جبران باسيل: وصول القطار إلى المحطة الأخيرة!

مدة القراءة 6 د


“حلم وطن”. هكذا تبدأ الحكاية، التي تدور أحداثها، افتراضياً في المستقبل. في أيار من العام 2020. الحكاية وضعتها وزارة الطاقة في أيار من العام 2013، في “قصة مصوّرة” بطلاها الوزير جبران باسيل ونجله، بعدما تمّ استخراج النفط والغاز، وأُقيمت السدود ومعامل إنتاج الكهرباء.

في الحكاية يصطحب باسيل ابنه إلى محطة القطارات في البترون، يستقلان القطار ويعطي باسيل نجله مقعداً على النافذة: “إنها النافذة على مشاريعنا المنجزة” تقول الحكاية. من النافذة يستطيع الطفل، حفيد ميشال عون، أن يلاحظ أنّ الشواطئ جميعها أصبحت عمومية والتعدّيات عليها لم تعد ممكنة. هكذا تقول الحكاية، وتكمل إنّ خط الغاز الساحلي أصبح منجزاً وسدّ جنّة أصبح مشروعاً سياحياً ضخماً، ويغذّي اللبنانيين بالمياه. ليس فقط اللبنانيين. لا، الحكاية تقول إنّ السدّ يغذّي قبرص بالمياه في العام 2020 أيضاً. وينصح باسيل ابنه في القصة: “حافظ على المياه كحياتك يا بنيّ”.

أسراب عصافير تطير فوق مدخنتي معمل الزوق للكهرباء في القصة، في إشارة إلى تزويدهما بفلاتر لتخفيف الانبعاثات، وأهل الزوق كما يخبر جبران ابنه، يتمتعون بحياة أفضل وبصحة جيدة الآن.

بعد سبع سنوات ويزيد على بضعة شهور، يمكن رواية الحكاية الحقيقية، التي يمكن لجبران باسيل أن يخبرها بصدق لولده من دون كذب. قصة خالية من الأوهام، وتحكي عن الماضي ونتائجه الواضحة على الحاضر

مكبّ النفايات أصبح منتزهاً، وشُيدت بالقرب منه محطة ميترو بيروت. تنتهي الرحلة بالقطار ليذهب جبران مع ولده في رحلة بالقارب لمشاهدة “حقل بيروت الشمسي” لتوليد الطاقة البديلة، ومحطة الصرف الصحي، ثم ينتقلان إلى منصة التنقيب عن النفط، وهناك يلتقي باسيل بوزير الطاقة الذي لم تذكر القصة اسمه، ولا نعرف بأيّ صفة يلتقيه باسيل. لكن على الغالب يراد من القصة القول إنّ باسيل سيكون بموقع متقدّم، ربما رئيساً للجمهورية، يجول بفخر مع ولده على الإنجازات التي تحقّقت بفضل سياساته وخططه. لكنها قصة عن المستقبل. مجرّد “حلم وطن”.

بعد سبع سنوات ويزيد على بضعة شهور، يمكن رواية الحكاية الحقيقية، التي يمكن لجبران باسيل أن يخبرها بصدق لولده من دون كذب. قصة خالية من الأوهام، وتحكي عن الماضي ونتائجه الواضحة على الحاضر.

ماذا تحقّق من القصة المصوّرة التي أنتجتها وزارة الطاقة في العام 2013؟

لا شيء. حرفياً.

لا شيء. لا ماء، ولا كهرباء، ولا قطارات، ولا محطة شمسية، ولا محطات تكرير، ولا نفط، ولا غاز. لا شيء. كانت كذبة. والحكاية الحقيقية، لو تسنّى لنا أن نعيش في مجتمع خالٍ من الكذب تماماً كما في فيلم ريكي جيرفيز “اختراع الكذب” (متوفّر على نتفليكس)، كيف كان جبران ليخبرها، اليوم في نهاية العام 2020 لابنه؟

لن يركب مع ابنه القطار، لانه لا يوجد قطار. وجبران لا يستخدم للتنقّل إلا موكباً كبيراً يضمّ عدداً من السيارات المصفحة، والتي يحجب زجاجها الداكن الرؤية. لا يركب جبران ولا أولاده النقل المشترك. وليس هناك أصلاً نقل مشترك. ابن جبران سيركب إلى جانبه في سيارة فخمة ضمن موكب مهيب، ووالده منهمك مشغول البال. لا يفكر طبعاً بمستقبل البلاد، بل يفكر بمستقبله السياسي، بعدما وضعته وزارة الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات. لا يلتفت لابنه ولا يحكي معه عن “النافذة إلى المشاريع المنجزة”. ليس هناك من مشاريع منجزة. لا سدود ناجزة، ولا ماء، لا في لبنان، ولا في قبرص. بالكاد نستطيع أن نوصل مياه الاستخدام إلى البيوت. لا نفط ولا غاز، ونتفاوض مع العدوّ كالمهزومين على ترسيم الحدود. لا محطات تكرير، ومكبّات النفايات باقية وتتمدّد.

