لن يكون يوم 7 آب يوماً عادياً. لن يُشبه ما بعده ما كان قبله. لن يصدر الحكم في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في 7 آب، بل سوف يُعلن على الملأ. فالحكم سبق أن صدر، والدول بدأت العمل بمقتضاه منذ أشهر. على هذا الأساس، ألمانيا أقرب دولة غربية إلى “حزب الله” صنّفته منظمة إرهابية.
مثلها النمسا، وبريطانيا، وفي أميركا اللاتينية، البرازيل، والباراغواي وسواهما، حيث كانت أحكام قضائية أخرى في حقّ خلايا تابعة لـ”حزب الله” في قضايا تهريب مخدرات، وغسل أموال، واتجار بالبشر عابرة للقارات والبلدان.
إقرأ أيضاً: لبنان أرض طاردة لأهلها
ويوماً بعد يوم سيثبت للبنانيين أن لا مساعدات، وإن بدولار واحد، أو أورو يتيم، أو ريال أو دينار وحيد، يمكن أن يتلقّاها وطنهم إلا إذا قامت فيه حكومة لا تضمّ في صفوفها “حزب الله” أو حلفاء له.
ماذا يعني؟
لبنان واقع تحت حصار اقتصادي عالمي واضح. وكلّ نماذج الحصار الاقتصادي في العالم، انتهت بضربات أو تغيير للنظام المُحاصَر أو الاختناق المتمادي. أمامنا نماذج انتهت بسقوط النظام: العراق صدام حسين، الاتحاد السوفياتي، صربيا، ليبيا، بنما، نورييغا… كوبا بعد خليج الخنازير وكوريا الشمالية تركتا للموت البطيء. إيران بدأت، سوريا على الطريق… وهلمّ جرّاً.
يعلم القاصي والداني أنّ الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان سببها الرئيسي اختطاف “حزب الله” للدولة اللبنانية.
ولبنان بلد صغير، حجم اقتصاده يكاد لا يذكر، بحجم موازنة أصغر بنك في فرنسا، ليس أسهل من انتشاله ببضعة مليارات من الدولارات. لكن أزمة المال والاقتصاد تضرب كلّ الدول التي اختطفتها ايران. ليس دفاعاً عن رياض سلامة، ولكن هل يلزم التذكير بأنّ الرجل ليس حاكم المصرف المركزي في سوريا أو العراق أو إيران؟
ما هو المصير بعد 7 آب، خصوصا في ضوء ثورة شعبية تستهدف العهد قبل سواه من خلال رمزه الوزير السابق جبران باسيل؟
مؤشر آخر إلى ما ينتظر لبنان في قابل الأيام، هو خروج البطريرك الماروني بشارة الراعي بمشروع الحياد وتحرير الشرعية اللبنانية: هل يحتاج المراقب إلى ذكاء لاستنتاج أنها رسالة فاتيكانية دولية، قبل أن تكون بطريركية؟
في المنظار الأوسع من لبنان، شهدت الأشهر والأسابيع الماضية ضرب مواقع إيرانية في سوريا والعراق وايران بمقاتلات أو صواريخ مجهولة. أحيانا إسرائيلية، أحياناً لا. وقبل عام نشرت وسائل إعلام غربية إشارات الى أنّ العمليات المجهولة الفاعل يقف خلفها “التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب”، وليس إسرائيل وحدها. هذا العامل يفسّر التغاضي الإيراني عن هذه الضربات. فلو كانت إسرائيل مصدرها، فمن السهولة جداً ان تقوم إيران وحلفاؤها بتجييش إعلامي – سياسي ضدّها، وحتى بردود عسكرية، وإن وهمية، كما كانت تفعل في مراحل سابقة.
مشكلة إيران مع هذه الغارات “المجهولة” أنّ “التحالف الدولي” الذي ينفّذها يضم أربعين دولة تصنّف الميليشيات التابعة لإيران بأنّها “إرهابية”. ولا تستطيع إيران الردّ على ثلث دول العالم.
ما علاقة كلّ ذلك بيوم 7 آب؟
الجواب أسئلة:
– هل يعني الحكم في 7 آب توسيع عمليات التحالف ضد الإرهاب في ملاحقة لإيران وميليشياتها – بضربات “مجهولة” أو معلومة – أينما كانوا وحتّى في لبنان؟
– ما الوضع السياسي لحلفاء حزب أصبح تصنيفه الدولي إرهابياً في شكل لا لبس فيه، وبأحكام قضائية دولية؟
– ما هو وضع حكومة يعتبرها العالم حكومة ميليشيا إرهابية؟
– ما هو وضع برلمان يعتبر العالم أنّ غالبيته موالية لتنظيم إرهابي؟
– ما هو وضع رئاسة جمهورية معروف أن من يشغلها الآن ما كان ليصل إليها لولا ارتباطه بتحالف مع تنظيم إرهابي؟
وللتذكير فقط: قمة مكافحة الإرهاب في الرياض لم توجّه الدعوة إلى رئيس الجمهورية، بل إلى رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري. ولما دعا لبنان إلى القمة الاقتصادية العربية لم يحضرها قائد أيّ دولة، عدا قطر.
