“في نفط… ما في نفط”، في البلوك رقم 4.
“على اللبناني” يجوز الوجهان. علمياً، البئر جاف… ولكن البلوك 4 لم يُدفن بعد!
في الساعات الماضية، تلهّى اللبنانيون بتناقل أخبار عن نتائج حفرٍ أول بئر استكشافي في المياه اللبنانية تتطلّب معرفة نتائجه تقنياً ورسمياً انتظار نحو شهر ونصف أو شهرين منذ الانتهاء من عملية الحفر على عمق 4076 متراً وفق موجبات العقد.
مجرّد تسريبة نشرها أحد الزملاء، نفت وجود غاز في البلوك رقم 4، تسبّبت في استنفار معسكرين: الأوّل “عوني” أوحى بأن “الخبر السيّء” يشكّل “استهدافاً للعهد”، كما لو أنّ النفط المستخرج، إن وُجِد، سيكون موسوماً بإشارة “الصحّ” البرتقالية. ومعسكر آخر لا يمكن فكفكة “جيناته” يهلّل بـ”لا وعيه” السياسي لانتصارٍ باطل يرى في حرمان لبنان من الذهب الأسود ضربة قاضية يوجّهها إلى خصمه السياسي “البرتقالي”.
إقرأ أيضاً: الكورونا يطيّر الحفر النفطي في لبنان ولا إرتفاع لأسعار النفط عالمياً
وقبل أن يقول تحالف الشركات بقيادة “توتال” كلمته في مصير البلوك رقم 4، أعلن لبنان، عبر وزير الطاقة ريمون غجر، أنّ “النتائج الأوّلية للحفر أثبتت وجود الغاز على أعماق مختلفة داخل الطبقات الجيولوجية التي اخترقتها البئر ممّا يجعل من هذه المنطقة واعدة جيولوجياً”. وأعلن “التثبّت من وجود العناصر الأساسية لنظام جيولوجي – بترولي في البحر اللبناني، ولكنه لم يتمّ التحقق من وجود مكمن غازي”، مؤكّداً أنّ “البئر الاستكشافية الأولى حقّقت أحد الأهداف الأساسية، وهو التأكد من طبيعة الطبقات الجيولوجية وأوجه التشابه والاختلاف بينها وبين ما هو موجود في الحوض المشرقي مما يعزّز فهمنا للواقع الجيولوجي لجزء من البحر اللبناني”.
كان لافتاً مسارعة وزيري الطاقة السابقين، جبران باسيل، وندى البستاني، قبل يوم واحد، إلى مزاركة وزير الطاقة “الأصلي” على إعلان النتائج رسمياً، بتأكيد الأول “اكتشاف الغاز بكميات غير كبيرة ووجود عدّة نقاط للبحث في البلوك 4″، وإشارة زميلته الى أنّ “المعطيات الناتجة عن عملية الحفر تبدو إيجابيّة، والتحاليل التي ستجريها شركة “توتال” على العيّنات المُستخرجة ستشكّل خرقاً كبيراً لجهة تحديد مسار عمليات الحفر المستقبلية”.
ومع انتهاء عمليات الحفر ليل السبت الماضي ستقوم “توتال” خلال الأسبوعين المقبلين بإقفال البئر بطريقة آمنة وفق الأنظمة المعمول بها، تاركة الجواب النهائي في شأن مصير البلوك رقم 4 إلى البيان الذي سيصدر عنها نهاية حزيران أو أوائل تموز كما هو متوقّع.
وإعلان وزارة الطاقة أتى بعد نحو شهرين من إطلاق رئيسي الجمهورية والحكومة في 26 شباط الفائت أعمال الباخرة Tungsten Explorer التابعة لشركة “توتال” التي تولّت الحفر. وشهران مهلة معقولة لاستكشاف آبار النفط والغاز. بعدها تعكف الشركة على تحليل ودراسة الداتا النفطية في عملية تستغرق نحو شهرين أو أكثر، لتصدر بعدها شركة “توتال”، المسجّلة في بورصتي باريس ونيويورك، بياناً رسمياً بالنتائج، كون الحفر عملاً استثمارياً، والشركة المسؤولة أمام المساهمين، مُلزمة بإعلان نتائجه، ما يؤثّر في قيمة أسهمها في البورصة.
هي أسابيع حاسمة ستقرّر مصير دولة تتمختر صوب قعر الهاوية في ظلّ واقع مأساوي ومُرعب عالمياً مع فشل اجتماع OPEC plus لتخفيض الإنتاج، وانخفاض أسعار النفط إلى حدود غير مسبوقة في تاريخه، ما يدفع الشركات في هذه الحال إلى تقليص ميزانياتها وحجم استثماراتها في دول العالم.
