فيما ما كان الثلاثي مصرف لبنان – جمعية المصارف – الصرّافون الشرعيون، يعدّ العدّة لتوحيد سعر صرف الدولار عند عتبة 3850 للمبيع و3900 ليرة للشراء بشكل رسميّ، كان سعر الصرف “الكاش” في “السوق السوداء” يواصل ارتفاعه أمس، مسجّلاً 8500 للشراء و9000 ليرة للمبيع، فيما يُتوقّع أن يبلغ عتبة الـ10 آلاف خلال تداولات اليوم الأربعاء أو غداً ربما.
إقرأ أيضاً: الصرّافون يغيّرون اللعبة: 120 مليون $ شهرياً لحزب الله؟
خلال الأيام الأربعة الماضية، واظب سعر صرف الدولار “القفز الممنهج”، بمعدل ألف ليرة يومياً، من دون وجود أيّ مسوّغ أو مبرّر منطقي لذلك، ما عدا كلام يرويه بعض الصرّافين حول كثافة غير مسبوقة في حجم الطلب، فيما يعزو بعضهم الآخر هذا الأمر، لارتفاع سعر صرف الدولار المستجدّ لدى المصارف من 3000 ليرة إلى 3850، ما حفزّ الناس على المزيد من السحوبات والتهافت على شراء الدولارات “الكاش” من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية لأموالهم المتآكلة سريعاً.
واظب سعر صرف الدولار “القفز الممنهج”، بمعدل ألف ليرة يومياً، من دون وجود أيّ مسوّغ أو مبرّر منطقي لذلك
الاتفاق بين مصرف لبنان وبين الجمعية على رفع سعر الصرف، أبصر النور خلال الاجتماع الشهري الدوري قبل أيام، حيث سارت المصارف على خطى شركات تحويل الأموال التي سبقتها إلى رقم 3850 ليرة قبل نحو أسبوع. الخطوة تأتي في إطار توحيد التسعيرتين مع تلك التي تحدّدها نقابة الصرّافين صباح كلّ يوم عند 3850/3900 ليرة والثابتة عند هذا الهامش منذ ما يزيد عن 10 أيام.
مصدر في “جمعية مصارف لبنان” كشف لـ”أساس” أنّ عدداً لا بأس به من المصارف بدأ باعتماد التسعيرة الجديدة على سحوبات الدولار بشكل تدريجي (وفق الأسقف التي يسمح بها كلّ مصرف فقط)، عازياً تأخّر من تبقّى من هذه المصارف إلى عمليات برمجة الصرّافات الآلية وفق التسعيرة نفسها.
وعلى الرغم من أنّ هذه التسعيرة تعيد إلى المواطن جزءاً من أمواله متآكلة، إلاّ أنها تميط اللثام في المقابل، عن عملية Haircut من نوع آخر بدأت معالمها تظهر بشكل أوضح مع بداية “قوننة” الهوامش بين الأسعار الثلاثة.
فالسوق السوداء باتت هي الأخرى لا تخلو من “هيركت” خاص بها، يميّز بين سعر تداول الدولار الرقمي لدى المصارف، ودولار التحويل لدى شركات تحويل الأموال (وهو 3850)، وبين سعره في سوق الدولارات الكاش (وهو 9000)، والفارق يزيد عن 50% بين السعرين، وإذا واصل الارتفاع فقد يزيد عن 60 %. ما يعني أنّ الدولار الرقمي فقد 60 % من قيمته.
وما يزيد في الأمر تعقيداً، هو أنّ السلطات النقدية في البلاد، في ما يبدو، تراهن على إعادة فتح مطار رفيق الحريري الدولي المقرّر اليوم، من أجل إنعاش السوق الداخلي ولو قليلاً، وضبط الهامش بين سعرها الافتراضي وسعر الكاش من خلال أوراق الدولارات المقبلة من المغتربين والسيّاح، إن وُجدوا.
يقول المصدر نفسه إنّ “الهدف من التسعيرة الموحّدة الجديدة هو الموازنة مع سعر السوق السوداء”، ويتوقّع أن ينعكس هذا السعر “إيجاباً على حجم التحويلات الخارجية، لأنّ السعر المتدنّي لا يحفّز الناس على إرسال الأموال إلى ذويهم في الداخل عبر شركات التحويل”.
ويؤكد أنّ الصرّافين الشرعيين والمصارف لا علاقة لهم بتسعيرة “السوق السوداء” المرتقبة، ويكشف أنّ الرهان معقود على صرف المغتربين لدولاراتهم لدى الصرافين الشرعيين على التسعيرة الرسمية (شبه رسمية فعلياً إذا استثنينا تسعيرة الـ1508 ليرات) أي 3850 ليرة. وهو رهان غير منطقي، لأن لا أحد سيصرف دولاره بـ3850 في حين يمكنه أن يصرفه بـ9000 وربما 10 أو أكثر.
لكن يبدو أنّ المصارف والصرّافين يحاولون دفن رؤوسهم في الرمال والتلطّي خلف ظنون واهية، لأنّهم يعرفون جيداً أنّ المغترب أو السائح الأجنبي (دائماً نقول إن وُجد) يعلم أكثر ممن هم في الداخل بتسعيرة “السوق السوداء” ولا تنقصه الخبرة أو المعلومات، كما يستحيل عليه أن يرضى بتحويل دولاراته إلى الليرة اللبنانية وفق هذه التسعيرة. وإنما سيلجأ إلى أيّ وسيلة من أجل كسب هذا الهامش.
أضف إلى ذلك، فإنّ توصيات المجلس الأعلى للدفاع التي رفعها إلى الحكومة أمس، تقضي بتمديد التعبئة العامة حتّى نهاية شهر تموز، وهذا ربما سيقوّض أماني المصارف والصرّافين، ولا يُستبعد أن تعيد هذه التوصيات أزمتنا بشقيها “الوبائي” و”النقدي”، إلى مربّعها الأول، والليرة إلى أسعارها غير المتوقّعة.