يناقش مجلس الوزراء في جلسة الثلاثاء، طلب وزارة المال التعاقد مع شركتين لإجراء تدقيق مالي وتدقيق جنائي في حسابات مصرف لبنان، وسط غموض يكتنف هوية الشركة الجديدة التي ستتولّى الشقّ الجنائي.
فبعد إسقاط فكرة التعاقد مع شركة “كرول KROLL” الأميركية، لاعتبارات أمنية تخّص علاقتها بالعدو الإسرائيلي، وفيما يبدو أنّ اسم شركة التدقيق المالي سيُحسم لصالح KPMG، بحسب مصادر واسعة الاطلاع في هذا الشأن، فإنّ اسم الشركة المرشّحة لمهمة التدقيق الجنائي، بات في جيب رئيس الحكومة حسان الدياب، ويُفترض أن يطرحه من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء للبت به غداً.
إقرأ أيضاً: منصّة مصرف لبنان للدولار: هل عطّلها “حزب الله” بمازن حمدان؟
مصادر خاصة كشفت لـ”أساس” أنّ حسم هوية الشركة في الجلسة غداً ربما يكون أمراً صعباً قبل انتهاء الأجهزة الأمنية من مسح ومراجعة شروط الأمان الخاصة بالشركة التي يفترض التعاقد معها، وذلك حرصاً على ألاّ تكون مخترقة من الإسرائيليين، على غرار شركة “كرول” التي تبيّن أنّ نائب رئيسها إسرائيلي.
لكن إذا صحّت المعلومات حول اسم الشركة التي سيتمّ التعاقد معها، التي بدأ اسمها يُطرح بالتواتر بين أوساط الحكومة وأوساط بعض المتابعين، فإنّ حكومة حسان دياب تكون قد طبّقت المثل اللبناني القائل “من تحت الدلفة لتحت المزراب”.
فالمعلومات التي لم تنفِها أوساط الحكومة، تشير إلى أنّ الشركة الجديدة التي بدأ الحديث في الساعات الماضية عنها هي شركة FTI الأميركية، التي تأسست عام 1982 تحت اسم “شركة تقنيات التدقيق الدولية المحدودة Forensic Technologies International Ltd“، وهي ناشطة بقوة داخل كيان العدو الإسرائيلي، بحسب ما تظهر بيانات الشركة على الانترنت، بفضل رئيستها التنفيذية في قسم تكنولوجيا الشركة، التي تُدعى صوفي روس وتحظى باهتمامِ وحبِّ رئيس مجلس الإدارة ستيفن غانبي Steven Gunby. وهي كانت ضابطاً سابقاً في الاستخبارات البحرية الإسرائيلية، وتتحدث بطلاقة 4 لغات.
يأتي الاتفاق على عملية التدقيق الجنائي بعد إصرار الرئيس ميشال عون عليه من أجل كشف الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة
روس الحائزة على إجازة في الهندسة الصناعية من جامعة تل أبيب، وماجستير في إدارة الأعمال من معهد إدارة الأعمال في جامعة هارفرد، تولّت إدارة اللجنة التوجيهية للتكنولوجيا، وانضمّت إلى اللجنة التنفيذية للشركة المكوّنة من رؤساء الأقسام والمديرين الإقليميين ورؤساء الوظائف الأساسية في الشركة.
تقيم روس حالياً في سان فرانسيسكو وتمتلك باعاً طويلة داخل إدارة الشركة، يمتدّ إلى ما يزيد على 20 عاماً، تنقلت خلالها في مهمات بين الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا وآسيا. وكانت قبل توليها هذا المنصب مسؤولة القسم التكنولوجي في المنطقة الغربية، ومسؤولة ملف مراجعة الأعمال، كما أنّها لا تزال ناشطة ضمن مبادرة المرأة FTI WIN التابعة للجنة التوجيهية في الشركة، وهي عبارة عن برنامج واسع يهدف إلى اجتذاب النساء الموهوبات وتنمية قدراتهنّ وتبريزهنّ.
