مرة جديدة يعود التجاذب والترقّب إلى ملف الإفتاء في الشمال من بوابة سعي الرئيس سعد الحريري إلى التجديد مرة ثالثة لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار الذي تنتهي فترة التمديد الثانية له آخر شهر أيار الجاري، مقابل اعتراض مرجعيات طرابلس السياسية على هذا التمديد.
مصادر خاصة بـ”أساس” كشفت عن توجّه لإصدار بيان مشترك عن كلٍّ من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي والوزير السابق أشرف ريفي، يرفضون بواسطته، وبشكل قاطع، التجديد للمفتي الشعار. إلا أن المباحثات أفضت إلى الاستعاضة عن هذا البيان بأن يقوم الرئيس نجيب ميقاتي بالاتصالات مع المعنيين والطلب منهم عدم التمديد للشعار.
وأضافت المصادر أن الرئيس ميقاتي أبلغ رؤساء الحكومات السابقين، والرئيس فؤاد السنيورة تحديداً، أنّه في حال إصرار الرئيس سعد الحريري على تكرار التمديد وعلى تجاهل قرار مفتي الجمهورية والتمادي في تعطيل قوانين وأعراف مؤسسات دار الفتوى، فإنه سيعلّق مشاركته في اجتماعات رؤساء الحكومات السابقين.
إقرأ أيضاً: ميقاتي يدفع ثمن عضويّته في لقاء “الرؤساء الأربعة”
تجدر الإشارة إلى أن آخر شهر أيار الجاري تنتهي فترةُ التمديد الثانية التي قرّرها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، لمدة خمسة أشهر (من 1-1-2020 لغاية 31-5-2020)، على أن يتولّى أمين الفتوى في طرابلس الشيخ محمد إمام مهامّ إفتاء طرابلس فور انتهائها، إلى حين انتخاب مفتٍ أصيل. وهو الذي سبق أن قام بهذه المهمّة مرّتين: الأولى عندما استقال المفتي الراحل المرحوم الشيخ طه الصابونجي. والثانية عندما غادر المفتي الشعار إلى فرنسا في العام 2012.
من جهته، تشير مصادر الرئيس سعد الحريري إلى أنه يسعى للتمديد للشعار وفق خُطّةٍ مُرَكّبة تتضمّن مراحل متدرّجة:
ــ ممارسة ضغوط مشدّدة على الشيخ محمد إمام للاعتزال والامتناع عن استلام مهامّ مفتي طرابلس.
ــ الضغط على الشيخ إمام للخروج نهائياً من دائرة الترشّح لمنصب المفتي في حال حصول الانتخابات.
ــ يفتح تخلّي الشيخ إمام عن مهامّه الباب لنسف قرار المفتي دريان بعدم التمديد للشيخ الشعّار ولإعادة تكليفه “إلى حين إجراء انتخابات للمفتين في المناطق”، وهو أمرٌ لن يحصل في المدى المنظور.
حتى كتابة هذا التقرير لم تظهر على الشيخ إمام بوادرُ التراجع أو الانكفاء، لكن الرئيس الحريري يراهن على مسألتين:
ــ الأولى: تقوى الشيخ محمد إمام ووَرَعُه وخوفـُه على دار الفتوى ومصالح المسلمين وكرهه للفتن والنزاعات، وزهده بالمناصب والمواقع، فيأتي من يصوّر له بأنّ تمسّكه بمهامّه سيؤدّي إلى فتنة وإلى صراعات داخل دار الفتوى وخارجها لدفعه إلى التخلّي عن دوره المنتظر، بينما وجودُه في المؤسّسة ضمانة استقرار.
ــ الثانية: ممارسةُ ضغوط إضافية على مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لتشجيع الشيخ إمام على التنحّي. وقد علم “أساس” أنّ “موفدين” موظّفين من الفئة الرابعة، من قبل الرئيس الحريري يقصدون سماحة المفتي دريان، ليبحثوا معه في هذا الملف.
لكن عنصراً جديداً طرأ على الموقف تمثّل في القرار الذي اتّخذه رئيس الحكومة حسان دياب بعدم التجديد أو التمديد لأحدٍ في موقعه في الإدارات العامة.
لا تنحصرُ إشكاليةُ التمديد للمفتين في طرابلس، بل هي تبرز في مناطق أخرى، مثل صيدا وصور وجبل لبنان والبقاع، ولكنها ربما تكون أكثر نفوراً في عاصمة الشمال لأسباب يتداخل فيها الشخصيّ والعام
وقد تناول العضو السابق في المجلس الشرعي المحامي همام زيادة، الأثر المعنوي والعملي لهذا القرار فأوضح في حديث لـ”أساس” أنّ الصلاحيات الإداريّة في مؤسسات دار الفتوى محصورةٌ بالمرجعية الدينية. وليس لرئيس الحكومة سلطةٌ مباشرة على مفتي الجمهورية. لكن رئيس الوزراء يمكن أن يعرقل شؤون المفتي إذا لم يكونا على توافق، كما هو الحال مثلاً في التعيينات الصادرة عن مفتي الجمهورية بصفته رئيس رئيس مجلس القضاء الشرعي الأعلى، فهي تحتاج أيضاً موافقة رئيس الحكومة، لهذا يخلص زيادة إلى ضرورة أن تكون العلاقة سوية بين المرجعيتين الدينية والسياسية. فرئاسة الحكومة هي مرجع القضاء الشرعي، ومراسيمُ تعيين ونقل القضاة الشرعيين لا تصدر إلاّ بموافقة رئيس الحكومة.
رغم أنّ المفتي المعيّن أو الممدّد له لا يتقاضى راتباً من رئاسة الحكومة، بل مخصّصات من دائرة الأوقاف، إلاّ أن الدائرة تنوء بأثقالها، والتعقيدات السياسية وتفاقم الخلاف حول هذا الملف ستجتذب تدخّل كثيرين، فهل سيكون من السهولة التمديد للمرة الثالثة للمفتي الشعار؟
الجدير بالذكر أنه لا تنحصرُ إشكاليةُ التمديد للمفتين في طرابلس، بل هي تبرز في مناطق أخرى، مثل صيدا وصور وجبل لبنان والبقاع، ولكنها ربما تكون أكثر نفوراً في عاصمة الشمال لأسباب يتداخل فيها الشخصيّ والعام، لكنّ النتيجة واحدة، وهي المراوحة والتعطيل في دور دار الفتوى والأوقاف في النهوض بالمجتمع المسلم.