هو الحظّ السيّء يلاحق الدولة اللبنانية مع تأجيل وزارة الطاقة مرّة ثانية الموعد النهائي لتقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص من 30 نيسان إلى الأول من حزيران 2020، تحت وطأة انتشار فيروس كورونا على الصعيد العالمي وإعلان حالة التعبئة العامة في لبنان.
خبراء يقولون لـ”أساس” إنّ الأمر قد يكون مفتوحاً على تأجيل ثالث في ظلّ مؤشّرات عالمية غير مشجّعة والتبشير بنظام اقتصاديٍ عالمي جديد، قد يدفع شركات عالمية كبيرة في المرحلة “القاتمة” الحالية إلى تعديل خططها في التنقيب والاستكشاف.
ويوضح الخبير في المجال النفطي الدكتور شربل سكاف لـ”أساس” أنّه “بناءً على نتائج الحفر الأوّلية ستعلن “توتال” في تقريرها المنتظر وجود الغاز لكن بكميات غير تجارية لا تسمح باستخراجه. وبمطلق الأحوال، لا يمكن التقليل من أهمية نتائج حفر البئر الاستكشافي الأول الذي يقدّم معلومات وداتا جيولوجية قيّمة جداً، ستكون العنصر الحاسم للشركة المشغّلة في تحديد الخطوة التالية وأخذ القرار باستكمال الحفر في البلوك نفسه (يسمح العقد بحفر بئر واحدة على الأقل خلال السنوات الثلاثة الأولى) أو الانتقال إلى البلوك 9، وبالتالي المساهمة في رسم خارطة طريق نفطية للبنان، استناداً إلى واقع وجود نظام بترولي في الطبقات الترسبية”. الأمر الذي اعتبره وزير الطاقة في حديثه الأخير “حقّقت أحد الأهداف الأساسية وهو التأكد من طبيعة الطبقات الجيولوجية”، كما أسلفنا.
البلوك 4 تبلغ مساحته 1911 كلم مربع. ويمكن في حال عدم اكتشاف غاز في النقطة الاستكشافية الأولى الحفر مجدّداً ضمن البلوك نفسه
يضيف الدكتور سكاف إنّ “التجارب في الدول المُستكشفة للغاز تظهر احتمال اكتشاف الغاز في نقاط أخرى في حال عدم توافره بالكميات المطلوبة في نقطة الاستشكاف الأولى في البلوك نفسه. وهذا يعني أنّ تحالف الشركات بقيادة “توتال” قد يعمد إلى الحفر في نقطة جديدة، وهو أمر مدرج ضمن الاتفاقية الموقّعة مع الشركة وفق جدول محدّد سلفاً يمتدّ لخمس سنوات”، وهو ما أكّده غجر.
ويوضح سكاف أنّ “البلوك 4 تبلغ مساحته 1911 كلم مربع. ويمكن في حال عدم اكتشاف غاز في النقطة الاستكشافية الأولى الحفر مجدّداً ضمن البلوك نفسه. لكن هذا الأمر يبدو صعباً في الوقت الحالي ربطاً بالأزمة النفطية وضرورة تعافي الاقتصاد عالمياً، ما قد يؤدّي أيضاً إلى تأخير الحفر في البلوك 9”. وحتّى في حال عدم وجود غاز في كامل البلوك “هذا لا يعني التأثير سلباً في توقّعات البلوكات النفطية الأخرى، بما يسمح للشركات بفرض شروطها على الدولة اللبنانية “الخائبة” من التجربة الأولى”.
وينفي في هذا السياق التقارير التي تحدّثت عن اعتبار البلوك 4 الأكثر احتضاناً للغاز، ويشرح أنّ “شركتي سبكتروم البريطانية وPGS النروجية أجرتا بين العامين 2000 و2013 سبع مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد شملت 15252 كلم مربع، وثنائية الأبعاد لـ3200 كلم مربع، من المنطقة الاقتصادية الخالصة البالغ إجمالي مساحتها 22730 كلم مربع. ونتائج هذه المسوحات في قاع البحر باتت في Data room وزارة الطاقة، التي قرّرت على أساسها الشركات الحفر بعد مقارنتها بالطبقات الترسّبية couche sedimentaire في أماكن أخرى في العالم”.
يذكر أنّ عملية استخراج النفط والغاز تستغرق أقلّه سنتين ومثال على ذلك حقل زُهر في مصر، الذي اكتشف عام 2015 وبدأ استخراج الغاز منه عام 2017. ولبنانياً يسجّل التعثّر المستمرّ في إقرار قانون الصندوق السيادي رقم 132، وتحديد آلية إدارته، الذي نصّ قانون الموارد البتروليّة في المياه البحريّة على تأسيسه منذ العام 2010.