لن ينتهي “مسلسل بهاء” في القريب العاجل. عدد الحلقات مفتوح على “تمديد” متوقّع ليس لأن المحتوى مشوّق، بل لأن الظهور الإعلامي الترويجي لنجل رفيق الحريري البكر متقطّع ومتباعد لا يخدم سياق أيّ فكرة أو تسلسل أحداث أو “نهاية” يفترض أن ترسو على برّ ما. كلّ ما في الأمر أن الرجل يبتعد خطوات إلى الوراء ثم يهرول مُسرعاً ضارباً رأسه بالحائط. يتراجع أمتاراً، يأخذ نَفَسَاً، ثم يكرّر المحاولة… وهكذا دواليك. من يستطيع أن يكتب نهاية مسلسل كهذا؟
قبل أيام رُصِد لمسوّق “مُنتَج” بهاء لـ”الإنقاذ الوطني”، جيري ماهر، “ريتويت” (إعادة تغريدة) لمنشور على صفحة قناة “الجديد” في “تويتر”، لاستطلاع كانت طرحته عبر فقرة “زوم إن”، مفاده سؤال واحد للمتابعين: “هل تؤيّد سعد الحريري، بهاء الحريري، لا للاثنين معاً، نعم لوحدة العائلة”.
نتيجة الاستطلاع انتهت إلى نسبة تأييد لبهاء بلغت 73 % في مقابل 7 % لسعد.
حسنًا، ماذا عن الأرض والواقع؟ من أين لشبه مشروع سياسي أن يَحصد هذا الكمّ من التأييد؟
إقرأ أيضاً: مزحة اسمها بهاء الحريري
الحديث عن “ثقلٍ” ملموس لبهاء الحريري في السياسة يخرج اليوم عن أيّ منطق وأيّ معطيات جديرة بالمتابعة. ولذلك ثمّة “عدّة” تروّج لـ”الفرصة” التي يمثّلها الرجل المقيم خارج لبنان منذ عقود، إما من جانب بعض الناقمين والمتضرّرين من سعد الحريري أو من قبل مراهنين على تحوّل دولي خليجي في النظرة إلى الملعب اللبناني وأدواته. وآخر جولات “الماركيتنغ” تسريب “خبرية” غير مسندة إلى مصدر واضح، تقول إنّ “الأميركيين ينتظرون بفارغ الصبر الجلوس مع بهاء الحريري والتفاهم معه”.
على الأرض “تتبّع الحالة” يقود إلى بيروت. بهاء موجود على شاكلة دراجات نارية غبّ الطلب، يدفع لسائقها 25 أو 50 ألف ليرة، أي ما يقلّ عن 15 دولاراً في “المهمّة” الواحدة. وموجود على شكل مساعدات عينية أو بطاقات تشريج هاتفية أو بطاقة استشفاء… نصل إلى الشمال والبقاع حيث “تمويل” لبعض الناشطين على مواقع التواصل، وعلى الأرض، ومساعدات موسمية من دون وضوح في المسار العملاني والتجييشي.
في بيروت رجلُ درّاجات بهاء هو فادي غلاييني، منسّق تيار المستقبل السابق في أميركا الشمالية وحامل الجنسية الأميركية. رجل يبحث منذ سنوات عن لقب حزبي أو نيابي فإذا به يقال من تيّار المستقبل بعد انتخابات 2018.
أما الناطق الرسمي باسم بهاء، المحامي نبيل الحلبي، فهو كان يقيم منذ فترة في تركيا، ومن هناك أدار دفّة تسويق الـ”نيو حريرية” والتمهيد لعودة “المغترب” المخلّص. لا بل أكثر من ذلك، فكوادر “المنتديات” المتوزّعة بين البقاع والشمال وبيروت، الشخصيات الرئيسية فيها، وتحديداً في طرابلس والبقاع، زاروا برفقته تركيا قبل ثورة 17 تشرين، حيث خضعوا لورش تدريبية في مدينة هاتاي الحدودية، وما أدراك ما هاتاي ومن تأوي.
بعد العودة النهائية إلى بيروت تسلّم غلاييني منسّقية رأس بيروت، وبقي الى جانب سعد الحريري حتى ما بعد الانتخابات النيابية عام 2018. ليكون الظهور الأول “المضادّ” له على جبهة بهاء الحريري مع انطلاقة “ثورة 17 تشرين”، وإمساك نبيل الحلبي بـ”المنتديات” وتحويل “جماعة بهاء” ذكرى 14 شباط إلى مسرح لاستعراض استفزازي على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري .
