الأطفال وكورونا: هل المدارس آمنة؟ وهل ينشرون الوباء بصمت؟

2020-05-08

الأطفال وكورونا: هل المدارس آمنة؟ وهل ينشرون الوباء بصمت؟


سميرتي ملاباتي (Smriti Mallapaty)، نايتشر (Nature) 7 أيار 

دور الأطفال في نشر فيروس الكورونا، كان السؤال الأساسي منذ البدايات الأولى لانتشار الوباء. الآن ومع استعداد بعض البلدان لاستئناف الحياة بعد أسابيع من الإغلاق، فإنّ العلماء في سباق من أجل بحث هذه المسألة وحسم القرار فيها.

الأطفال هم شريحة صغيرة من حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد19، أي من هم تحت سنّ 18، ويشكّلون أقل من 2% من المصابين في الصين، وإيطاليا، والولايات المتحدة.

لكنّ الباحثين منقسمون على أنفسهم، فيما إذا كان الأطفال أقلّ قابلية للإصابة من الكبار، أو بالمثل فيما يتعلّق بنشرهم للفيروس. بعضهم يقول بناء على عدد متزايد من الأدلة إنهم في خطر أدنى من الكبار. ولذا، هم غير مسؤولين عن معظم حالات العدوى. وهذه المعطيات تدعم فكرة فتح المدارس، كما يقول ألاسدير مونرو (Alasdair Munro) الباحث في الأمراض المُعدية، في المستشفى الجامعي ساوث أمبتون (Southampton)، في بريطانيا.

إقرأ أيضاً: الكورونا يتطوّر بانتشاره فأيّ نسخة أخطر؟

لقد عاد الأطفال إلى المدارس في ألمانيا والدانمرك، ومن المنتظر أن يعود التلاميذ تدريجياً في أستراليا وفرنسا، في الأسابيع المقبلة. لكن بعض العلماء يعارضون العودة المتسرّعة إلى قاعات الصفوف. ويقولون إن الإصابات أقلّ وسط الأطفال، جزئياً لأنهم تعرّضوا أقلّ من غيرهم للفيروس خاصة بعد إقفال المدارس، كما أنهم لم يخضعوا للفحص كما خضع الكبار، لأن أعراض الإصابة لديهم متوسطة، أو لا أعراض عندهم. ويقول غاري ونغ (Gary Wong) الباحث في الأمراض التنفسية بالجامعة الصينية في هونغ كونغ: “لا أرى أيّ سبب قوي، لا بيولوجياً ولا وبائياً يؤكّد أن الأطفال لا يُصابون”. ودعا إلى تجهيز نُظُم الرقابة والفحص قبل فتح المدارس، وإلا فإن هذا سيسهّل نقل العدوى في المجتمع. وإذا كان الأطفال هم من ينشرون الفيروس بالدرجة الأولى، فإن الإصابات بالوباء ستشهد طفرة في الأسابيع القليلة المقبلة، في البلدان حيث أعيد فتح المدارس، بحسب هؤلاء الباحثين. لكن حسم هذا النقاش، يحتاج إلى دراسات رفيعة المستوى – وبعضها يجري فعلاً – وتتضمّن فحص الأجسام المضادة في الدم، كعلامة على إصابة مبكرة بالوباء.

علماء آخرون يدرسون استجابة الجهاز المناعي لدى الأطفال، لمعرفة السبب في أن إصابتهم أقلّ  من حالات الكبار، عما إذا كان هذا يمنحنا فرصة للعثور على علاجات محتملة. 

جدل في قابلية العدوى

في دراسة منشورة في 27 نيسان في مجلة “لانست للأمراض المعدية” (The Lancet Infectious Diseases)، وهي نُشرت أولاً كمسوّدة بحث مطلع آذار الماضي، على الحالات المؤكدة بين الأُسر في شينزهن بالصين، فإن الأطفال تحت سنّ العاشرة معرّضون للإصابة بالوباء كالكبار، لكن أعراض المرض عندهم أقلّ حدّة. وعن هذا البحث الأوّلي، يقول الدكتور مونرو “إنه أرعب الجميع”، لأنه يطرح أنه من الممكن للأطفال أن ينشروا الوباء بصمت.

