“التهريب إلى سوريا”… ملف جديد أضيف في الأيام القليلة الماضية إلى الملفات المُهددة بتكبّد الليرة اللبنانية المزيد من الانهيارات. جهات مجهولة – معلومة تستفيد من فرق الأسعار بين لبنان وسوريا، خصوصاً أسعار المازوت، فتكدّس الثروات على حساب مخزون مصرف لبنان من العملات الأجنبية، فيما الأخير يقف متفرجاً بلا أيّ قدرة على التحرّك بعد شيطنته وتطويقه… بهدف تطويعه.
يملك مصرف لبنان البيانات كافة. يعلم حجم استيراد لبنان للمحروقات، وهو قادر على ضبط الأرقام من خلال الدعم الذي يقدمه للمطاحن وللشركات المستوردة للنفط لناحية مدّها بالدولارات. يمكنه أن يضع سقفاً لما يدفعه من الدولارات فيجبر الكارتيلات المحتكرة لهذه السلع، على تزويد السوق اللبناني بها حصراً، تحت طائلة قطع الدولارات… لكنه لا يفعل!
إقرأ أيضاً: من يتلاعب بسعر الدولار؟
المعلومات تقول إنّ الاستهلاك اليومي لمادة المازوت في لبنان، يُقدّر بنحو 5 مليون ليتر يومياً، في حين أنّ الكمية التي تُهرّب إلى سوريا تُقدّر بنحو 2 مليون ليتر يومياً. إذاً، في عملية حسابية بسيطة يمكن احتساب حجم “الاستنزاف الدولاري” الذي يصيب مصرف لبنان. فإذا كان الأخير يغطي 85 % من دولارات الفاتورة، وسعر الليتر الواحد 450 ليرة لبنانية (صفيحة المازوت بـ9 آلاف ليرة وفيها 20 ليتراً) فإنه بذلك يدفع 510 آلاف من أصل 600 ألف دولار أميركي بسعر صرف 1500 ليرة، فيما الخسارة الفعلية هي الفرق بين السعر الرسمي 1507 ليرات وسعر السوق المقدّر بنحو 4000 ليرة. أي أنّ مصرف لبنان يخسر قرابة 1.27 مليار ليرة لبنانية والبالغة نحو 319 ألف دولار أميركي أخضر يومياً.
المصادر ترجّح أن تكون هذه الكمية قد تضاعفت في الاسبوع الفائت لتبلغ ما يزيد على 3 مليون ليتر لأسباب عدة تخصّ الكلام عن تشديد إجراءات التعبئة العامة في الأيام المقبلة، فيما بعض المراقبين اعتبروا أنّ التهريب إلى سوريا سيتضاعف في الفترة الممتدة إلى شهر حزيران، تاريخ بدء تطبيق “قانون قيصر” الأميركي الذي يرمي إلى محاصرة النظام السوري مالياً واقتصادياً، وهذا يعني، إذا صحّت الأرقام، أن يكون حجم الخسارة قد تضاعف إلى النصف زيادة على القيمة أعلاه، أي إلى نحو نصف مليون ألف دولار تقريباً.
السؤال يقول: من هي الجهات النافذة التي تهيمن على الحدود اللبنانية السورية والقادرة على تغطية عمليات التهريب والاستفادة منها؟
يوم الاثنين، أصدرت مديرية الجمارك تعميماً يخصّ مكافحة التهريب يلزم الشركات المستوردة والموزعة بخط سير محدد إلى البقاع، وآخر إلى طرابلس، وذلك بمهلة 3 ساعات فقط، مع عدم جواز تنقل الصهاريج ليلاً. هذا التعميم لم تستسِغه شركات نقل المحروقات، فعمد سائقو الصهاريج إلى إقفال طريق ضهر البيدر.
نقيب أصحاب المحروقات سامي براكس، قال في اتصال هاتفي مع “أساس” إنّ “الدولة مسؤولة عن ضبط التهريب” كاشفاً عن خسارة نحو 4 آلاف ليرة تتكبدها المحطات في كل صفيحة من مادة المازوت “الموجود والمفقود في الوقت نفسه”
مصادر بقاعية كشفت لـ”أساس” أنّ قطع الطريق جاء بإيعاز من “حزب الله”، والتنفيذ كان على يد أبناء أحد العشائر البقاعية ذات الانتماءات السياسية والحزبية المعروفة “آل جعفر”. قطع الطريق كان الهدف منه أيضاً الاعتراض على توقيف سائقي صهاريج مازوت ومصادرة شاحنات كانت متوجهة إلى الداخل السوري، إذ يبدو أنّ المهربين على عجلة من أمرهم، لأنهم كانوا على علم بالإقفال العام الذي فرضته الحكومة في اجتماعها أمس ويبدأ تنفيذه اعتباراً من مساء اليوم. ربما هذا السبب دفع بالمهرّبين إلى مضاعفة الكميات المهربة عبر الطرق الجبلية العسكرية التي شقها “حزب الله” خلال الحرب السورية.
نقيب أصحاب المحروقات سامي براكس، قال في اتصال هاتفي مع “أساس” إنّ “الدولة مسؤولة عن ضبط التهريب” كاشفاً عن خسارة نحو 4 آلاف ليرة تتكبدها المحطات في كل صفيحة من مادة المازوت “الموجود والمفقود في الوقت نفسه”. يضيف براكس: “بعض موزعي المازوت خلقوا سوقاً موازية”، ربما شبيهة بالسوق السوداء لدى الصيارفة لكن هذه السوق خاصة بالمازوت. وبعض شركات التوزيع “تعطي المحطات غير المرخصة، فتشتري الأخيرة أكثر من طاقتها على البيع” ثم تحوّلها بواسطة صهاريخ غير نظامية وظيفتها التهريب، إلى السوق السوري حيث سعر الصفيحة أكثر بأربعة أضعاف. هؤلاء تقف “خلفهم جهات سياسية… وحاميها حراميها”، يقول براكس، ويكشف أنّ وزير الطاقة والمياه ريمون غجر، أبلغ أصحاب محطات المحروقات خلال اجتماعه بهم قبل 10 أيام أنّ “الدولة عاجزة عن ضبط هذه الشركات”.
هذا التهريب يستنزف الكتلة الدولارية في لبنان، ويحرج الحكومة في تفاوضها مع صندوق النقد الدولي على شكل خطتها الاقتصادية. وبات شبه مؤكد أنّ صندوق النقد الدولي سيرفع بند التهريب إلى أعلى سلّم أولوياته خلال المفاوضات، فيما حكومة “حزب الله” مطالبة سريعاً بمكافحة مهرّبي الحزب أنفسهم… مهمة أشبه بإطلاق الرصاص على الذات.
[VIDEO]