من ينشر الفوضى الأمنية في طرابلس؟

مدة القراءة 5 د


لا يغيبُ الهمُّ الأمني عن طرابلس، وهي إذ تكافح لتمرير أيّام القحط العجاف تستمرّ في مكابدة عناصر التفلّت والاختراق، وفي سعيها لطرد أشباح الفتنة، والتنقيب وراء صانعي المكائد، وناصبي الشباك  في مجرى نهرها الذي تحوّل إلى صندوق بريد للرسائل الأمنية!

لا يمكن الدخول في المقاربة الأمنية للأحداث في طرابلس، من دون التوقّف عند واقعة إحراق المصارف في 28-4-2020 التي وقعت إثر استشهاد فواز السمّان، والتي غرّد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش على حسابه عبر “تويتر” حولها قائلاً: “إن الأحداث المأساوية في طرابلس التي تواجه فيها المتظاهرون غير السلميين مع الجيش اللبناني، والتي أدّت إلى استشهاد متظاهر ووقوع إصابات من الطرفين، ترسل إشارة تحذير للقادة السياسيين في لبنان – هذا ليس الوقت المناسب لتبادل تصفية الحسابات أو الاعتداء على البنوك، بل إنها اللحظة التي يتعيّن فيها توفير الدعم الملموس للأغلبية المتزايدة من اليائسين والفقراء والجوعى من اللبنانيين في جميع أنحاء البلاد”.

إقرأ أيضاً: متظاهرون لـ”أساس”: أخطأنا.. وعلينا توحيد شعارات الثورة

فمن هي القوّة التي تمتلك القدرة والنفوذ على تشكيل المجموعات وتمويلها وتوفير المتفجّرات لها، وتأمين الغطاء الأمني المانع من القبض عليها، وهي تقوم بالتخريب في وضح النهار وفي جوف الليل، تحت عين القوى الأمنية؟

موجة إحراق المصارف تلك شهدت مفارقاتٍ مثيرة للعجب، أخطرها أنّها جرت بحضور القوى الأمنية، التي تحوّلت مهمّتها إلى حراسة المصارف بعد انتهاء المخرّبين من إحراقها، بدل دورها الطبيعي، في حماية المؤسّسات العامة والخاصة. فمرّت تلك “الغزوة” من دون أن يُلقى القبض على أيّ مشاغب ظهر علناً في أفلامٍ تمتلكها الأجهزة الأمنية ويمتلكها القضاء اللبناني، وكلاهما دسّا رؤوسهم في رمل العجز.

إلى ذلك تقوم مجموعات معلومة مجهولة ومنذ أشهر وحتى اللحظة بإطلاق النار ليلاً لتوتير الأجواء، وثمة ظهور مسلّح يتكرّر، كان أكبره ليلة انتفاضة سجن القبة في 4-7-2020، وإلقاء قنابل في مجرى نهر أبو علي وملعب الجهاد في التبانة. ولتزداد الصورة قتامة، تشكّلت مجموعات، كشفتها استخبارات الجيش، تقوم ببيع عبوات مصنّعة يدوياً “بهدف رميها في مجرى نهر أبو علي”، وتمكنت من ضبطها وتوقيف المتورّطين وهم: (م. م)، (ب.ح)، (أ. ن) والسوري (ف. ز)”، بحسب بيان قيادة الجيش.

الواضح أن قيادة المؤسّسة العسكرية تعمل على تخفيف وطأة الفلتان الأمني على الرأي العام، كما فعلت عندما أبعدت شبح التوتر لدى كشف عبوات قرب ساحة النور عندما كانت في ذروة الثورة والاكتظاظ البشري، وهي التي تعاني من التدخّلات السلطوية التي لـ”حزب الله” منها حصّة الأسد.

أمّا التطوّر الأخطر الذي تشهده طرابلس، فهو الهجوم على السرايا والمخافر الذي وقع عشية تظاهرة السبت 6-6-2020، واستهدف مخفر التلّ بشكلٍ مباشر، وطاول مخفر السويقة وكان مخطّطاً أن يشمل أكثر مخافر المدينة، وسط حملة غير مسبوقة استهدفت قوى الأمن الداخلي من مجموعاتٍ دخيلة على الثوّار، ليقتصر دور الجيش والأمن الداخلي على صدّها ومنعها من تحقيق أهدافها، من دون القبض على من يمارسون هذا المستوى الخطر من الاعتداء على الدولة ومؤسّساتها الشرعية.

خصّصَ موقعُ “بيروت سيتي” الإلكتروني تغطيةً مباشرة للهجوم على مخفري التل والسويقة “وهو الموقع الذي يرعاه بهاء الحريري”، بالترافق مع حملة شيطنة سافرة لقوى الأمن الداخلي ورميِها باتهامات القمع والعجز والجُبْنِ

فما هو السبب وما هي العوائق التي تجعل ضباط وعناصر الجيش وقوى الأمن يقفون عاجزين عن توقيف من يرتكبون في القانون جناية الاعتداء على عناصر القوى الأمنية ومراكزها، وهذا السؤال ليس عابراً لأنّه يجسّد حقيقة الأزمة التي تواجهها الأجهزة الرسمية أمام انتشار مجموعات تمارس كلّ أشكال التخريب وتحتمي بستار الجهة الوحيدة القادرة على منح الحصانة لهؤلاء، من خلال تشكيلات ما يسمّى “سرايا المقاومة”، لأنه بعد التدقيق في طبيعة هذه المجموعات يتأكّد أنها ليست من الجسم الثوري، بل تنتمي لمرجعياتٍ في 8 آذار وأعدادٌ من أعضائها سوريون وفلسطينيون، باتوا هم الذين يحتلّون شوارع طرابلس ليلاً. وبعضُ من ادّعى الابتعاد عن النائب فيصل كرامي، مثل (أ.م.) يتولّون إعادة رسم مشهد التطرّف بإحضار أشخاص يرتدون “اللباس الباكستاني” إلى ساحة النور ليلة 6-6-2020 لتوجيه الشتائم المذهبية ضدّ “حزب الله”.

في هذه الأجواء، خصّصَ موقعُ “بيروت سيتي” الإلكتروني تغطيةً مباشرة للهجوم على مخفري التل والسويقة “وهو الموقع الذي يرعاه بهاء الحريري” ، بالترافق مع حملة شيطنة سافرة لقوى الأمن الداخلي ورميِها باتهامات القمع والعجز والجُبْنِ، ووصف المهاجمين بـ”الثوار” وأشاد المراسل بإصرارهم على الاقتحام والتهجّم على المقرّ الأمني وتوسيع نطاق الاستهداف إلى كلّ مخافر طرابلس، واعتبار هذا الاقتحام “فعلاً ثورياً” يستحقّ الدعم والإشادة.

فماذا يعني إشاعة هذا النوع من التغطية التحريضية الداعية عملياً إلى إفراغ طرابلس من مخافر قوى الأمن وشيطنتها وإلصاق هذه الممارسات بالثوار؟ مع التذكير بأنّ استهداف المقارّ الأمنية هو أحد أهمّ استراتيجيات المنظمات الإرهابية في العالم العربي والإسلامي!!

مواضيع ذات صلة

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…

من يُنسّق مع باسيل بعد وفيق صفا؟

بات من السهولة رصد تراكم نقاط التباعد والفرقة بين التيّار الوطني الحرّ والحزب. حتّى محطة otv المحسوبة على التيّار أصبحت منصّة مفتوحة لأكثر خصوم الحزب شراسة الذين…