تتحضّر القطاعات التجارية للعودة إلى الحياة تدريجياً، بعد ما يقارب 3 أشهر من الإقفال، وما يقارب الـ5 أشهر من الانهيار النقدي والمالي والاقتصادي، على وقع أحداث الشارع والتجاذبات السياسية التي سبقت كورونا وبدأت تليها قبل أن تنتهي.
25 أيار هو الموعد الذي حدّدته الحكومة لفتح مراكز التسوق أبوابها من جديد في المرحلة الرابعة، وهي المرحلة ما قبل الأخيرة من الفتح الجزئي المتدرّج لكلّ قطاعات لبنان. لكن هل هذه المراكز قادرة فعلاً على استئناف عملها؟ خصوصاً في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها لبنان، والتي أجبرت بعض المراكز على إقفال أبوابها إلى غير رجعة كـ”لو مول الحبتور”، أو اللجوء لعمليات صرف جماعية للموظفين تحت جنح الحجر كمجموعة “ABC”.
إقرأ أيضاً: سعر الصرف الرسمي 3500: بمن ينفجر أول الألغام؟
قد تكون العودة، بحسب أهل الاختصاص، مغامرة في المجهول، ريثما تتضح صورة الحركة في المجمّعات التجارية مع واقع الحال المعيشي والصحّي الجديد الذي يفرض نفسه بقوّة على القدرة الشرائية للمستهلك، مع ارتفاعٍ جنوني بسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية.
رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد يؤكد أنّ السلامة العامة تبقى الأهم، وضمن هذا الواقع ستبدأ المراكز التجارية تدريجياً وبشكل مدروس وعلمي وبانضباط شخصي وجماعي، لتستعيد حيويتها، “وعلينا أن نتعاون ونتعايش مع واقع جديد له علاقة بطرق الاستهلاك وطرق العيش وطرق العمل”. وستكون العودة مدروسة عبر التعاون بين الوزارات المعنية لوضع بروتوكول واضح يلتزم به الزبائن والمشغّلون.
هذا بالنسبة للبروتوكول الصحي، لكن من يضع ضوابط لبروتوكولٍ اقتصادي يقي المراكز التجارية شرّ الإقفال الكلّي؟
المراكز التجارية هي قطاع أساسي وحيوي ويحرّك جزءاً كبيراً من الناتج المحلي، على حدّ تعبير عربيد، في حديثه لـ”أساس”، وهي قطاع قائم على الاستهلاك، ولذلك يتأثر كثيراً بطريقة عيش اللبنانيين وقدراتهم الشرائية: “ولا شك أنّ القدرة الشرائية للمواطن تراجعت بشكل كبير، ولا شك أن الصعود الجنوني لسعر صرف الدولار سيؤثّر مباشرة وسلبياً في سوق الاستهاك وعلى القوّة الشرائية”. ولا ينكر عربيد بأنّ سعر صرف الدولار سينعكس على صعود أسعار المنتجات والسلع والخدمات في المراكز التجارية، التي هي في جزء كبير منها تتطلّب الدولار لاستيرادها.
يحاول عربيد النظر إلى نصف الكأس الملآن، ويرى أنّ هذه الأزمة قد “تكون مناسبة لتحفيز الصناعة اللبنانية”. ويشدّد على ضرورة الانتظار لنرى كيف ستتفاعل الأسواق، فنحن موجودون في أزمة، ومقبلون على أزمة أكبر في كميات الاستهلاك. لكن علينا انتظار فتح الأسواق لنرى حجم السوق الجديد، وربما سيكون علينا أن نتعوّد على حجم أصغر وإمكانيات أقلّ مع الواقع المؤلم المقبلين عليه”. ويعود لتفاؤله ويقول: “نحن لدينا في اقتصادنا حيوية كافية لنستعيد موقعنا تدريجياً وأحجام الأسواق، والقوة الشرائية، لكن كلّ ذلك يحتاج للوقت”.
أما المطلوب اليوم فهو خطة واضحة للَجم ارتفاع الدولار، لتأمين كلّ المستلزمات، ولنحافظ بشكل متوازن ومنطقي بين الاستيراد وما يُصنع محلياً. ومع هذه الخطوة، سنكون قادرين بشكل تدريجي على استعادة إمكانياتنا.
وعن أعداد الموظّفين التي يضمّها هذا القطاع، يلفت عربيد إلى أنّ في لبنان 6 مجمّعات تجارية أساسية تضم أكثر من 3000 موظف تابعين للشركات المشغّلة، لكن مع المحلات المُستأجرة في هذه المجمّعات يُقدّر عدد الموظفين بين 15 و20 ألف موظف، وبالتالي هو قطاع كبير جداً، ولذلك يحتاج إلى خطّة مثل كلّ المؤسسات التجارية والصناعية والتجارية، للنهوض بها ودعمها لأنّها باتت قطاعات منكوبة بعد كلّ هذا التراكم السلبي.