يأتي الاتفاق على عملية التدقيق الجنائي بعد إصرار الرئيس ميشال عون عليه من أجل كشف الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي إلى الحالة الراهنة. واتُهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي بحماية حاكم رياض سلامة من هذا التدقيق على خلفية رفضه السير به بحجة التُهم الأمنية التي شابت ملف شركة “كرول”. لكنّ المعلومات تشير إلى أنّ “حزب الله” تدخّل على خط الخلاف بعد الكشف عن أنّ الشكوك الأمنية صحيحة. فجرى الاتفاق على استبدال شركة “كرول” التي كان يصرّ عليها رئيس الجمهورية، بشركة أخرى يبدو أنّها لن تكون أفضل من سابقتها.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإنّ التدقيق الجنائي Forensic audit يختلف كلياً عن التدقيق المالي التقليدي Financial Audit. وفيما الأخير ينظر في الحسابات والأرقام والنتائج المالية والموازنات، يهتمّ الأول بالسجلات وكامل المستندات بحثاً عن ارتكابات جنائية من صنف التجاوزات أو إساءة استخدام القواعد المالية أو المصرفية لقضايا الفساد والإرهاب وتبييض الأموال، وكذلك البحث في آليات تنفيذ محتملة مشكوك في تكلفتها أو نتائجها وعن الجهات الضالعة فيها والمستفيدة منها.
فالشركة المدققة جنائياً ستملك صلاحيات تخوّلها البحث في سجلات المصرف المركزي وقيوده الإلكترونية، وكذلك الكشف عن المخفي منها أو الملغى في حال وُجد. كما سيشمل التدقيق إلى جانب مصرف لبنان، الهيئة الخاصة لمكافحة تبييض الأموال ولجنة الرقابة على المصارف.
يقول خبراء في مجال التدقيق والمحاسبة إنّ فرص إيجاد شركة ليست على علاقة بالكيان الصهيوني صعبة جدّاً
ولم يخضع مصرف لبنان لتحقيق جنائي من قبل، لكنّه متعاقد منذ سنوات مع شركتين عالميتين تدققان في حساباته هما Deloitte وErnst & Young. وبحسب مصادر مقربة من عملية التفاوض مع شركات التدقيق، فإن اعتماد شركة محايدة بخلاف الشركتين المذكورتين ربما يكون جاء بطلب من الجهات الدولية المفاوضة من أجل وضع معايير دولية قادرة على تحديد حجم الخسائر ودهاليز الدين العام، وخصوصاً حسابات مصرف لبنان التي تصفها المصادر نفسها بأنّها “الصندوق الأسود” المالي والنقدي. وبحسب المصادر، فإن مصرف لبنان يضع معايير تدقيق خاصّة به تعتمدها الشركتان المذكورتان منذ سنوات. ولهذا السبب ارتُئي تكليف شركة محايدة يُفترض أنّها KPMG الهولندية.
يقول خبراء في مجال التدقيق والمحاسبة إنّ فرص إيجاد شركة ليست على علاقة بالكيان الصهيوني صعبة جدّاً. ويسأل هؤلاء عن سبب إثارة مواصفات شركة “كرول” في هذا التوقيت بالذات؟ علماً أنّه جرى الاستعانة بها سابقاً في لبنان، وهو الأمر الذي أكدته أكثر من جهة، كان آخرها ما لمّحت إليه وزيرة المهجرين الدكتورة غادة شريم في حديث إذاعي الإثنين، إذ قالت إنّه يمكن “استخدام شركة أخرى للتحقيق الجنائي” بخلاف “كرول”، مذكرة بأن الشركة “عملت في ?لبنان? سابقاً”، معتبرة أنّ الجهة التي ستعرقل هذا التحقيق الجنائي “ستضع نفسها أمام علامات استفهام كبيرة”.