على أبواب الشهر الثالث من الحجر المدرسي، تقف وزارة التربية عاجزة عن تخيّل خطة إنقاذية تقي الطلاب شرّ الإطاحة بالعام الدراسي، ويقف الطلاب مبتهلين لربهم لتكرار سيناريو الإفادات الذي يبدو أنّه بات قاب قوسين أو أدنى من التحقّق، وإن بشكلٍ جزئي.
لا إجابات شافية في جعبة المعنيين في الوزارة الأم، بل تسيطر الضبابية على المشهد الدراسي، ويؤكد مصدر رسمي لـ”أساس” أن “لا سيناريو واضحاً حتّى الساعة بشأن الحلول الإنقاذية، وكلّ ما يمكن أن يقال لا يتجاوز حدود التكهّنات”.
ويكشف المصدر عن “مروحة اتصالات تقوم بها الوزارة مع الجامعات والمدارس حول الخطوات اللاحقة، لكن يبقى المؤشّر الأساسي هو كورونا أولاً وأخيراً، وهناك إجماع على ضرورة أن يكون التعليم هو آخر القطاعات التي قد تعود للعمل “فكل شيء رهن كورونا والمستجدّات الصحية”، كون المدارس هي من أكثر الأمكنة اكتظاظاً وازدحاماً، وقد يكون التعامل صعباً في كثير من الأحيان مع طلّاب في أعمارٍ صغيرة، غير واعين لخطورة المرحلة، وسيكون مستحيلاً التنبّه لكلّ ما يلزم من إجراءات لازمة.
إقرأ أيضاً: لا خطة ولا إجراءات: المدارس ستفتح… و”ما إلنا غير الله”
يرفض المصدر التعليق على خيار الإفادات، ويؤكد “عدم وجود سيناريو واضح بعد”، ويظهر عتباً على وسائل الإعلام التي اعتبرت في قول الوزير إنّ “الإفادات قد تكون أبغض الحلال” إعلاناً عن اعتمادها. بينما تؤكد معلومات “أساس” أنّ سيناريو اعتماد الإفادات بات الأوفر حظاً على مبدأ “نصّ نصّ” أي منح الإفادات لطلاب الشهادات المتوسطة دون طلاب الشهادات الثانوية، وذلك لاعتبارات مرتبطة بعدد الطلاب، وإمكانية السيطرة على امتحانات الثانية أكثر من الأولى.
وقد تأجّلت الاجتماعات “الموسّعة” التي كانت مقرّرة بين وزير التربية طارق المجذوب الاثنين والثلاثاء الماضيين وبين عدد من المعنيين في المدارس والجامعات، والسبب هو جلسات مجلس النواب. والأرجح أن تعقد هذا الأسبوع في موعد لم يُحدّد بعد. فضلاً عن أن رئيس الحكومة الذي كان أستاذاً جامعياً له حصّة في قرار “الإفادات” ، إذ إن وزير التربية أحال السؤال النيابي في جلسة الأونيسكو إلى رئيسه الذي طلب تأجيل الإجابة لمزيد من المشاورات.
نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود يكشف أنّ الوزير “طلب منّا إرسال اقتراحات وسيناريوهات الخروج من الأزمة عبر البريد الإلكتروني، مع الإشارة إلى إمكانية عقد الاجتماع هذا الاسبوع، لرسم خارطة الطريق للعام الدراسي، وتحديد مصير الامتحانات الرسمية ليُبنى على الشيء مقتضاه”.
وفي حديث لـ”أساس” لا يستبعد عبود اللجوء لسيناريو “نصّ نصّ” مع طلاب البروفيه لكثرة أعدادهم وصعوبة السيطرة “الوقائية” خلال الامتحانات بسبب ارتفاع أعداد الطلاب في الغرفة الواحدة، وأعداد الأساتذة في لجنة الامتحانات، وأعداد الأهل الذين ينتظرون أبناءهم خارج مراكز الامتحانات. فطلاب البريفيه يزيدزن عن خمسين ألفاً سنوياً، مقابل أقلّ من 20 ألفاً في الشهادة الثانوية، حيث شروط السلامة أكثر توافراً”..