في المقابل، ثمة دراسات أخرى، في كوريا الجنوبية وإيطاليا وأيسلندا، حيث يجري الفحص على نطاق أوسع، لاحظت نِسَباً أقلّ من الإصابات بين الأطفال. وتدعم بعض الدراسات في الصين هذا الطرح. فالدراسة الأولى المنشورة في مجلة “ساينس” “Science” في 29 نيسان الفائت، تحلّل المعطيات من مقاطعة هونان (Hunan)، حيث تمّ تعقّب المتواصلين مع المصابين وجرى فحصهم كذلك. وخلصت الدراسة إلى أنه بمقابل كلّ طفل مصاب تحت سنّ الخامسة عشرة، ما يقارب ثلاثة مصابين من الكبار، ما بين 20 و64 من عمرهم. لكن هذه المعطيات أقلّ حسماً فيما يخصّ من هم في سنّ الخامسة عشرة وما فوق، وتفترض الدراسة أن خطر إصابتهم بالوباء مشابهة لحال الكبار، كما يقول مونرو. 

خطر نقل العدوى

لكن من غير المفهوم تماماً إن كان الأطفال المصابون ينشرون الفيروس بالطريقة نفسها التي ينشرها الكبار. ففي دراسة عن مجموعة من حالات الإصابة في منطقة الألب الفرنسية، لوحظت حالة غريبة وهي أن طفلاً في التاسعة من عمره، ظهرت عليه أعراض كوفيد19، وكان يتردّد على ثلات مدارس ويحضر درس التعلّم على التزلّج، لكنه لم ينقل العدوى إلى أيّ شخص آخر. ويقول مونرو: “لا يكاد يُسمع عن مُصاب راشد اختلط مع كثير من الناس دون أن ينقل العدوى إليهم”.

أما الخبيرة في علم الفيروسات كريستي شورت (Kirsty Short) بجامعة كوينزلاند (Queensland) في بريسبان (Brisbane) بأستراليا، فقامت بتحليل عدة دراسات أُجريت على الأُسر، وبعضها في بلدان لم تقفل المدارس في ذلك الوقت، مثل سنغافورة. ووجدت في تحليلها الذي لم يُنشر بعد، أنه من النادر أن يكون الأطفال من أوائل الناقلين للعدوى إلى المنزل، وكانوا من أولى الحالات المؤكدة بالمرض بنسبة 8% فقط. وبالمقارنة، كان الأطفال من أوائل المصابين في 50% من الأُسر لدى انتشار وباء أنفلونزا الطيور(H5N1).

ويقول مونرو إنّ “الدراسات التي تناولت الأُسر هي مُطمئِنة لأنه لو كان هناك كثير من الأطفال المُصابين، فلن يعودوا إلى المنزل وينقلوا العدوى إلى بقية أفراد الأُسرة”.

لكن الباحث ونغ في هونغ كونغ يعتبر أن البحث المذكور ليس موضوعياً، فالأُسر المدروسة لم يتمّ اختيارها عشوائياً، بل لأنه فيها مُصاب راشد. لذا، من الصعب جداً تأكيد من الذي نقل الفيروس. كما أن إغلاق المدارس والحاضنات يمكن أن يفسّر عدم كون الأطفال هم الناقلين الأساسيين للعدوى. إن فيروسات أخرى تضرب الجهاز التنفّسي يمكن أن تنتقل بين الأطفال والكبار، في الاتجاهين، لذلك “لا أعتقد أن هذا الفيروس (الكورونا المستجدّ) هو استثناء من القاعدة”.

تقول نظريات أخرى، إنّ الأطفال يتعرّضون أكثر من الكبار إلى أنواع أخرى من فيروس الكورونا وعلى نحوٍ رتيب، وهي تتسبّب بنزلة برد شائعة، وهي التي تحميهم من المرض الخطير

في الواقع، ثمة بحثان أوّليان أشارا إلى أن الأطفال الذين يحملون أعراض كوفيد19، يمكن أن يكون لديهم الحجم نفسه من الحمض النووي الريبوزي (RNA) المسؤول عن تكاثر الفيروس، كما الذي عند الكبار. لهذا، وبناء على هذه النتائج، تعارض الدراسة التي أدارها كريستيان دروستن (Christian Drosten)، عالم الفيروسات في مستشفى شاريتيه (Charité) في برلين “فتح المدارس والحاضنات على نحوٍ مطلق في الوضع الراهن. فيمكن أن يكون الأطفال ناقلين للعدوى مثل الكبار”. بالمقابل، من غير الواضح إن كان ارتفاع مستوى الحمض النووي الريبوزي للفيروسات في الجسم المصاب مؤشراً على مدى قابلية نقل العدوى إلى الآخرين، كما يلاحظ هاريش نير (Harish Nair)، عالم الأوبئة في جامعة إيدنبيرغ في بريطانيا.

