حماسة إسلامية لمواقف البطريرك الشجاعة: كُن مرجعيتنا الوطنية!

مدة القراءة 6 د


مواقف البطيرك الماروني بشارة الراعي الداعية إلى حياد لبنان عن المحاور الإقليمية وفكّ الحصار عن الشرعية أثارت ردود فعل مؤيّدة ومرحّبة في البيئة السياسية السُنّية، وفاترة مترقّبة في البيئة السياسية المسيحية، قابلها صمت التجاهل في بيئة الثنائي الشيعي و”التيار العوني”.

إقرأ أيضاً: بكركي “الثائرة”: الراعي يستعيد مجد حماية لبنان

تلاحقت ثلاث زيارات لافتة إلى الديمان بعد عظة الراعي الأحد الماضي: الرئيس سعد الحريري، والرئيس فؤاد السنيورة مع وفد من الشخصيات ، والسفير السعودي وليد البخاري الذي نقل تأييد بلاده لمواقف البطريرك. كاد الزوّار المميّزون يقولون للراعي: “أنت مرجعيتنا الوطنية”، متمنّين في دواخلهم أن يصمد عند مواقفه. لم يتردّد الأمين العام للجنة الوطنية الحوار المسيحي – الإسلامي الدكتور محمد السماك في التوجّه بالقول إلى البطريرك خلال اللقاء مع السنيورة ورفاقه ما فحواه: “لقد أعدت غبطتك إحياء دور البطريرك الياس الحويّك” الذي دافع عن حقوق لبنان واللبنانيين في وطن ودولة.

في رعيّة البطريرك لا تزال خجولةً ردود الفعل على مواقفه. بعضهم شكّك ربّما، وفضّل أن ينتظر ليتأكّد أنّ الراعي سيثبت عند كلامه الجديد والقوي

كان الزوّار المسلمون، وبينهم مفكّرون، وأصحاب رأي متميّزون، يحضّون بطريرك الموارنة، بتعابيرهم النخبوية والمباشرة في آن واحد، على أن يتصدّى لمهمّة ترتيب البيت اللبناني. ونجاحه في هذه المهمة يرتّب تلقائياً البيت المسيحي الذي لطالما شغل سيد الصرح، وحصد نتائج تناقض طموحه. أليس هو من بَنى على نظرية “الرئيس القوي”، فحصر الترشيحات للرئاسة زمن الفراغ في أربعة رؤساء أحزاب أو تيارات قاتلت في الحرب، وألغى دور النُخب التي قامت عليها فكرة لبنان في الأساس؟

في رعيّة البطريرك لا تزال خجولةً ردود الفعل على مواقفه. بعضهم شكّك ربّما، وفضّل أن ينتظر ليتأكّد أنّ الراعي سيثبت عند كلامه الجديد والقوي، وسيثابر على إعلاء الصوت في هذا المنحى، فلا يقضي على الأمل في ظهور نقطة ارتكاز يمكن البناء عليها وطنياً لمواجهة الواقع المرير الذي يعانيه اللبنانيون في ظلّ الوصاية الإيرانية على النظام والحكّام، على غرار ما فعل مراراً في مراحل سابقة مخلّفاً وراءه خيبات، مدافعاً في شكل مفاجئ عن رئيس الجمهورية على سبيل المثال رغم التأكّد من إخفاق الخيارات التي اتخذها، والأذى البالغ الذي خلّفه تحالفه مع “حزب الله”. تحالف أوصله إلى رئاسة الجمهورية فعلاً، لكنه يقضي على الجمهورية وشعبها. إلا أنّ مواقف الراعي هذه المرة تبدو مختلفة تماماً. ويذكر بعض الذين التقوه أخيراً أنّه مرتاح جيداً إلى أصداء كلماته في الداخل والخارج، وانتقل إلى مرحلة التفكير في الخطوات والمواقف التالية التي سيعتمدها للمحافظة على زخم حركته وتحصينها سياسياً وشعبياً.

