وصل القيادي البارز في “حزب الله” الشيخ محمد كوثراني وصل قبل أيام إلى مطار رفيق الحريري الدولي على متن طائرة خاصة، من بغداد، مُبعَداً بقرار من حكومة مصطفى الكاظمي، من دون أن ترافق هذه الخطوة أيّ توضيحات علنية سواء في العاصمة العراقية أو في العاصمة اللبنانية.
إقرأ أيضاً: “عبرة” الهاشمي: سنقتلك.. سنقتلك
فمن هو الزائر الجديد للبنان الذي يتمتّع بأهمية في المنظومة الأمنية الإيرانية؟
هو لبناني يزور وطنه متى شاء، إلا أنّه أتى هذه المرة مُبعَداً من العراق، حيث يقيم منذ عقود، وهناك أبصر النور.
استأثر الشيخ كوثراني بالأضواء في أوائل شهر نيسان الماضي، عندما رصدت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل “أيّ معلومات عن نشاطات وشبكات وشركاء كوثراني”، مشيرة إلى أنّ للقيادي اللبناني دوراً في “التنسيق السياسي للمجموعات العسكريّة الموالية لإيران”، وهو تنسيق كان “تولّاه في السابق الجنرال الإيراني قاسم سليماني”.
كوثراني اليوم هو ضابط إيقاع البيت السياسي الشيعي الولائي
لدى وقوع الغارة الأميركية التي أودت بحياة سليماني ونائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” العراقي أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني الماضي، سرت شائعات عن إمكانية وجود كوثراني ضمن الموكب. لكن سرعان ما جرى نفي الخبر.
وسبق لوزارة الخزانة الأميركية أن وضعت في العام 2013 كوثراني على لائحة الإرهاب مع 3 لبنانيين آخرين بتهمة “دعم مجموعات متطرّفة في العراق” وتقديم دعم مالي لـ”فصائل مختلفة في اليمن”، ولـ”قادة عسكريين مسؤولين عن أعمال إرهابية” في كلٍّ من مصر والأردن وقبرص وإسرائيل.
ما هي المعطيات التي دفعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ قرار إبعاد كوثراني إلى موطنه، وهو من هو، على المستوى القيادي المرتبط بإيران؟
قبل وضع الأصبع على جواب هذا السؤال، لا بدّ من استعادة ما قاله المحلّل العراقي البارز هشام الهاشمي الذي جرى اغتياله يوم الاثنين في السادس من الشهر الجاري.
ففي نيسان الماضي، أكد الهاشمي إنّ “أهمية كوثراني خلال السنوات السبع الماضية باتت تكمن في أنّه يلعب أكثر من دور”. وأضاف أنّ “كوثراني اليوم هو ضابط إيقاع البيت السياسي الشيعي الولائي”، أي الأحزاب السياسية الشيعية العراقية التي تعدّ المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي مرجعها الفقهي والعقائدي.
لم تتأخر وسائل الاعلام العراقية عن توجيه أصابع الاتهام إلى “كتائب حزب الله”
قبل اغتيال الهاشمي، الذي أثار ردود فعل عنيفة في العراق، كانت بغداد مسرحاً لتطوّر بالغ الأهمية في نهاية حزيران الماضي بعد إقدام الحكومة العراقية على مداهمة مقرّ لـ”كتائب حزب الله” الموالية لإيران، واعتقال 14 عنصراً، ضمنهم خبير إيراني في تصنيع الصواريخ، كما ترجح مصادر كثيرة. ولم تتأخّر طهران عن إبداء استيائها على مستويات عدّة من استهداف أحد أذرعها العراقية. لكن وفق ما جاء في بيان صادر عن “قيادة العمليات المشتركة العراقية” أنّ العملية جاءت “للحيلولة دون تنفيذ عمل إرهابي ضدّ مواقع الدولة”. وذكر البيان أنه “توافرت معلومات استخبارية دقيقة عن الأشخاص الذين سبق واستهدفوا المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي بالنيران غير المباشرة مرّات عدّة”.
بالعودة الى السؤال عن المعطيات التي دفعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ قرار إبعاد كوثراني إلى موطنه، يقود السؤال نفسه إلى سؤال حول دور الأخير في عمل “حزب الله” العراقي الذي بات محور المواجهة بين حكومة الكاظمي وبين النفوذ الميليشياوي الإيراني في بلاد ما بين النهريّن.
بحسب خبراء لبنانيين في الملف العراقي، تحدّثت إليهم “أساس”، فإنّ هناك صلة وثيقة بين كوثراني وبين الفرع العراقي لـ”كتائب حزب الله” التي أُعلن عن تأسيسها في نيسان عام 2007، في مدينة العمارة جنوبي العراق. وتكوّنت الكتائب من اتحاد عدد من الفصائل الشيعية المسلّحة، نشأ بعضها بعد الغزو الأميركي عام 2003. وهذه الفصائل هي “لواء أبو الفضل العباس”، وكتائب تحمل أسماء “كربلاء” و”زيد بن علي” و”علي الأكبر” و”السجاد”.
لم تتأخر وسائل الاعلام العراقية عن توجيه أصابع الاتهام إلى “كتائب حزب الله” مشيرة إلى أنّ ثلاثة مسلحين ملثمين هم عناصر في مليشيا الحزب، قد اغتالوا الهاشمي أمام منزله بمنطقة زيونة في بغداد عبر إطلاق عيارات نارية على أنحاء متفرقة من جسمه.
ردة فعل الكاظمي الأولى في اجتماع لحكومته هو “التشديد على الجهات الأمنية والقضائية بسرعة إنجاز التحقيق بجريمة اغتيال الهاشمي وتقديم الجناة للعدالة” مؤكداً أنّ “هذه الجريمة لن تمرّ دون عقاب”.
هل كان قرار حكومة الكاظمي إبعاد كوثراني إلى لبنان هو تأكيداً لقوله إنّ اغتيال الهاشمي “لن يمرّ دون عقاب”؟ وكيف ستتفاعل قضية الإبعاد في لبنان والعالم؟
بالتأكيد هناك تداعيات في المرحلة المقبلة، لاسيما وأنّ كوثراني شخص مطلوب للعدالة في الولايات المتحدة الأميركية.
في النهاية، ليس نبأً استثنائياً أن تزور لبنان قياداتٌ إيرانية أو قياداتٌ تابعة لطهران في المنطقة، وذلك في أيّ وقت تشاء. الأمر لا يحتاج إلى إجراءات دخول أو خروج عبر المنافذ الرسمية، وفق ما هو معمول به في كلّ دول العالم. فهناك تدابير خاصة يتولّاها “حزب الله” في هذه المنافذ، لاسيما في مطار رفيق الحريري الدولي، ليعبر الزائر الإيراني أو القيادي التابع للحرس الثوري الإيراني، من دون أيّ ترتيبات رسمية، إلى أراضي الجمهورية اللبنانية. ولمن أراد شواهد، فهي لا تُعدّ ولا تحصى، وأشهرها زيارات متكرّرة للقائد السابق لـ “فيلق القدس” في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني الذي لقي حتفه بعد آخر زيارة له للبنان في غارة أميركية على موكبه في منطقة مطار بغداد أوائل كانون الثاني الماضي.
لكنّ الجديد، أنّ العراق لم يعد يتّسع لكوثراني ومن هم مثله. هناك مرحلة جديدة نحن على أعتابها في العراق، وأيضاً في لبنان. وهناك محورٌ بدأ يضيق بالميليشيات.