هل يتجه حزب الله إلى استبدال الدولار بالليرة اللبنانية في صرف رواتب المنتسبين إليه؟ أم أنه سيذهب إلى اعتماد سياسة “الخيار والفقوس” وفقاً لتصنيف الحلقات ما بين جهادية وغير جهادية؟ أم أنّ الأمر مجرّد تكهّنات تتردّد في أروقة القرار في ظروفٍ لا تستثني أحداً من آثارها؟
إقرأ أيضاً: اتفاق الصرّافين مع “المركزي” والحكومة ينهار: متى دور الليرة؟
مصدر حزبي مسؤول عن توزيع الرواتب في أحد أحياء بيروت يؤكد لـ”أساس” أنّ “هناك نية جديّة لدى حزب الله لتحويل رواتب المنتسبين من خارج “الحلقة الضيّقة” من الدولار إلى الليرة، على معدل وسطي يراعي سعر صرفها في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار، على أن يتراوح بين 6000 و8000 ليرة للدولار الواحد. ويقول إنّ “الحلقة الضيّقة” ستسمرّ بالحصول على رواتبها 70% بالدولار و30% بالليرة. ويعزو أسباب ذلك إلى أمرين، أوّلهما محاولة ضبط حركة بعض المنتسبين الذين يلعبون بطريقة أو بأخرى دوراً في التلاعب بسعر الصرف في السوق السوداء. هؤلاء الذين جعلوا من الدولار “مهنتهم” الثانية بين البيع والشراء ومراكمة الأرباح. وثانياً يسعى حزب الله إلى الاستفادة من فارق الأموال بتأمين مساعدات غذائية واجتماعية لبيئة حزب الله، ما يخفّف من الأعباء المعيشية على المجاهدين والمنتسبين وحتى المناصرين، “ويخلق بيئة عصيّة على الانهيار الاقتصادي الواقع على لبنان للجم حزب الله”.
في المقابل يؤكد مصدر مقرب من حزب الله ومطّلع على تفاصيل هذه الخطة، أنها لا تزال مجرّد اقتراح قيد الدرس، ولم ترقَ بعد لمستوى التطبيق وذلك لصعوبة تطبيقها. فحزب الله يقسّم صفوفه إدارياً إلى قسمين، أوّل جهادي: وهو يضمّ كلّ من لديه مهام عسكرية وقتالية وأمنية في الإقليم أوعلى الحدود، والمسؤولين عن أمن المناطق ومسؤولي الشُعَب. وثانٍ تنفيذي: ويضم كلّ من هو متعاقد أو متفرّغ ويعمل في الأمور التنفيذية غير العسكرية كالمهام الاجتماعية والإلكترونية والمؤسساتية والإعلامية… وهم من يُعتبرون مستوى رقم – 2 في اليد العاملة داخل حزب الله.
يؤكد المصدر لـ”أساس” أنّ القسم الجهادي خط أحمر، ولا بديل عن دفع مستحقّات عناصره إلا بالدولار، لأنّ الأموال تأتي لحزب الله بالدولار وهؤلاء لهم الفضل الأكبر ببقاء الحزب . لكن لا ينفي المصدر في الوقت نفسه وجود اقتراحات أن يطال التغيير القسم التنفيذي فقط لا الجهادي، لكبح ممارسات بعض الشبان الذين يؤثِرون اللعب في أروقة السوق السوداء لسعر الصرف بما يشوّه سمعة حزب الله. على أن يقبضوا الرواتب وفق سعر وسطي يراعي سعر صرف السوق وسعر يقدّره حزب الله. لكن لا زالت هذه الاقتراحات عصيّة على التطبيق وفق المصدر، ودونها عقبات وصعوبات عديدة، كون الفكرة لاقت اعتراضاً كبيراً من قبل قيادات حزب الله التي طالبت بالالتزام بالعقود الموقّعة بين القيادة والمتفرّغين أو المنتسبين، وهي عقود تحدّد بدل أتعابهم بالدولار الأميركي لا بالليرة. وإنّ أيّ تغيير في هذا العقد، بحسب هذا المصدر، يعتبر فسخاً غير شرعي للعقد الذي تمّ بالتراضي والاتفاق على بنوده بين الطرفين. كما أنّ حزب الله يعتبر أنّ هيكليته بجميع عناصرها يجب أن تتقاضى رواتبها بالدولار، ما يساهم في ضخّ العملة الصعبة في السوق اللبناني بشكل أوسع، وتخفيف الأعباء. وهذا ما يفسّر عدم جنون الأسعار في الضاحية الجنوبية لحزب الله “ولو أنّ حزب الله لا يضخّ عشرات ملايين الدولارات شهرياً في السوق، لكان وصل سعر صرف الدولار إلى 10 و20 و30 ألف ليرة”.