المركز الرئيسي لمنسّقية “المنتدى” اليوم في كاراكاس – رأس بيروت، ومن هناك يدير غلاييني تفاصيل تعزيز حضور بهاء الحريري بين الطريق الجديدة ورأس بيروت. ووفق المعلومات، سيتمّ بعد نحو أسبوعين، أو شهر بالحدّ الأقصى، افتتاح مركز رسميّ لمؤسّسات “المنتدى” في بناية يملكها بهاء الحريري في وسط بيروت. لهذا التوسّع رمزيته ودلالاته خصوصاً أنها ستكون “النقطة” الأقرب لبيت الوسط.
لا شك يَلعب “البهائيون” على وتر الخلافات المستورة وصراع الأجنحة داخل “تيار المستقبل” والذي له امتداداته عبر المدينة. ما قد يفسح في المجال لتوسيع رقعة “الرماديين” الذين قد يجدون أنفسهم أقرب الى بهاء أو قوى بيروتية أخرى لا توفّر فرصة للتمدّد، داخل بقعة تشهد خلط أوراق لم تعرفه العاصمة بهذا الوضوح منذ العام 2005.
ومن كراكاس، يستعين غلاييني بعيسى الكرومبي الملقّب بـ”البطل”، وابنه موسى الكرومبي، “قائد عمليات” تحريك “فوج” الدراجات النارية التي توسّع “عديدها” مؤخّراً من 25 إلى نحو 300، تتحرّك بإشارة منه و”تنضبّ” بمثلها. وآخر استعراض لها حصل أمام مصرف لبنان مؤخراً بتوجيه من موسى كرومبي، ومعظمهم انطلقوا من الطريق الجديدة، رافعين شعار التضامن مع طرابلس بعد وفاة الناشط فؤاد السمّان إثر حوادث طرابلس في 27 نيسان. كما رصد خطّ سيرهم باتجاه قصر قريطم ومنزل الرئيس فؤاد السنيورة في بليس.
تقول معلومات في هذا السياق إنّ اجتماعات حصلت مؤخراً في نادي الكرومبي الرياضي بين أشخاص من آل عواد وأشخاص من آل كيالي، وهمّ من التابعية الفلسطينية بهدف “تجنيد” المزيد من المؤيّدين لبهاء
في الطريق الجديدة، النفوذ الأقوى لسعد الحريري دون أيّ شك. لكن بالاتجاه من قصقص إلى أرض جلول وصولاً إلى جزء من صبرا، يبرز طيف بهاء في عمق صبرا. هنا يكثر الحديث عن جماعة أبو خميس البيروتي وابن شقيقه علاء ششنية، من الجنسية الفلسطينية، وكانوا من الناشطين عسكرياً، وظهر ثقلهم بوضوح خلال أحداث أيّار في الطريق الجديدة بين “تيار المستقبل” وشاكر البرجاوي. لكنهم ينتظرون مخصّصات بهاء وأرقامها ومدى الالتزام بها.
هؤلاء تحديداً، وبعكس ما يجزم البعض، لا يزالون من “جماعة سعد”، إذ إنّ العارفين يقولون إنّ بهاء تمكّن من استمالتهم. وتكمن أهمّيتهم بـ”النوعية” وليس “الكمية”. فعددهم لا يتجاوز الـ50 لكنهم أصحاب خبرة في التعاطي مع الأرض ومدرّبون عسكرياً. كما يبرز في منطقة المدينة الرياضية ثقل عائلة كرومبي الداعمة لبهاء الحريري، وهي عائلة من عرسال نزح أهلها إلى بيروت ولطالما لجأ بعض أبنائها إلى السلاح في كثير من المحطات.
وتقول معلومات في هذا السياق إنّ اجتماعات حصلت مؤخراً في نادي الكرومبي الرياضي بين أشخاص من آل عواد وأشخاص من آل كيالي، وهمّ من التابعية الفلسطينية بهدف “تجنيد” المزيد من المؤيّدين لبهاء.
وفي اليومين الماضيين، رُفِعت المزيد من صور سعد الحريري منفرداً وصورة له مع نهاد المشنوق في شارعي الصيداني والخرطوم في الطريق الجديدة… وكلّ هذا لا يبشّر بأقلّ من تفاقم الاستنفار المتبادل بين الشقيقين خلال المرحلة المقبلة.
قريبون من بيت الوسط يتمتمون خلف الكواليس: “حركة بهاء… بلهاء بلا أفق”. في المقابل، رجل الأعمال الذي يستفيد من شبكة “البيزنس” ويرصد ثقلها بين الأردن وموسكو، لن يراه أحد في بيروت في المدى القريب. هو يفضًّل حتّى الآن التواصل عن بعد، ومتأبّطاً، كما يقول مؤيّدوه، مشروعه السياسي “لما بَعد بَعد سعد”!