طُبِعت في أذهان اللبنانيين صورتان له، الأولى حين حمله أهل مسقط رأسه، بلدته دوما البترونية، وهلّلوا له وقرعوا الأجراس وزغردوا احتفالاً بتعيينه، في مشهد حظي بالكثير من الانتقادات على مواقع التواصل، والثانية إطلالته التلفزيونية قبل سنتين حين قال جملة “علّمت”، وهي التالية: “لو عندي دكانة فلافل ما بقعد دقيقة بالقضاء”. ويومها كان رئيس الهيئة العليا للتأديب.
القاضي مروان عبود، محافظ بيروت الجديد، دخل السلك القضائي قبل 27 عاماً، كمراقب في ديوان المحاسبة، وخرج منه رئيساً للهيئة العليا للتأديب، ورئيساً لغرفة في ملاك ديوان المحاسبة، المتخصّصة في الرقابة الإدارية المسبقة والقضائية على بلدية بيروت.
إقرأ أيضاً: بلدية بيروت “تدسّ” السم بالدّسم
قبل انقضاء الأسبوع الأول على توليه مهامه في مركز المحافظة في بيروت، استرق موقع “أساس” السمع ليستطلع الأجواء المحيطة بالمحافظ الجديد، الذي يبدو أنّ “الأخبار الإيجابية” سبقته، حتّى لحظة كتابة هذه السطور، بالرغم مما اعتبره البعض “طبْعة باسيل”، بسبب مباركة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تعيينه.
فماذا يقول المحافظ مروان عبود بعد أسبوعٍ واحد من تسلمه شؤون المحافظة؟
كان التعليق الأول من عبود: “حابس حالي بالمكتب ونازل شغل… يومياً حتى ساعات متأخرة من الليل”.
يضع عبود في أعلى سلّم أولوياته، حاجته للتعرف على الموظفين “من كبيرهم إلى صغيرهم”، وإلى طبيعة عملهم والمشاكل والتحدّيات التي تواجههم في العمل
يصف الأجواء بأنّها “إيجابية وضاغطة. فأنا أتعاون مع الجميع بمحبة وأحاول الوقوف في الوسط وعلى مسافة واحدة من الجميع وكلّ همّي أن ننجز، ونستثمر الجهد الذي كان يذهب سُدى في المشاكل والصراعات، بالعمل والمتابعة”.
هو مرتاح لتعاون الجميع، ويحاول دائماً أن يعمل “بطريقة إيجابية بدلاً من الجانب السلبي”. فالبلدية بحاجة لكثير من العمل، وفيها الكثير من الخلل والنقص: “ولو عملنا 24 على 24 ساعة لا يكفي هذا الوقت لتنفيذ كلّ الاستحقاقات الداهمة التي تنتظرنا”.
يضع عبود في أعلى سلّم أولوياته، حاجته للتعرف على الموظفين “من كبيرهم إلى صغيرهم”، وإلى طبيعة عملهم والمشاكل والتحدّيات التي تواجههم في العمل، والتعرّف إلى مكامن الخلل. ومنها يذكر عبود في حديثه لـ”أساس”: “كثرة التواقيع على المعاملات، وكثافة المعاملات ونقص الموظفين”. ولذلك “ستكون المكننة من أولوياتي، وسنحاول قدر الإمكان التخلّص من الطرق التقليدية لنوفّر على الموظفين الجهد والوقت، ونختصر الطريق على المواطنين”.
يرغب محافظ بيروت أيضاً في تحقيق وفر مالي “لتحسين العمل في البلدية، وفي المباني العائدة للموظفين، حيث إنّها غير لائقة، ولا تتضمّن شروطاً آمنة لتخزين الملفات والمستندات، وفيها تراكم عدد كبير من الملفات المتعلقة بالمواطنين المرمية بطريقة غير سليمة”. وذلك بالإضافة إلى “مشاكل كبيرة مثل النفايات، والبنية التحتية، وفصل مياه المجارير عن مياه الأمطار لتفادي الفيضانات”.
