“واجهنا الحروب والتحدّيات لأننّا الأقوى”، بهذه العبارة يختصر رئيس النجمة التاريخي عمر غندور لـ”أساس” الصعوبات التي واجهت مسيرة ناديه على مرّ تاريخه الطويل.
هو يعتبر نادي النجمة واجهة كرة القدم، البيروتية خصوصاً، واللبنانية عمومًا، بالنظر إلى تاريخه العريق وإنجازاته الكثيرة. ويستند إلى قاعدة جماهيرية ضخمة تشكّل عصب الكرة الوطنية، ورافعتها في مختلف المحافل المحلية والعربية.
إقرأ أيضاً: الأنصار (3/3).. مسلسل الاستقالات يرافق تعب “أولاد الحيّ
مرّ نادي النجمة منذ ولادة فكرته عام 1947 بمراحل مصيرية ترافقت مع النموّ المضطرد لكرة القدم اللبنانية. وكان لاضمحلال توهّج فرق عريقة سبقته، مثل “النهضة” و”المرفأ” و”الجامعة الأميركية” و”السكّة الحديد” و”حلمي سبور”، أثر بالغ في تبلور فكرة النادي الشعبي، سيما وأنّ الفرق المذكورة التي تزعّمت اللعبة منذ عام 1933 وحتّى عام 1943، قام معظمها بجهود خاصّة وحملت أسماء أشخاص أو مؤسسات تلاشت فيما بعد.
عرف النادي احتضاناً واسعاً من قبل الزعامات البيروتية السياسية، خصوصاً من الرئيس الراحل صائب سلام، الذي رعاه منذ انطلاقته
اكتسب النادي جماهيرية مميّزة تنامت على مدى السنين، وتحوّلت حالة شعبية انتشرت في بيروت خصوصاً ولبنان عموماً، حتى بات الفريق الجماهيري الأوّل في لبنان، أمس واليوم. وبرغم التقلّبات والعهود التي عرفها النجمة على مدى السنين، لم تتأثر قاعدته الجماهيرية، بل هي تزداد يوماً بعد يوم.
وعرف النادي احتضاناً واسعاً من قبل الزعامات البيروتية السياسية، خصوصاً من الرئيس الراحل صائب سلام، الذي رعاه منذ انطلاقته وشمله برئاسته الفخرية. وعندما أحرز فريق النادي فوزه التاريخي على فريق “آرارات” السوفياتي الشهير عام 1974 قال الرئيس سلام: “أنا فخور بأبنائي”.
عندما انطلق النادي في تنفيذ إنشاءات ملعبه في رأس بيروت أواخر الستينات اصطدم بعوائق كثيرة، أبرزها الموانع التخطيطية التي حالت دون تنفيذ المشروع. مما اضطرّ رئيس مجلس الوزراء السابق شفيق الوزان إلى أن يضع كلّ ثقله من أجل إزالة العوائق. ورافق لاحقاً ورشة البناء بالاستفسار والمراجعة حتّى ارتفع البنيان مزيّناً منطقة رأس بيروت بالملعب الذي عرف موجات متوالية من الإصلاحات حتّى أصبح على ما هو عليه اليوم.
أما شعبياً، فشكّل النادي ظاهرة جماهيرية لافتة تحوّلت رأس حربة بين الفرق اللبنانية، فخاض البطولات والمسابقات المحلية، واقترب من تحقيق البطولات الرسمية أكثر من مرّة، لكنه كان على الدوام عرضة لإيقاع الظلامة عليه، ما اضطرّ جمهوره إلى تنظيم تظاهرات حاشدة في شوارع بيروت في أكثر من مناسبة.
من أبرز الحملات التي شنّها اتحاد كرة القدم على النجمة ما حدث في أيار 1960 حين قرّر تعليق مباريات الدوري، وقد كان فريق النجمة متصدّراً، وذلك “لتجنّب حدوث احتكاكات بين أفراد عائلة كرة القدم اللبنانية”، ما تسبّب في خروج تظاهرات شعبية داخل العاصمة دعماً للفريق البيروتي الذي تقدّم حينذاك فريقي الهومنتمن والهومنمن الأرمنيين العريقين بـ19 نقطة.
في أيّار1965، قرّر الاتحاد إنهاء بطولة لبنان من مرحلة واحدة فقط، ما أدّى لتتويج الراسينغ بطلاً للبنان على حساب النجمة بفارق نقطة فقط، علماً أنّ هذه الحقبة شهدت صراعاً لافتاً بين النجمة والراسينغ على زعامة كرة القدم اللبنانية.