يؤكد مصدر مقرب من حزب الله ومطّلع على تفاصيل هذه الخطة، أنها لا تزال مجرّد اقتراح قيد الدرس
القضية “معقدة أكثر مما نتوقع” برأي المصدر، ولا يمكن تبسيطها واختصارها بسطور، فهي تحتاج لدرس معمق لا سيما أنّ حزب الله يعتبر كلّ العناصر جسماً واحداً. وينفي أن يكون هناك تحويل في رواتب القطاع التنفيذي بالوقت الحالي، قبل موعد تجديد العقود، بسبب المسألة الشرعية هنا: “حتّى هذه النقطة دونها عقبات أبرزها أنّ عقود كلّ العناصر لا تنتهي في الوقت نفسه، ما قد يخلق بلبلة في صفوف العناصر وشعوراً بعدم الرضى والمظلومية”.
ويلفت المصدر إلى بعض التداعيات المعاكسة للحصار الأميركي على لبنان، ويكشف لـ”أساس” عن تقديرات حزبية تفيد بأنّ “أميركا أيقنت أنّ سياسة الأعباء المالية لم تستطع الاقتصاص من حزب الله، بل كانت اقتصاصاً جماعياً من اللبنانيين والدولة اللبنانية لا الحزب الذي يغطّي قوت بيئته بالدولار الأميركي. فلم يتأثر بالأزمة، بل على العكس فتحت له الأزمة الباب أكثر لاستقطاب المئات من العناصر التي بات الانتساب الحزبي خيارها المعيشي الأنسب للهرب من الجوع. وهذا سرّ توجه أميركا إلى السراي الحكومي والتفكير بترشيد خطواتها تجاه حكومة حسان دياب من بوابة الكويت وقطر”. ويكشف المصدر أنّه “قد وصلت رسائل إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أوعز بدوره إلى اللواء عباس ابراهيم ليستشف الأجواء التعاونية في قطر والكويت. وهو، وإن لم يعد بأجواء إيجابية واضحة، إلا أنّه استطاع الحصول على وعد بزيارة وزير الخارجية القطري إلى لبنان خلال الأسابيع المقبلة”.
في المقابل، أفادت مصادر مقرّبة من الحزب، وعلى ارتباط ببعض مؤسساته، لدى سؤالها من قبل “أساس”، أنّ الأمور ما زالت على حالها دون أيّ تغيير، وأنّ الرواتب تُدفع بالدولار، وأنّه لا يوجد أيّ إشارة إطلاقاً إلى إمكانية إبدال الدولار بالليرة في المدى المنظور.
فهل ما زالت مجرّد فكرة، قد تجد ترجمتها عند احتدام الأزمة أكثر فأكثر؟ أم قد يجري العمل على مخارج أخرى غير إبدال عملة الرواتب، ومنها خفضها بالدولار والاستمرار بدفعها بالعملة نفسها، كما كان الحال في بدايات الحزب في تسعينات القرن الماضي؟
من المؤكد أن لا أحد في لبنان سيكون بمنأى عن العاصفة، بالليرة أو بالدولار.