لبنان والعراق في سلّة واحدة، أميركية وخليجية، تنتظر مزيداً من الملفات، لتنضمّ إلى الملفين اللبناني والعراقي، اللذين يتشابهان إلى حدّ بعيد. رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي يطالب بحيادية العراق. البطريرك الماروني بشارة الراعي وما يلقاه من احتضان سياسي وشعبي يتمثّل في انقلاب عارم لدى الرأي العام اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، على خيارات حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون، يطالب أيضاً بالحياد وبإغلاق معابر التهريب. وقبيل أيام على زيارة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية قبل تأجيلها بسبب دخول العاهل السعودي الى المستشفى لمعالجة التهاب في مرارته، حطّ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بغداد للقائه.
إقرأ أيضاً: اغتيل الهاشمي.. هل نقلق في لبنان؟
بدلاً من إرسال الصواريخ، تستعيض إيران بأن تبعث رسائل عبر وزير خارجيتها. إيران غير القادرة على تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية، لا بدّ لها من تحسين العلاقة مع الجوار، كمدخل لتحسين العلاقة مع واشنطن. والرسالة التي حمّلها ظريف إلى الكاظمي رسالة تودّدية للسعودية، بعد تصعيد حوثي باستهداف الرياض. لكنّ طهران أيقنت أنّ ضرباتها في السعودية ترتدّ في انفجارات متوالية في الداخل الإيراني. غطّى ظريف رسائل التودّد بزيارته إلى مكان إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. لكن طهران تعلم أنّه لا يمكن تحسين العلاقة مع الجوار في ظلّ استمرار تمويل الحوثيين وحزب الله وغيرهم، وكما سحب حزب الله مسؤول الملف العراقي لديه الشيخ محمد كوثراني إلى لبنان، لا بدّ أن تستتبع الخطوة بخطوات مماثلة.
في العراق، لا يمكن إغفال بروز الشيعية السياسية العراقية المقلّدة لمرجعية النجف الأشرف، وتلك معادلة جديدة يتمّ تكريسها
افتتح مصطفى الكاظمي مرحلة جديدة، تتمثّل في زيارته إلى المعابر العراقية الإيرانية لإغلاقها، وبالتالي نظرية التمدّد الإيراني شرقاً وغرباً قابلة للانتهاء. فلا يمكن لإيران أن تحسّن علاقتها السيئة مع كلّ الدول السنّية في ظلّ تمويل مجموعات وتنظيمات عسكرية. وهذه إحدى أبرز الشروط الخليجية والأميركية على طهران: وجوب وقف دعم وتمويل ميليشياتها في المنطقة العربية، وسحبها منها.
في العراق، لا يمكن إغفال بروز الشيعية السياسية العراقية المقلّدة لمرجعية النجف الأشرف، وتلك معادلة جديدة يتمّ تكريسها، وتوضح مدى التغيّر السريع الذي تشهده المنطقة، الذي سيحدّد المسار اللبناني العراقي، من خلال بروز نخب جديدة تفرض توجّهاتها السياسية، امتداداً لمواقف البطريرك الراعي، الذي يستمدّ قوّة موقفه ومداه من الترابط مع السياق العراقي، فيتكامل الموقف بين الراعي والكاظمي.
ما تريده واشنطن في بيروت، هو المجيء برئيس حكومة أو رئيس جمهورية يلعب الدور الذي يلعبه البطريرك. وأن يفعل أحدهما كما فعل الكاظمي على الحدود العراقية الإيرانية، فيذهب رئيس الجمهورية مثلاً على متن طوافة عسكرية إلى الهرمل للإشراف على إغلاق بعض المعابر، أو رئيس الحكومة.
ما بعد كلام البطريرك، لا بدّ لحزب الله أن يبحث في كيفية اللعب بورقة حسان دياب
ستخلي الولايات المتحدة الأميركية بعض القواعد العسكرية في العراق، من الآن وحتّى موعد الانتخابات الأميركية. ستحاول طهران تصوير ذلك انتصاراً لها، لكنّه فعلياً لن يكون كذلك. ويعطي الأميركيون مثالاً على ذلك بأنّ اغتيال قاسم سليماني حصل بطائرة لم تخرج من العراق، ما يعني أنّ الأميركيين مستمرّون بنفوذهم ونشاطهم. والأهم بالنسبة إلى الإيرانيين والأميركيين، أن فيدريكا موغريني مسؤولة الشؤون الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي، المغرمة بمحمد جواد ظريف، لم تعد موجودة، والاتفاق النووي سقط. وإيران لن تهاجم السعودية بالصواريخ، بل بالرسائل عبر الكاظمي.
ما بعد كلام البطريرك، لا بدّ لحزب الله أن يبحث في كيفية اللعب بورقة حسان دياب. تفاهم مار مخايل الذي وُقّع بسبعين في المئة من الأصوات المسيحية، أصبح على المحكّ والمشرحة. حتى السبعين في المئة لم يتبقّ منها إلا القليل.
في ردّ على مدى قدرة التيار الوطني الحر لخروج آمن من ورقة تفاهم مار مخايل، يجيب أحدهم بما قاله الأديب الإنكليزي أوسكار وايلد وعلى طريقته الساخرة، وهو على فراش الموت، ناظراً إلى ستائر غرفته: “طوال عمري لم أعجب بهذه الستائر. عليهم مغادرة الغرفة، أو أنا الذي سأغادرها”. حتماً ليست الستائر هي التي غادرت الغرفة، بل هو الذي غادرها. وسيستمرّ المخاض اللبناني التصعيدي خلال الأشهر المقبلة، وستحفل الأيام بمزيد من الضغوط والتطوّرات.
من العراق ولبنان، إلى اليمن الذي سيكون مدار بحث وتشدّد سعودي مع الإيرانيين، تبقى سوريا بانتظار الانضمام مجدّداً إلى السلّة الأميركية الخليجية. الموقف الأميركي واضح بتسليم الملف السوري إلى روسيا. وتنتظر روسيا أيّ إدارة أميركية جديدة لإبرام اتفاق كبير حول سوريا بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. لأنّها لن تجري اتفاقاً مع إدارة ستخوض انتخابات بعد أشهر قليلة. والاتفاق الصيني الإيراني لن يسعد روسيا أو يريحها. بل سيدفعها إلى اتخاذ مواقف تصعيدية أكثر ضد الإيرانيين، خاصة بعد خطوة الجيش الإيراني بتوقيع الاتفاق العسكري مع الجيش السوري. لن يسمح الروس والأميركيون بإطلاق يد إيران في سوريا. التفاهم الأميركي الروسي ثابت في تسليم سوريا لروسيا، مقابل إخراج إيران منها. وبعد الانتخابات الأميركية ستشهد سوريا التغيير الكبير. لكنّ التغيير المنتظر سيظهر لاحقاً في لبنان، الذي بات مصيره مرتبطاً بكلّ هذه الملفات. الخطوة التحضيرية الأولى هي حياد البطريرك الراعي الذي لا يأتي من فراغ دولي .