهذا يحصل في الدول التي تشهد مجاعة أو حرب، وحيث تنتشر حالات سوء التغذية. لكن على الناس أن تدرك أنّ هناك مصادر أخرى غنية بالفيتامينات الموجودة باللحمة كالبقوليات (حبوب، فصوليا، حمص، عدس، برغل) التي تحتوي على الأحماض الأمينية”.
وكشفت الاختصاصية رخا لـ”أساس” عن طُرق تساعدنا في هذه الأزمة للحصول على نسبة الفيتامينات المتوفّرة باللحمة الحمراء: “أستطيع خلط أنواع مختلفة من الحبوب، مثل الحمص والعدس والأرز، دون لحمة، فنحصل على القيمة الغذائية نفسها التي تحملها اللحمة. لذلك، لا داعي لكلّ هذا الرعب المسيطر على عقول الناس، فعلينا أن ندرك كيفية التعويض وإيجاد البديل”.
وختمت قائلة: “المطلوب القيام بحملات توعية للتخفيف من هذا الرعب المسيطر (حنموت من الجوع وولادنا تأثّروا وما حيكبروا)”.
.. بدعم أو بدون دعم، مع وجود بديل غذائي أو عدم وجوده، النتيجة واحدة: تناول اللحم ممنوع على الفقراء.