وثمة دراسات قليلة تتحدّث عن نقل العدوى من المدارس إلى المجتمع، لكن تقريراً أسترالياً عن دراسة قيد الإعداد يقول إن العدوى محدودة، وأقلّ بكثير من فيروسات الجهاز التنفّسي الأخرى، مثل الأنفلونزا. فمن بين أكثر من 850 شخصاً تواصلوا مع تسعة تلاميذ و9 من أعضاء الهيئة المدرسية، تأكدت إصابة شخصين فقط بكوفيد19، في المدارس الابتدائية والثانوية في ولاية نيو ساوث وايلز (New South Wales)، والإصابتان من الأطفال.

بناء على هذه الاستنتاجات، يؤيد مونرو السماح للأطفال العودة إلى المدارس: “الأطفال هم أقلّ الرابحين من حالة الإغلاق، ولديهم الكثير ليخسروه، مثل خسارة التعليم وعدم الحصول على الدعم الاجتماعي مثل الوجبات المجانية في المدارس”.

لكنّ فتح المدارس لا يعني العودة إلى الحالة الطبيعية، كما تقول عالمة الفيروسات شورت. بل ستزيد القيود والتغييرات، كإبعاد الطاولات في صفوف الدراسة، وإقفال الملاعب، لتقليص مخاطر العدوى. وستكون دراسات العدوى في المدارس عندما تفتح أبوابها ذات أهمية كما يقول الدكتور ونغ. فقد لحظ الباحثون في خطة هولندا لفتح المدارس تدريجياً أن تبقى المراقبة لصيقة في الأسابيع المقبلة. 

استجابة الجهاز المناعي

يتفق الباحثون في كلّ الأحوال على أنّ الأطفال يتعاملون مع كوفيد19 على نحوٍ أفضل من الكبار. فمعظم الأطفال المُصابين لديهم أعراض متوسطة، أو لا أعراض لهم، لكن بعضهم يُصاب بشدّة أو حتّى يموت. وهناك تقارير عن أطفال في لندن ونيويورك تطوّرت لديهم استجابة التهابية للفيروس مشابهة لما يحصل للمصابين بالمرض الطفولي النادر كواساكي (Kawasaki). ويقول الدكتور هونغ: “لن أتفاجأ إذا ما ترابط كوفيد19 مع كواساكي، لأن كثيراً من الإصابات الفيروسية ترابطت معه”. وإذا ما ثبت أن الترابط أصلي، فيمكن أن يكون قد افتُقد في الصين واليابان وكوريا الجنوبية، لأن مرض كواساكي أكثر انتشاراً في آسيا”.  

وثمة نظرية تبحث في سبب إصابة معظم الأطفال بأعراض متوسطة، كما يقول يونغ. لأنّ رئتي الطفل تحتوي على مستقبلات (ACE2) أقلّ عدداً أو أقلّ نضوجاً من رئتي الكبير. وهذه المستقبلات هي بروتينات يستعملها فيروس الكورونا من أجل اختراق الخلايا. لكن من أجل إثبات هذه النظرية نحتاج إلى دراسة عيّنات أنسجة من الأطفال كما يقول يونغ، وهذه من الصعب جداً الحصول عليها.

وتقول نظريات أخرى، إنّ الأطفال يتعرّضون أكثر من الكبار إلى أنواع أخرى من فيروس الكورونا وعلى نحوٍ رتيب، وهي تتسبّب بنزلة برد شائعة، وهي التي تحميهم من المرض الخطير: “لكن هذا لا يبدو مقنعاً كثيراً، وحتى الأطفال حديثي الولادة لا يصابون بشدة بكوفيد19″، كما يقول مونرو.

أما الدكتور يونغ فيطرح مسألة أخرى، وهي أنّ استجابة الجهاز المناعي عند الأطفال أقوى من استجابة الكبار، لكن ليست قوية جداً بحيث تتضرّر الأعضاء الأخرى في الجسم.

التحليل الأوّلي لـ300 مصاب خلص إلى أنّ الأطفال ينتجون مستويات أدنى من السيكوتين  (cytokines) وهي البروتينات التي يطلقها نظام المناعة في الجسم. في حين أن المرضى من كلّ الأعمار، والذين يعانون بشدة، لديهم مستويات أعلى من السيكوتين. لكن ما زال يحتاج إلى تمتين الصلة بين السبب والنتيجة، “فهل هم أكثر مرضاً لأن لديهم سيكوتين أكثر في أجسامهم، أم لديهم سيكوتين لأن مرضهم أشدّ؟”.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…