مع أو من دون انعقاد اجتماع بعبدا “النيابي” يوم غد الأربعاء، تسلك الخطة الحكومية المالية مسارها المفترض بعد تجاوز “اللغم” الدستوري على طاولة مجلس الوزراء. إقرار الخطة بالإجماع وفّر على منتقديها ومعارضي العهد والحكومة مشقّة الانتقال إلى القصر الجمهوري والاستفادة من الوقت الضائع في مناقشة خطة مقرّة سلفاً وتأخذ شكل “التبليغ” فقط، من أجل استكمال تحضيرات المواجهة الكبرى مع حكومة حسان دياب.
في 2 أيلول الماضي ترأس الرئيس ميشال عون آخر إجتماع لرؤساء الأحزاب والكتل النيابية في قصر بعبدا، من ضمن سلسلة اجتماعات لدرس إجراءات الحكومة ومجلس النواب لمعالجة الأوضاع المالية، في ظلّ مطالبة رئيس الجمهورية استكمال القرارات التي تضمّنتها ميزانية عام 2019 لتعزيز مالية الدولة وخفض العجز فيها تمهيداً لإقرار ميزانية العام 2020 في موعدها الدستوري.
إقرأ أيضاً: رايح عالنظام الرئاسي والناس راجعة
الاجتماع ضمّ آنذاك رؤساء الأحزاب والكتل النيابية وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير للبحث في الورقة الاقتصادية بحضور الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، وهي الورقة التي اعتبرت آنذاك ممرّاً إلزامياً للخروج من دائرة الخطر.
واقعة تستند إليها مصادر بعبدا “لإنعاش ذاكرة تيار المستقبل ونسف الحِجج التي استند إليها في مقاطعة لقاء الأربعاء الوطني، بتجاوز رئاسة الجمهورية حدود الدستور ومصادرة دور مجلس النواب”، متسائلة: “لماذا لم نسمع يومها النغمة نفسها مع مشاركة شخصية من الرئيسين بري والحريري تلاها إعلان حالة طوارئ اقتصادية، وإقرار إطار مالي يمتدّ حتى العام 2022 وإقرار خفض عجز الكهرباء إلى 1500 مليار ليرة، والإسراع بإطلاق المشاريع الاستثمارية المقرّرة في مجلس النواب والبالغة قيمتها 3.3 مليار دولار؟ فهل كانت يومها رئاسة الجمهورية تصادر صلاحيات الرئاستين الثانية والثالثة؟”.
بعيداً من هذا الجدل الدستوري، بدا اجتماع بعبدا لزوم ما لا يلزم، وقد اجتهد المعارضون ليثبتوا ذلك، في وقت كان لافتاً تحميل رئاسة الجمهورية كلَّ مُمتنعٍ عن الحضور “مسؤولية وطنية تحمّله تداعيات قراره تجاه اللبنانيين وتجاه المجتمع الدولي الذي يراقب وينتظر موقفاً لبنانياً موحّداً للمساعدة على تجاوز المحنة”.
عملياً، الاعتراض من جانب الممانعين طال حتّى أسلوب الدعوة الذي وَصَفه أحد النواب بـ”المُستفز”، قائلاً: “هل باتت الدعوات للرؤساء تتمّ من جانب موظف في القصر الجمهوري؟!”. وتفيد المعلومات في هذا السياق بأنّ الرئيس نبيه بري فوجئ أيضاً بعدم التشاور معه في فكرة اللقاء والتحضير له مع العلم أنّه يضمّ رؤساء الكتل النيابية، كما لم يستسغ بالبداية أسلوب الدعوة ما اقتضى تواصل رئيس الجمهورية معه لاحقاً لدعوته بشكل مباشر. وقد أكّد برّي خلال الاتصال حضوره شخصياً اجتماع بعبدا.
تختلف أسباب اعتراض بعض القوى السياسية على اجتماع بعبدا لكنّ النتيجة واحدة: حَجب غطاءٍ وطني، ولو شكلي، تطلبه رئاستا الجمهورية والحكومة لخطة إنقاذية دقّت لتوّها باب صندوق النقد الدولي، من دون تصوّر عمليّ لكلفة هذه الخطة على اللبنانيين ومصيرهم، إضافة إلى محاولة تعبيد الطريق أمام المعركة الأصعب في مجلس النواب، صاحب الصلاحية في إنتاج القوانين التطبيقية للخطة.
