بالنسبة إلى الرئيس القديم للنادي الرياضي، هشام الجارودي، فهذا النادي “رفع رأس أهل بيروت عالياً من خلال الإنجازات التي حقّقها ليس محلياً فقط، بل عربياً وقارياً”.
لا ينسى اليوم التاريخي “الذي عدنا فيه متوّجين بكأس آسيا، واستقبلتنا في مطار رفيق الحريري الدولي حشود قدّرت بالآلاف في مقدّمها الرئيس سعد الحريري”، الذي مثّل والده الرئيس الشهيد حينذاك، وكان من أبرز مشجّعي النادي. علماً أنّ الطريق إلى المنارة حيث مقرّ النادي استغرقت 3 ساعات ليعبرها الفريق وسط فرحة عارمة عمّت بيروت بأسرها.
إقرأ أيضاً: الرياضي(1/3): بيروتي تصدّر “السلّة” وصنع تاريخها المجيد
كذلك لا ينسى أبداً أنّ الرئيس الحريري منحه وسام الشرف، كما أطلقت بلدية بيروت اسمه على الساحة الملاصقة للنادي في رأس بيروت. وحين استقال، فلأنّه تعب صحيّاً، بعد تقدّمه في السنّ، وبعد 26 سنة أمضاها في خدمة النادي.
لكن هناك سبب آخر، ماديّ: “أنفقت من مالي الخاصّ لسنين طويلة، ومن دون مبالغة، قارب مجموع ما أنفقته 33 مليون دولار (؟). ولست نادماً على ذلك، بل فخور لأنّني قدت أبنائي في هذا النادي إلى المجد والعزّ والانتصارات”.
مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وسيطرة قوى الأمر الواقع على الشوارع وكثير من الأبنية والعقارات ومنها عقار النادي الرياضي، انعدم نشاطه بشكل كامل
يرفض الجارودي اعتبار الصراع التقليدي بوجه نادي الحكمة، صراعاً طائفياً، بل هو منافسة رياضية خالصة: “وقد أشعلت المنافسة على البطولات المحلّية، خصوصاً في عهد الراحل أنطوان الشويري الذي ساهم برفع مستوى اللعبة، وفرض علينا رفع سقف التحدّي، واستقدام أفضل اللاعبين المحلّيين والأجانب للارتقاء بمستوى المنافسة”.
أما الرئيس الفخري للنادي تمام سلام، فيعتبر أنّ اسم الرياضي اقترن بوهج وعزّ كرة السلة اللبنانية. ويقول في حديث خاصّ لـ”أساس” إنّ النادي الرياضي “تحوّل إلى مدرسة خرّجت الأجيال الصالحة والمتفوّقة أخلاقياً ورياضياً”. ويدعو إلى “الاعتراف بفضل القيّمين على هذا النادي البيروتي العريق، الذين نذروا أنفسهم لخدمة الرياضة، بالرغم من الصعوبات الجمّة التي واجهتهم عندما طغى الجانب التجاري والإعلاني على اللعبة”. ويمتدح إدارة الرياضي “التي صمدت في الحفاظ على اسم النادي وسمعته”.
لنعد إلى الحرب.
مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، وسيطرة قوى الأمر الواقع على الشوارع وكثير من الأبنية والعقارات ومنها عقار النادي الرياضي، انعدم نشاطه بشكل كامل. واستمرّ هذا الواقع حتّى عام 1978 حين أعيد تجميع الفريق لإجراء حصص تدريبيبة على أرض ملعبي “مدرسة الروضة” و”الحسين بن علي” التابعين لـ”جمعية المقاصد الخيرية الإٍسلامية”. فيما استمرّ الشلل في ملعب النادي المهجور، الذي تآكلته ظروف الحرب القذرة. ونتيجة سنوات الهجر وبفعل العمليات العسكرية والقصف، كان من الطبيعي أن تغلب على الملعب آثار الحروب.
في آب 1981، أقام النادي حفلاً تكريمياً للاعبيه الذي شاركوا مع منتخب لبنان الجامعي في بطولة العالم في بوخارست. وخلال الحفل، قدّم إداري النادي جودت شاكر درعاً تذكارياً للاعب محمد بكري بمناسبة حلوله ثالث الهدّافين في هذا المحفل مسجّلاً 190 نقطة في 7 مباريات.
وقد ظلمت الحرب جيلاً كاملاً من اللاعبين من بينهم بكري، ووليد دمياطي الذي وقّع على كشوف الرياضي عام 1983 وكان بعمر 15 عاماً. ولعلّ غياب البطولات الرسمية خلال الحرب، قد حرم النادي الرياضي من إحراز عدد كبير من الألقاب نظراً لما كانت تضمّه صفوفه من نجوم بارزين كبكري، ونزيه بوجي، وخالد حلبي، وجمال عيسى، وباهي الرفاعي وغيرهم. علماً أن دورة الراحل غسان بكري كانت تعوّض في تلك الأيام شيئاً من فراغ الأنشطة الرسمية، وكانت مجالاً لبزوغ نجم عدد كبير من اللاعبين أمثال ياسر الحاج، وبولس بشارة، وجاسم قانصوه، وعلي علم الدين، وجهاد القيسي وغيرهم..
في 20 آذار 1985، حقّق الرياضي نتيجة تاريخية بفوزه ودّياً على منتخب “الشباب السوفياتي” 69 – 60 على ملعب النادي بحضور الرئيس تمام سلام.