ويقول غندور لـ”أساس إنّ “التجنّي كان واضحاً علينا من معظم الاتحادات التي تعاقبت على إدارة مقدّرات كرة القدم اللبنانية. وسلاحنا الوحيد كان الصبر والدعم الكبير من جمهورنا العريض”.
كذلك عرف النادي نهضة شاملة بعد تشكيل لجنته الإدارية الانتقالية في 26 آذار 1969 برئاسة عمر عبد القادر غندور، الذي كشف لـ”أساس” أنه جاء إلى الرئاسة مصادفة. إذ كان مولعاً بالفروسية ولا يهتم لكرة القدم في الأصل. لكن ابن عمه سمير غندور أقنعه بتولي رئاسة النادي الشعبي.. وهكذا كان.
مع بداية 1971 انتخبت الجمعية العمومية اللجنة الإدارية الأنجح في تاريخ النادي وأجريت في السنوات اللاحقة تعديلات عليها، لكنّها حافظت على أكثريتها. وهي تألفت عام 1971 من عمر غندور رئيساً، ومهدي الجزائري وعاطف سنان لنيابة الرئيس، وبهيج حمدان أميناً عاماً ورفيق بلعة اميناً للصندوق وفؤاد الزبير محاسباً ونور الدين الحصري مستشاراً صحفياً، وماهر بيضون للعلاقات العامة، وعاطف سنّو للشؤون الاجتماعية والثقافية، ومختار حجال مديراً للملعب، ومحمد السباعي للعلاقات الداخلية، وعبد الفتاح قطان للانضباط والأبواب، وعبد مغربل لقطاع الناشئين، وإبراهيم عيتاني مستشاراَ.
مع بداية 1971 انتخبت الجمعية العمومية اللجنة الإدارية الأنجح في تاريخ النادي
عن أبرز الخطوات التي أقدمت عليها الإدارة، يقول غندور لـ”أساس”: “استقدمنا مدرّباً مصرياً هو فهمي رزق. وتعاقدنا مع العديد من اللاعبين الجدد، بعد أن قرّرنا منح اللاعبين رواتب شهرية ثابتة. وللأمانة، فإنّ الراحل عاطف سنان لعب دوراً بارزاً في إنجاح الفريق، إذ ترأس اللجنة الفنية وأدارها بكلّ كفاءة واقتدار”.
وأثمرت الجهود الإدارية في تلك الحقبة بأن أحرز النجمة كأس لبنان للمرّة الأولى في 31 تشرين الأول من عام 1971 متغلّباً في المباراة النهائية على الصفاء 3 – 1. وقد سجّل الأهداف جمال الخطيب، وحسن شاتيلا، ومحمود شاتيلا. وفي موسم 1972 – 1973، حقّق النجمة حلمه الكبير، فأحرز بطولة الدوري واحتفظ بها خلال موسم 1974 – 1975.
في ذاكرة العاصمة يوم نجماوي حاشد آخر في 10 كانون الثاني 1970، حين أعلن رئيس النادي عمر غندور استقالته. وما لبث الخبر أن انتشر في أرجاء بيروت، فانطلقت مسيرات شعبية حاشدة من كلّ مكان باتجاه مقرّ النادي في الطريق الجديدة مطالبة غندور بالرجوع عن استقالته. وكان الأخير توجّه بعد إعلانه الاستقالة إلى منزله في بدارو، حيث رنّ جرس الهاتف، وكان المتحدّث هو مدير مقرّ النادي حينذاك الراحل سمير العدو الذي أخبر غندور بما يجري أمام مقرّ النادي وفي شوارع بيروت حيث كان الألوف يطالبون بعودة الرئيس عن استقالته. وهذا ما حدث لاحقاً بعد فورة بركان جمهور النجمة الكبير.
ولاستقدام بيليه إلى بيروت قصّة يكشف عنها غندور للمرة الأولى لـ”أساس”، فيقول: “كانت لجنة مهرجانات بعقلين تجمع التبرعات لإنشاء تمثال للأمير فخر الدين المعني الكبير، فطلبوا مني تنظيم مباراة بين النجمة وأحد الفرق يعود ريعها للمساهمة في بناء التمثال. فاقترحت عليهم الاتصال بشركة “بيبسي كولا” العالمية والتنسيق مع بيليه لاستقدامه إلى لبنان. فحضوره بالتأكيد سيحدث زلزالاً رياضياً، ويعود بريع كبير للمشروع المستهدف. وبالفعل، اتصلت اللجنة بشركة “بيبسي” فوافقت، وتمّ تنظيم حضور بيليه الذي ارتدى قميص النجمة في 6 نيسان 1975 في حدث تاريخي تكلّم عنه العالم بأسره. وقد بلغ دخل المباراة 135 ألف ليرة، وهو رقم كبير جداً في حينه.