وقبل الحكم القضائي الدولي في 7 آب، لم تستقبل الإدارة الأميركية رئيس الجمهورية اللبنانية منذ انتخابه، بل رئيس الحكومة.
– فما هو المصير بعد 7 آب، خصوصا في ضوء ثورة شعبية تستهدف العهد قبل سواه من خلال رمزه الوزير السابق جبران باسيل؟
– هل ستنتهي تماماً الامتدادات الدولية والإقليمية لقادة قوى 14 آذار سابقاً، إذا لم يلتقطوا فرصة 7 آب لإنقاذ بلادهم، وأنفسهم أيضاً؟
– عندما ينتهي العهد في هذه الظروف، هل يمكن ان يأتي رئيس آخر حليف لتنظيم يعتبره العالم إرهابيا؟
ماذا سيكون مصير لبنان ككلّ، إذا رأى المجتمع الدولي أنّ الساسة اللبنانيين ما زالوا، رغم كلّ المتغيّرات والتطوّرات، يرتجفون كلما تطرّق الحديث إلى “حزب الله” وسلاحه؟
جدير بالتذكير هنا أنّ الرهان على هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية ليس في محلّه. فالحزبان الحاكمان في أميركا، الجمهوري والديمقراطي، متفقان على نهج التعامل مع لبنان “حزب الله” وسوريا الأسد.
في الانعكاسات على أوضاع الجماعات في لبنان:
واضح أنّ وضع المسلمين السُنّة، منذ التسوية التي جاءت بالجنرال ميشال عون رئيساً، يشهد حالةً فوضوية بسبب ما اعتبره السُنّة تنازلات غير مبرّرة قدمها الرئيس سعد الحريري.
هل سيكون تاريخ 7 آب فرصة لإعادة توحيد الشارع السُنّي خلف قضية مركزية، وطنياً ودولياً؟
وهل يتحمّل الشارع السُنّي أن يعلن الرئيس الحريري العفو عن قتلة رموز ثورة الأرز، في حال راودته هذه الفكرة؟
في المقابل، هل سيتحمّل الثنائي الشيعي والعهد عودة نسخة سعد الحريري 2005 – 2009 طلباً للقصاص من قتلة والده في ظلّ الظروف الخانقة لحلفاء إيران والنظام السوري؟
وهل يستمرّ بعض المسيحيين في اتباع نظرية “تحالف الأقليات” بحثاً عن مكاسب داخلية صغيرة، عن عدد أكبر من النواب والوزراء والموظفين مثلاً، في ظلّ خسائر دولية فادحة يتكبّدها لبنان ومسيحيوه معاً؟
وأيضاً: هل سيستمر بعض المسيحيين في اعتناق نظرية “ربط النزاع” مع “حزب الله” بذريعة الاستقرار الداخلي رغم أنه تضعضع تماماً؟
وهل ينبري الدروز للقيام بدور ريادي في قيادة اللبنانيين للتحرّر من الوصاية الإيرانية كما فعلوا لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
وهل سيدرك الشيعة اللبنانيون أنّ طريق إيران والميليشيات التابعة لها ليس في آخرها إلا الموت والجوع؟
وماذا سيكون مصير لبنان ككلّ، إذا رأى المجتمع الدولي أنّ الساسة اللبنانيين ما زالوا، رغم كلّ المتغيّرات والتطوّرات، يرتجفون كلما تطرّق الحديث إلى “حزب الله” وسلاحه؟
شاهدنا جميعاً نموذج غزّة المحاصرة الذي يسير لبنان على خطاه منذ” 17 تشرين”. ولكن هناك نموذج أقرب ينطبق على حالة “حزب الله” في لبنان، هو تعامل العالم العربي والعديد من الدول مع”الإخوان المسلمين”. هذه جماعة كانت تحكم مصر، أكبر دولة عربية. وبين ليلة وضحاها، أصبح قادة هذه الجماعة وكوادرها في السجون في غالبية العالم العربي، وأصبح العديد من عناصرها لاجئين يُضيّق عليهم في دول غربية عدّة. وحتّى الأردن الذي كان أكثر دولة متساهلة مع “الإخوان” أصدرت أخيراً حكماً قضائياً قضى بحظر جمعياتهم.
العالم يعيش في هذه المرحلة لحظة حرب على “الإسلام السياسي” نجحت في القضاء على “القاعدة” و”داعش” وجماعة “الإخوان”. و”حزب الله” ليس استثناء في هذه الحرب.
وسبق أن سجّل التاريخ اللبناني قصصاً متكرّرة عند انقلاب الأوضاع، لنفي قادة طوائف وميليشيات وحتّى مقاتلين، مع أنّهم لبنانيون.
نصيحة: اقرأوا رواية ربيع جابر الرائعة “دروز بلغراد” وسِيَر يوسف بك كرم.
وكما أنّ الحرب على “الجماعة” و”داعش” و”القاعدة” لم تُفسَّر أبداً على أنّها حرب على السُنّة، فكذلك الحرب على إيران وميليشياتها، لن تكون حرباً على الشيعة، باستثناء أولئك الذين ارتبطوا بها.