وبعد 46 عاماً متواصلاً في خدمة النادي، قبلت اللجنة الإدارية في 29 آب 1991 استقالة وفيق النصولي من رئاسة النادي، وتمنّت عليه قبول “رئاسة الشرف” مدى الحياة. وانتخبت خلفاً له المهندس هشام الجارودي رئيساً.
كان الخميس في 28 كانون الثاني 1993 يوماً مشهوداً في تاريخ النادي الرياضي إذ افتتحت “قاعة صائب سلام” التي كانت مغلقة، بحضور الوزيرين بشارة مرهج (الداخلية)، وبسام مرتضى (الأشغال)، ورئيس الحكومة السابق الراحل شفيق الوزان، والنائب محمد يوسف بيضون، والوزيرين السابقين الراحلين جميل كبي، وزكي مزبودي، ورئيس النادي الفخري الرئيس تمام سلام، ورئيس النادي هشام الجارودي وفاعليات.
لم يكتب للبطولة الأخيرة قبل الحرب عام 1974 أن تشهد مرحلة الإياب، فأعلن الاتحاد فوز الرياضي باللقب لتصدّره المسابقة ذهاباً بفارق نقطتين عن فريق “أبناء نبتون”. وحملت حقبتا الستينات والسبعينات في طيّاتهما أسماء الكثير من النجوم الكبار الذين تركوا بصمات رائعة سواء على مستوى النادي الرياضي أم على مستوى المنتخب الوطني. ومن بين هؤلاء، الأخوان جميل وسهيل سابيلا اللذان اقترن اسمهما بالكثير من إنجازات الرياضي.
عرف الرياضي في تلك الحقبة تشكيلة ذهبية تألّفت من سهيل وجميل سابيلا، وعبد الحفيظ الوتار، وسمير صيداني، وبشير البربير. ومن أبرز اللاعبين الذين مرّوا على الرياضي عبد الحفيظ وتار الذي كان من أفضل لاعبي الارتكاز في لبنان. وكان لطوله الفارع ورباطة جأشه دور فاعل في بقائه لمدّة فاقت السنوات العشر كأحد أعمدة النادي الرياضي ومنتخب لبنان، وذلك منذ أواسط الستينات حتى عام 1974 قبل أن يصاب إصابة قوية في ركبته خلال مباراة لمنتخب لبنان في العراق، ما وضع حدّاً لمسيرته كلاعب ليتحوّل بعدها إلى التدريب.
من بين الذين حفروا أسماءهم بحروف من ذهب في سجلات الرياضي اللاعب محمد بكري الذي خاض الدوري لأوّل مرة مع الفريق عام 1974 حين كان الرياضي بقيادة المدرب نعوم بركات
وقد احتكر الرياضي بطولات لبنان في هذه الفترة، فأحرز لقب الدوري 13 مرة بين عامي 1962 و1975 لحين اندلاع الحرب الأهلية وتوقّف النشاط السلوي في لبنان، علماً أن البطولة توقّفت عام 1967 بسبب الحرب العربية ــــ الإسرائيلية.
وبرز في الرياضي خلال حقبة السبعينات النجم نزيه بوجي الذي وقّع على كشوف النادي عام 1972، وكان في السادسة عشرة من عمره حينذاك. ومع بداية الحرب، سافر بوجي إلى الولايات المتحدة حيث التحق هناك بفريق جامعة “أيوا وسترن” قبل أن يعود إلى لبنان عام 1980 ليلتحق مجدّداً بالرياضي حتى اعتزاله عام 1986، ليدرّب لاحقاً الفريق.
ومن بين الذين حفروا أسماءهم بحروف من ذهب في سجلات الرياضي اللاعب محمد بكري الذي خاض الدوري لأوّل مرة مع الفريق عام 1974 حين كان الرياضي بقيادة المدرب نعوم بركات، وأحرز اللقب على حساب الهومنتمن في المباراة النهائية. وتحوّل بكري الى أبرز الهدّافين اللبنانيين، وتميّز في الدورات الجامعية في كندا والمكسيك ورومانيا.
في 29 آذار 1993، انطلقت بطولة لبنان بعد غياب دام 19 عاماً بفعل الحرب. وكان الرياضي ضمّ لصفوفه لاعبين أجنبيين هما الروسي سيرغي تشيبوتكين، ومواطنه ديمتري كولاغن. وخاض الرياضي مبارياته في الموسم المذكور محقّقاً الانتصار تلو الآخر من دون أن يلقى أية خسارة. وتمكّن من الاحتفاظ بلقب البطولة قبل انتهائها بثلاث مراحل، وتحديداً بعد فوزه في مباراة القمة مع التضامن الزوق (99 – 73). وبهذا التتويج، احتفظ الرياضي باللقب الذي ظلّ بجعبته 19 عاماً من دون أن تقام البطولة بسبب الحرب…
يرى رئيس الحكومة السابق تمام سلام أنّ “الرياضي من نسيج المجتمع البيروتي بكيانه وخلفيته التاريخية وسط مجتمع العاصمة، وهو سيبقى شعلة عالية انسجاماً مع تطلّعات أهل العاصمة الذين يعني لهم ولي شخصياً هذا النادي الكثير”.
ولا يزال الرياضي يكاد يساوي اسمه اسم بيروت، فهو النادي الذي رفع رؤوس أهالي العاصمة عالياً عالياً.