لماذا زادت وفيات كورونا حيث الهواء أكثر تلوّثاً؟

مدة القراءة 7 د

 

المُصابون بكوفيد19 معرّضون لخطر مضاعف للإصابة بأمراض الجهاز التنفّسي، واحتمال تعرّضهم لمشكلات في القلب والأوعية الدموية يزيد ثلاث أضعاف. بالمقابل، أظهرت عقود من البحوث النموذجية أضرار تلوّث الهواء على القلب والرئتين. فهل يفاقم الهواء الملوّث، الذي يقتل سنوياً 7 ملايين فرد في الأقل، خطورة الكورونا المستجدّ؟

إنّ التداخل صارخ بين المناطق ذات النسبة العالية من التلوّث، كشمالي إيطاليا، مع المناطق الأكثر تعرّضاً للوباء. وتؤكّد دراسات أوّلية هذا الاستنتاج، في حين أن الرابط معروف بين وباء السارس الذي انتشر عام 2003 والهواء الملوّث.

إقرأ أيضاً: هل انتشر الوباء بسبب خطأ صيني في تجارب الخفافيش؟

تأكيد أثر الهواء الملوّث في قوّة الإصابة بكوفيد19 يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً، من خلال تركيز الاستجابة في الأماكن ذات المستوى المتدنّي من الهواء، لكن من الصعب إجراء أبحاث علمية مطلوبة وسط انتشار الوباء عالمياً، ومع النقص في المعطيات.

“لا نملك الدليل الذي يربط مباشرة بين الهواء الملوّث وبين نسبة وفيات الكورونا، لكننا نعلم أنّه إذا تعرّضتَ إلى الهواء الملوّث، فأنت تزيد من فرص إصابتك بالوباء على نحوٍ أكثر حدّة”، بحسب الدكتورة ماريا نيرا (María Neira) مديرة الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية. وتضيف: “لقد بدأنا ببثّ رسائل إلى البلدان لنقول إن بداتم بتلقّي حالات إصابة بالكورونا المستجدّ، في تلك المدن التي تعاني من نسبة عالية من التلوّث، فعليكم أن تعزّزوا مستوى الاستعداد لديكم، لأنه من الممكن أن تكون عندكم نسبة وفيات أكبر”.

الخطر الرئيسي هو في التقاط وباء كوفيد19 بالاتصال مع مُصاب. أما نوعية العناية الصحية فهي أمر حيوي في تحديد النتائج. لكن تلوّث الهواء قد يكون عاملاً مهماً في ثلاث مسالك كما تقول الدراسات. فارتفاع عدد الإصابات بكوفيد19 لدى من أُنهكت رئتاه وقلبه بالهواء القذر، هو أمر واضح. فالمواد الملوّثة تصيب الرئة بالالتهاب، وتجعل ممكناً أكثر التقاط العدوى بالفيروس. وعليه، يتزايد القلق من ارتفاع مستويات التلوّث في الهواء بعد رفع إجراءات الإغلاق. وأخيراً، إنّ جسيمات التلوّث يمكن أن تنقل الفيروسات إلى أماكن أبعد.

الدراسات المعدّة حتى الآن ما تزال مسودّات، ولم يتبنّها بعد علماء مستقلون من ضمن إجراءات المراجعة المعتادة. وهذا يتطلّب فحص تلك الأبحاث على أيدي خبراء، وتصحيح الأخطاء. وتستغرق المصادقة عليها مدّة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين.

يحاذر الباحثون في هذا المجال، فيعتبرون أنّ وجاهة تلك الأبحاث التي تربط بين التلوّث والكورونا، ما زالت بعيدة عن أن تكون دليلاً. والترابط بين الأمرين لا يعني بالضرورة أنّ الأوّل سبب للثاني، كما أنّ هناك عوامل أخرى قد تكون مهمّة. لكنّ هذه النتائج الأوّلية تسبّب القلق، وقد يكون لها دور حاسم في مساعدتنا لفهم كيفية انتشار الوباء، وفي مكافحة انتشاره.

ثمة دراسة أميركية قامت بها مجموعة رفيعة المستوى في جامعة هارفارد، ربطت ما بين تلوّث الهواء والمستوى المرتفع من الوفيات في أنحاء الولايات المتحدة. وخلصت دراسة أخرى، حلّلت المعطيات الأوروبية، إلى أنّ المستويات المرتفعة من التلوّث قد تكون “أحد أهم العوامل المشاركة” في وفيات الكورونا، فيما عرّجت دراسة ثالثة على الربط نفسه بين التلوّث ووفيات الكورونا في بريطانيا.

وفي إيطاليا، رُصد فيروس الكورونا في عيّنات من الهواء الملوّث، على أيدي علماء يحقّقون فيما إذا كان بمقدور الهواء الملوّث نقل الفيروس إلى أماكن أبعد وهو ما يزيد عدد المصابين، مع أنّه يبقى مجهولاً ما إذا كان الفيروس يظلّ حيّاً في جسيمات التلوّث.