يقتضي الاعتراف للبطريرك الراعي، أيّاً تكن الاعتراضات والانتقادات التي لاقاها في الماضي، بأنّه رجل شجاع. عندما يقتنع بفكرة أو بخطوة ما، فإنّه يُقدم عليها ولا يعود يلتفت يميناً أو شمالاً. كسر موقفاً ثابتاً لسلفه الراحل البطريرك نصرالله صفير وزار دمشق غير آبه لكلّ ما قيل بحقّه في بيروت. زار الأراضي المحتلة في فلسطين، وأقام قدّاساً للّبنانيين الذي هربوا إليها، ولم يبالِ بأصوات المعترضين، العالية والخافتة. زار المملكة العربية السعودية حيث استقبله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وأركان المملكة. لم يتأثّر بردود فعل أنصار “حزب الله” وحلفائه الذين استاؤوا وتوجّسوا من تلك الزيارة، وأطلقوا خلفه الشائعات المكشوفة الهدف.

لم يتحمّس رئيس حزب “القوات” سمير جعجع للانتقال إلى الديمان أو إرسال وفد كبير من حزبه لإبلاغ البطريرك تأييده مواقفه الأخيرة

والحال أنّ مَن يعتبرون أنفسهم قادة الموارنة السياسيين لا يروقهم عموماً أن يكون للبطريرك دور يتخطّاهم ويتجاوزهم. قد يكون موقفهم وراء التردّد الذي بدا في أداء سيد بكركي بعد زيارته التاريخية للمملكة العربية السعودية، حيث كان أول رجل دين مسيحي يُستقبل مع الأساقفة المرافقين بالتكريم والحفاوة، واضعين صلبانهم المذهّبة على صدورهم وتنشر صورهم كبيرة على الصفحات الأولى لجرائد المملكة. يذكر المتابعون أنّ البطريرك الماروني ترك شرف متابعة العلاقات مع أعلى موقع في العالم الإسلامي، خادم الحرمين الشريفين، لدولة الفاتيكان، بقيادة البابا فرنسيس، النشيط الدائم على صعيد الحوار والانفتاح، والذي لاقى توجّهاً مماثلاً لقيادة السعودية والإمارات وسواهما من دول الخليج. وانكفأ الراعي إلى الداخل كي لا يثير المزيد من الاستياء والتحفّظات لدى بعض من يعتبرون “أقوياء” في الطائفة، والذين اجتمعوا، رغم اختلاف توجّهاتهم السياسية وتحالفاتهم داخلية والخارجية، على التذمّر والشكوى.

في الخلاصة، لم يتحمّس رئيس حزب “القوات” سمير جعجع للانتقال إلى الديمان أو إرسال وفد كبير من حزبه لإبلاغ البطريرك تأييده مواقفه الأخيرة. اكتفى بإرسال أحد نواب حزبه زياد حواط. والرئيس أمين الجميّل زاره لإهدائه كتاب مذكّراته الجديد. لم يكن لمواقف الراعي القوية والواضحة وقع كالذي أثارته مواقف البطريرك الراحل نصرالله صفير عند إطلاقه “نداء المطارنة الموارنة” في 20 أيلول 2000، والذي تكوكبت على أساسه مجموعة مفكّرين وسياسيين سمّيت لاحقاً “لقاء قرنة شهوان” برئاسة المطران يوسف بشارة، الذي كلّفه صفير بالمهمّة، ورحل منذ أسابيع.

ليس المطلوب اليوم تشكيل لقاء سياسي حول البطريرك الراعي، لأنّه سيضيف تعقيدات إلى الأوضاع الصعبة أصلاً ولن يؤدّي إلى نتيجة. كما ليس المطلوب الالتفاف حول البطريرك للتصويب على الرئيس ميشال عون، فهذه وصفة للقضاء على إيجابيات مواقفه، لأنّه في هذه الحال لن يكمل المسار الذي بدأ فيه، بحسب عارفي البطريرك وطريقة تفكيره وعمله. بل يستلزم الوضع ارتكاز القوى السياسية، الداعية للسيادة والحياد عن المحاور، على منصة المبادئ التي أعلنها الراعي، وترجمتها سياسياً في الداخل والخارج دفاعاً عن قضية لبنان، عن العيش المشترك وحق اللبنانيين في حياة حرّة كريمة على أرضهم، في وجه أبطال احتلال مقنّع  وخارقي الدستور والقوانين والحرمات، أولئك الذين أوصلوا لبنان، في ذكرى مئويته الأولى، إلى أسوأ مصير.  

 

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…