سيجلس ضيوف بعبدا الأربعاء على طاولة تلتزم بالتباعد الاجتماعي وإجراءات الوقاية، فيما يفصل بين داعمي الحكومة وخطتها وبين معارضيها مسافات ضوئية يستحيل لطاولة نقاش أن تُسهِم في تقليصها. لا بل الأرجح أنّها ستكرّس المتاريس الآخذة في الارتفاع بين المعسكرين.
فتيار المستقبل لم يكتفِ بمقاطعة رئيسه شخصياً لاجتماع بعبدا بل تمنّع عن ايفاد ممثّل عنه، الأمر الذي لم يفعله أيّ رئيس حزب أو كتلة نيابية حتى كتابة هذا المقال، وهذا ما يُفسّر في إطار التصعيد ليس فقط ضد حسّان دياب ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بل ضدّ رئيس الجمهورية كذلك.
في هذا الإطار، أحد نواب “تيار المستقبل” يدعو عبر “أساس” أن “يتحمّلوا مسؤولية اجتهادهم في أخذ اللبنانيين إلى المجهول، ولن نكون الغطاء لخطة تغيير هوية لبنان”.
أما النائب السابق وليد جنبلاط الذي سبق واستعجل الحكومة إعلان خطتها المالية وأفتى بوجود “أمر عمليات” من جانب “حزب الله” برفض التفاوض مع صندوق النقد الدولي تسهيلاً، كما قال، “للسيطرة على ما تبقى من لبنان”، فقد باغتته الحكومة، بغطاء من الحزب، بسلوك درب صندوق النقد “لطلب المساعدة للخروج من الهوّة المالية العميقة”.
صار جِدار “العداوات” مع العهد و”حكومته” أكثر سماكة ولا تنفع معه جولات “الإنعاش” على شاكلة العصف الفكري في بعبدا
مع ذلك، جنبلاط لم يحسم خياره بعد حيال مشاركته الشخصية في الاجتماع الذي يجلس على طاولته رئيس حكومة سبق أن وصفه بـ”الحقود والموظّف عند جبران باسيل وأحد ضباط الاستخبارات السابقين”. وهو جنبلاط نفسه الذي مهما سمع توضيحات من جانب داعمي برنامج الحكومة المالي لن يخرج من مربّع تسليمه بوجود خطة مستترة للسيطرة على القرار المالي من جانب حزب الله وحلفائه عبر إعادة هيكلة الدين العام وإعادة هيكلة المصارف والمصرف المركزي. وذلك بعدما أعلن الحرب على مشروع “الهيركات كات” الذي لم يرَ النور. يبدو جنبلاط كمن يكبّر حجر “ارتكابات” مفترضة والترويج لخطر “النظام الشمولي” ليخفي هواجسه الحقيقية من وصول موس الحصار والمحاسبة الى رقبته!!
في المقابل، عدم حضور الرئيس نجيب ميقاتي لقاء بعبدا وإيفاد ممثّل عنه، وترك رئيسي حزب القوات والكتائب حسم مستوى المشاركة حتّى اللحظة الأخيرة، وإيفاد النائب السابق سليمان فرنجية النائب فريد هيكل الخازن لتمثيل الكتلة أو حضوره شخصياً، ليس سوى “متتمّمات” لمشهد إفراغ لقاء بعبدا من مضمونه.
صار جِدار “العداوات” مع العهد و”حكومته” أكثر سماكة ولا تنفع معه جولات “الإنعاش” على شاكلة العصف الفكري في بعبدا. أما الأهمّ، فهو أنّ الخطة “ماشية” ولا تنفع فيها اعتراضات الخصوم خصوصاً. وبرأي وزير في الحكومة، هي تحاكي متطلّبات صندوق النقد والمجتمع الدولي وتشكّل اللبنة الأولى صوب الإصلاح الحقيقي، أما “ضحاياها فلا يكلّفوننا جهدًا في كشف هوياتهم”.