لا شيء. لا ماء، ولا كهرباء، ولا قطارات، ولا محطة شمسية، ولا محطات تكرير، ولا نفط، ولا غاز. لا شيء. كانت كذبة

في العام 2020 الحكاية لا تشبه في شيء “حلم وطن”. بل هي أقرب إلى كابوس. سيكون على جبران لو كنا في مجتمع لم يتعرّف بعد إلى الكذب أن يخبر ابنه بالحقائق كلها: أنا تزوجت أمك يا بني، وكانت ابنة زعيم حزب مسيحي كبير، وكنتُ أحلم برئاسة الجمهورية. جدك لأمك حلم بها وحقّقها بعد سنوات من نضالات وتضحيات رفاقه ومؤيديه. لكنه وصل، وصار رئيساً للجمهورية. تحقّق حلمه الشخصي. وأنا لديّ حلم يا بني. ليس كحلم مارتن لوثر كينغ. لا. ولا كالحلم الذي قرأته لك في القصة التي اخترعناها في العام 2013 لنخدع اللبنانيين ونكسب مزيداً من الناخبين. لا ليس هذا حلمي. حلمي يشبه حلم جدك يا بنيّ. أنا ايضاً أحلم أن أصير رئيساً للجمهورية. هذا حلمي الشخصي. أما حلم الوطن، فدعك منه، لقد كبرتَ على تصديق هذه الحكايات الخرافية. كانت قصة منذ أكثر من سبع سنوات، ولم يصدقها أحد. ربما بعض العونيين صدّقوها، ولا أعرف حقيقة كيف يمكن أن تمرّ قصة كهذه عليهم. لكنني لا أستغرب تماماً بما أنّني شهدت كيف كان جدك يخبرهم حكايات لا يتحقق منها شيء وكانوا يعبدونه.

أنا لستُ مبدئياً يا بني. الصراحة تجرح يا بني لكنها الحقيقة. ظننتُ أنني بالتصاقي بحزب الله كما فعل جدّك أصل للرئاسة. أريد أن أجلس على الكرسي مكان جدّك. وقد خضت تجربة طويلة من التنازلات والهزائم والتسويات والمعارك وهدفي الوحيد هو الكرسي. كتبت منذ أيام على تويتر: “لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني، ولا أنقذ نفسي ليغرق لبنان”. ثم وضعتها خلفي في مؤتمري الصحافي. هل قرأتها؟ هذه محض أوهام يا بابا. تخيفني العقوبات وطلبتُ إلى مناصري التيار أن لا يقتربوا من السفارة الأميركية.  ثم إننا يا بابا لسنا في صراع أيديولوجي مع أميركا ولا مع إسرائيل. هؤلاء كانوا أصدقاءنا القدامى. لكن الأيام تغيّرت، وكان لا بدّ أن ننقل البندقية من كتف لكتف.

يتنهّد جبران ويكمل: وعدْنا اللبنانيين يا بني بالجنة، ولكن أعطيناهم ما يشبه الانفجار النووي. هل تريد أن تضحك؟ جدك مرة لاعب اللبنانيين لعبة فيلم ريكي جيرفيز التي نلعبها الآن. قال لهم: نحن ذاهبون إلى الجحيم. يضحك جبران وهو يقول ذلك، ثم مع ابتسامة تعلو وجهه: وعدناهم ببحبوحة، فانهار النظام المصرفي. يضحك: نحن حمينا حراس الهيكل. نحن مدّدنا للسياسات المصرفية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.

إقرأ أيضاً: جبران لن يتنازل عن الطاقة.. وإلا فلا حكومة

ابن جبران باسيل ينظر من النافذة عبر الزجاج الداكن الى الطريق بينما تعبر السيارة مسرعة ضمن الموكب نحو البترون.

“هل تسمعني يا بابا؟” يسأله جبران. لا يجيب الصبي. يعود جبران إلى قلقه. لا يحب لعبة الصدق كما في فيلم جيرفيز. يخرج من اللعبة. يعود إلى طبيعته، يمسك ابنه من يده: “بابا، لقد وصلنا إلى البترون، علينا أن ننزل من القطار”!.

 

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…