لكن من أين يمكن أن نأتي بهذا الوفر المالي؟
يؤكد المحافظ عبود أنّ الوفر يمكن تأمينه من ملفات كانت تُصرف عليها الأموال، كانت تعتبر من الأولويات، و”أنا لا اعتبرها كذلك”. نسأله عن هذه الملفات، فيبدو كأنه يتهرّب من ذكر الملفات الدسمة. يكتفي بذكر “ملف بسيط” على سبيل المثال لا الحصر، وهو تلزيم عمليات ريّ الحدائق بمبالغ يعتبرها عبود “مرتفعة”. ويطرح الاستغناء عنها بتشغيل فوج الإطفاء وتوكيله بهذه المهمة: “فلدينا عناصر ولدينا صهاريج للمياه”، يمكن الاستفادة منها في هذا السياق. ويلفت ممازحاً عند سؤاله عن تحقيق الوفر المالي، إلى أنه “ليس سوبرمان” و”لن أصنع المعجزات”، لكنه يعترف بشرف المحاولة: “كل ما أفعله أنني أضع يدي بيد الجميع، وأتمنى أن يكون الجميع متعاوناً معي لننجز من أجل بيروت”.
الوفر يريده “لأننا مقبلون على أيام صعبة. فواردات البلدية انخفضت كثيراً والنفقات تزيد بشكل كبير. ولا نريد أن نصل إلى مكان نمسّ رواتب الموظفين أو النفقات التشغيلية للبلدية”، مع المحافظة على الاستمرار في تقديم المساعدات للعائلات الأكثر حاجة، في هذه الظروف الصعبة، وعدم التوقف عن صيانة البنية التحتية بالحدّ الذي يسمح به الوضع المالي.
يؤكد المحافظ عبود أنّ الوفر يمكن تأمينه من ملفات كانت تُصرف عليها الأموال، كانت تعتبر من الأولويات
وعن التغييرات التي حصلت في محيط المحافظة، في أوساط المستشارين والإداريين، ووصلت أصداؤها لـ”أساس” يقول عبود: “هناك تحضير لإعادة هيكلة أستعين فيها بكلّ الموظفين وأستفيد من عملهم”. ويضيف: “يحقّ لي أن أعمل مع أشخاص أثق بهم، ويلبّون طموحاتي في العمل. والإنسان لا يرتاح إلا إذا عمل مع أشخاص يعرف طبيعة عملهم، وهذا لا يعني أن من تمّ التخلي عن خدماتهم غير كفوئين”.
يبدو أنّ المحافظ يتعامل بحذر في ما يخصّ التغييرات في مجال الإدارة، لاسيما بعض الأسماء التي “كان عليها إشارات استفهام”. ويؤكد أنّه في طور التحضير، ولا ينكر أنّه يخشى القيام بتغييرات كبيرة تتسبّب بتجاذب طائفي “أنا بغنى عنه في الوقت الحالي. وبدل التجاذب أحاول أن أقوم بعمل جيد على الأرض لنثبت للناس أنّ البلدية بدأت بالعمل”.
بعد عهود من الانتهاكات والمجازر البيئية والتراثية تحت سقف المحافظة، يؤكد المحافظ مروان عبود أنّه “رجل بيئي”، وسيكون “نصير البيئيين”. ويعد بتقديم نظرة جديدة للملفات البيئية والتراثية في بيروت: “لا أقبل في عهدي أن يُهدم بيت تراثي في بيروت. واليوم أصدرت قراراً بوقف هدم بيت تراثي في بيروت”. ويتعهّد للبيروتيين بأنه سيولي اهتماماً بالمشاريع البيئية غير المكلفة.
يبدو أنّ المحافظ يتعامل بحذر في ما يخصّ التغييرات في مجال الإدارة، لاسيما بعض الأسماء التي “كان عليها إشارات استفهام”
كلام المحافظ الجديد يطمئن بيروت وأهلها، إذ للبيئيين وقعٌ إيجابي في كلّ محطة يعرّجون عليها. فهل سيترجم عبود كلامه إلى أفعال في مرحلةٍ هي الأصعب في تاريخ لبنان الحديث، ويكون على مستوى طموحات البيروتيين؟
الأيام المقبلة كفيلة بإثبات ذلك أو نفيه.