لا معطيات دقيقة حول هذه المرحلة، لدى “الهيئات الاقتصادية”، وكلّ ما يعرفه مصدر معنيّ في حديثه لـ”أساس” أنّ “بعض المجمّعات صرفت أعداداً كبيراً من موظّفيها، والمحلات لن تتأخّر عن إعادة فتح أبوابها كونها تستمرّ بدفع إيجارات محلاتها حكماً. لكن هناك إشارات استفهام كبيرة حول قدرة هذه المجمّعات لجهة الشركات المشغّلة أو المحلات على الاستمرار، وحول القدرة الشرائية وحجم الاستهلاك، المتركّز حالياً بسبب الأزمة العقيمة على تأمين المواد الأساسية، حتى باتت هذه المحلات بين قوسين “من الكماليات”، وهي لم تكن كذلك. لكن مع الأزمة الحالية أصبح اللبناني مجبراً على اعتبارها كذلك”.
سيناريو قاتم ذلك الذي يرسمه المصدر في “الهيئات الاقتصادية”، ويسأل: كيف لهذه المجمّعات أن تواجه أزمة الدولار، وتستمر بلعبة الـ”gala gala” مثل باقي التجار، بوجود 4 و 5 أسعار للدولار. فهي مجبرة على البيع بالليرة اللبنانية، وبعد تحصيل أموالها عليها أن تشتري الدولار من السوق السوداء لتعود وتقوم بالتحويلات اللازمة لاستيراد ما يلزمها. وهذا سينعكس بشكله النهائي على الأسعار، وبالتالي على المستهلك الذي فقد الجزء الأكبر من قدرته الشرائية.
حتّى لو نسي الناس كورونا وتجاوزناها، كيف لهم أن ينسوا الوباء الأكبر، وهو الأزمة المعيشية التي جعلت من اللبناني أسير لقمة عيشه
ويرى المصدر نفسه أنه على السلطات المالية وضع حدّ لدوّامة الدولار التي نعيشها، فلا المستهلك ولا التاجر ولا البلد كله قادر على أن يستمر بهذا الشكل، مع عدم وجود نظرة مستقبلية لسعر صرف موحّد للدولار.
سليم رميا صاحب “Grand cinemas” في لبنان يتفاجأ بأنّ المجمّعات التجارية ستفتح أبوابها في 25 أيار، “ما يؤكّد عدم وجود خطة واضحة لاستئناف العمل في هذه المجمّعات، في ظلّ الأزمات المتعاقبة، والتي تتراكم لتقع ضربةً واحدة على رأس المستهلك والتاجر على حدٍّ سواء”.
ولا يبدو رميا متحمّساً للعودة للعمل، ليس لأن عمله لم يتأثّر، بل لأن حجم الخسارات الكبيرة لا يمكن تعويضه بعدد قليل من الزوّار “فلا يمكن للسينمات أن تقف على رجليها بـ20 أو 30 زبوناً، فعرض الكرسي في صالة العرض يقدّر بـ 60 سم، ما يعني أن الصف الواحد لا يمكن أن يضمّ أكثر من 3 زوّار بأفضل الأحوال للالتزام بشروط السلامة العامة”.
حتى لو فتح “المول” أبوابه “كم هو عدد الزوار اليومي سيكون”، يسأل رميا: “فحتّى لو نسي الناس كورونا وتجاوزناها، كيف لهم أن ينسوا الوباء الأكبر، وهو الأزمة المعيشية التي جعلت من اللبناني أسير لقمة عيشه. فالإيجارات مرتفعة وبالدولار، والبطاقة كان سعرها 15 ألف ليرة، أي ما يُقدّر بـ 10 دولارات. أما اليوم الـ15 ألف تساوي 3 أو 4 دولارات”، ما يعني أن الأسعار ستتأثّر حتماً بأزمة الدولار، الأمر الذي لا يتناسب مع قدرة المواطن ولا حقوق التاجر الذي لم يحصل على إيرادات عادلة منذ تشرين الأول الماضي لليوم، وإن كانت العروض ستقتصر فقط على الأفلام التي سبقت أزمة كورونا.
تشغّل الـ”Grand cinema” في لبنان 220 موظفاً في 5 مواقع. ويؤكد رميا أنهم سيستمرّون بدفع الرواتب للموظفين، مع اقتطاع جزء من الراتب لهذا الشهر (نيسان) بسبب تراكم الخسارات، ويرى أن الاستمرار مع هكذا وضع سيكون شبه مستحيل: “فحتّى أكبر شركة سينما في أميركا “AMC”، ويمتلكها الصينيون، ولديها أكثر من 8000 شاشة في العالم تقدّمت بأوراقها لطلب الاستدانة بـ 500 مليون دولار لتتمكّن من الاستمرار لآخر الشهر السابع من هذه السنة. وشركة “Cinemark” ثالث أكبر شركة في العالم طلبت 250 مليون دولار للاستمرار، فكيف سيكون الوضع في لبنان؟”.
وعليه، يبدو وباء الدولار أشدّ فتكاً بالمجمعات التجارية في لبنان من وباء كورونا، وربما سيكون علينا توديع المزيد من “المولات” أو أقلّها توديع الـ”براندز” لفترة ليست بقصيرة…!