مصدر تربوي ينتقد “حالة التخبّط في الوزارة، من خلال تصاريح وزير التربية المتناقضة”، ويقول لـ”أساس” أنّ “الانقسامات والخلافات داخل فريق الوزير تطيح بخارطة الطريق الواضحة لإنقاذ العام الدراسي، وما نلمسه من وقت لآخر هو عبارة عن حقل تجارب وكلام ارتجالي وبعيد عن أيّ خطة واضحة الملامح، بينما نرى أنّ دولاً أخرى قد وضعت خططاً متطوّرة تشمل كلّ السيناريوهات المحتملة المدروسة مع المقاربات الصحية. وتبقى الضحية هي الأهل والتلاميذ ولا سيما من لديهم امتحانات رسمية”.
ويصف المصدر نفسه في حديثه لـ”أساس” قرار “التعليم عن بعد” بأنّه “همروجة” تخفي وراءها “تنفيعات وإرضاءً لأصحاب المدارس الخاصّة، لربط الأهل باستمرار دفع الأقساط المالية، إذ تبيّن أنّها غير مجدية في كثير من الأوقات”. ويسأل :”هل كلّ الناس في بيروت أحوالهم المالية والاجتماعية سمحت بتوفير الإنترنت ومقومات التعليم عن بعد، وهل لدى التلامذة في القرى النائية كهرباء وإنترنت في بيوتهم 24/24″.
يتحدّث نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود عن مشكلة كبيرة أخرى يجب حلّها وإلا “ستصعّب العودة إلى المدرسة وربما تجعلها مستحيلة”، وهي أن قسماً من الزملاء (المعلّمين) يتقاضون منذ 5 أشهر صفر بالمئة من رواتبهم
عابد هو أحد الأساتذة الثانويين المتعاقدين، وطلب عدم نشر اسمه كاملا، يقول لـ”أساس”: “تخيّلي أنا مسؤول عن تعليم 4 صفوف عن بعد، كلّ صف فيه 15 تلميذاً، ولا يتجاوز عدد التلامذة الذين يفتحون الأجندة الإلكترونية، التي حدّدتها المديرية، الـ2 أو 3 تلامذة في أفضل الأحوال”. ويرجع السبب إلى أوضاع سيئة، لا سيما في المناطق النائية، مثل عدم توفّر الإنترنت والكهرباء بشكل مستمرّ وعدم توافر أجهزة الكمبيوتر أصلاً.
يرحّب عابد باعتماد الإفادات كحلول “أفضل الممكن”، ويسأل: “لماذا لا تُعتمد كما في عام 2014 حين كانت الظروف أفضل بكثير وكانت المشكلة مع هيئة التنسيق النقابية، ولم تكن وباءً وفيروساً مميتاً. إلا إذا كانت القضية فعلاً مراعاة لمصالح المدارس الخاصة”.
وعن ردود فعل الطلاب تجاه الإفادات، فينقل الأستاذ المتقاعد رغبة التلاميذ العارمة بهذا الخيار، ويذكّر بتصريح وزير التربية عن “أبغض الحلال”، عندها تفقّد عابد هاتفه بعد ساعات ليرى رسائل “من 140 تلميذاً يسألون عن إمكانية تطبيق الإفادات في ظرف كورونا”. لاسيما أن استكمال العام الدراسي في أشهر الصيف في ظل عدم وجود مدارس مجهّزة وغرف مكتظة تفتقد لأدنى مقومات التبريد والتهوئة، قد يخرجنا من أزمة لندخل بأخرى.
لا تقف مشاكل العودة إلى العام الدراسي هنا، بل يتحدّث نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود عن مشكلة كبيرة أخرى يجب حلّها وإلا “ستصعّب العودة إلى المدرسة وربما تجعلها مستحيلة”، وهي أن قسماً من الزملاء (المعلّمين) يتقاضون منذ 5 أشهر صفر بالمئة من رواتبهم ونسبتهم كبيرة، الأمر الذي قد يقف عائقاً جديداً أمام إكمال العام الدراسي.
هو سيناريو “نصّ نصّ”، يتقدّم كلّ يوم أكثر من يوم.