دراسة أخرى، لم تُنشر حتى الآن، كشفت روابط قوية بين التلوّث والوباء في الصين حيث انطلق الفيروس. وغطّت هذه الدراسة 324 مدينة، وأخذت في اعتبارها عوامل أخرى مثل السفر، والمناخ، والعمر، والفقر، والتدخين. ووجدت أنّ أماكن تشهد نسباً مرتفعة من ثاني أوكسيد النيتروجين (10 مايكرو غرامات في المتر المكعب) خلال السنوات الخمس ما قبل الوباء، شهدت إصابات أكثر بمعدّل 22 % بكوفيد19. ومع مستويات أعلى من الجسيمات الصغيرة من التلوّث ارتفعت الإصابات بنسبة 15%.

وثمة تحليل صيني آخر يتضمّن 120 مدينة، نُشر الآن في صحيفة، وجد أيضاً رابطاً مهماً، ما يبن التلوّث وارتفاع وفيات كوفيد19، ومدى انتشار الوباء. كما حدّد باحثون في لندن رابطاً مماثلاً بين نسبة الوفيات والهواء الملوّث في أحياء مختلفة من المدينة مع أنّ عوامل متداخلة أخرى لم يتمّ تقدير دورها.

الردّ المسؤول من العلماء هو أن نفعل أفضل ما يمكن بالمعطيات التي نمتلكها. ونحن نريد إرسال إنذار، ومفاده أنّ الأماكن الأكثر تلوّثاً هي التي ينبغي أن تكون لها الأولوية خلال انتشار الوباء

لكن هل إذا انخفض مستوى التلوّث مؤقتاً يتراجع عدد الوفيات؟ في الصين قال العلماء إن انخفاضاً في مستوى التلوّث يبلغ 25% في مدينة ما لدى فرض الإغلاق عليها، قد يكون وفّر سبل الحياة لما بين 24 ألفاً و36 ألفاً في شهر واحد. وفي بحث آخر لم ينشر بعد، ثمة استنتاج بأنّ “إغلاق مدينة ما بسبب الوباء يمنح فوائد صحية تتجاوز أعداد الوفيات بسبب كوفيد 19”.

التقدير الأولي لأسبوعين من إغلاق 27 بلداً، يفيد بأنّه جنّب وفاة 7400 فرد، معظمهم في الصين والهند. وفي أوروبا، قدّر مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) أنّ الإغلاق أنقذ حياة 11 ألف فرد بسبب تقليص تلوّث الهواء، من ضمنهم 1700 فرد في بريطانيا.

لكن لا يوافق كلّ العلماء المتخصّصين بتلوّث الهواء على هذه الاستنتاجات المتسرّعة وسط الوباء الحالي، بدلاً من انتظار أشهر أو سنوات، للتأكّد من هذه النتائج. البروفسور مارك غولدبيرغ (Mark Goldberg) في جامعة ماكغيل (McGill) في كندا يقول إنّ “هذه الدراسات تمتاز بقدر كبير من المعقولية، لكن ما الفائدة من نشرها أمام الملأ، وفيها انحيازات محتملة. فلماذا نصدّقها؟”، وذلك في إشارة إلى أنّ هذه الدراسات يقوم بها علماء يكافحون لتقليل تلوّث الهواء، قبل انتشار الوباء الحالي، وهم يشكّلون اللوبي المناهض لاستخدام الوقود.

في المقابل، البرفسورة فرانشيسكا دومينتشي (Francesca Dominici) تخالف هذا الرأي. هي ترأست فريق البحث في هارفارد بشأن العلاقة بين التلوّث وكورونا، وبرأيها أنّ “الردّ المسؤول من العلماء هو أن نفعل أفضل ما يمكن بالمعطيات التي نمتلكها. ونحن نريد إرسال إنذار، ومفاده أنّ الأماكن الأكثر تلوّثاً هي التي ينبغي أن تكون لها الأولوية خلال انتشار الوباء. أما الرسائل الأخرى، فهي العودة إلى النماذج التنظيمية بشأن تلوّث الهواء في الولايات المتحدة. ومن غير المعقول السماح للمصانع بتلويث الهواء في وقت ينتشر فيروس يصيب الجهاز التنفسي ويقتل الناس”.

من جهتها، تعتبر البرفسورة آنا هانسيل (Anna Hansell) في جامعة ليسستر (Leicester): أنه “من غير الواضح مدى تأثير الهواء الملوّث في انتشار وباء كوفيد19″، وتضيف: “أشك في أنّ الاستنتاج عائد إلى ملاحظاتنا العامة عن الهواء الملوّث. لكن إذا لاحظت شعباً بكامله، فإن ارتفاعاً بسيطاً في المخاطر يدفعك إلى فعل شيء بإزائه. وعامل تلوّث الهواء هو مؤشّر يمكن العمل على تعديله”.

في الخلاصة، فإنّ كلّ الباحثين يأملون في أن تؤدّي مخاطر تلوّث الهواء التي كشفها وباء كوفيد19، إلى تغيير دائم في السلوك، لا سيما مع ظهور السماء الأنقى خلال الإغلاقات. وقامت بعض المدن مثل ميلان وروما وبرلين وبروكسيل وباريس ونيو مكسيكو، وأوكلاند وكاليفورنيا ببعض الإجراءات، ولو المؤقتة، للتقليل من استعمال السيارات، والتشجيع على ركوب الدراسات وعلى المشي.

لقراءة المقال الأصلي  اضغط هنا

 

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…