“أساس” يكشف “جيش” صرّافين غير مرخّص: دياب يستكمل المؤامرة أم لا يعلم؟

مدة القراءة 5 د


قدّر متابعون حجم سوق الصيرفة يوم الخميس الفائت، يوم الارتفاع التاريخي للدولار من 3400 إلى 4000، بأكثر من 15 مليون دولار. في حين أنّ الحجم “الطبيعي” واليومي، لا يزيد على 5 ملايين دولار. وقدّر هؤلاء حجم الأموال التي يخزّنها اللبنانيون في منازلهم، بأكثر من 1000 مليار ليرة، يكفي أن تكون 100 مليار منها في يد “جهة” واحدة، لتصير قادرة على المضاربة بها، وعلى “التلاعب” بسعر الصرف، في يوم واحد، وربما في ساعة واحدة.

فمن هي هذه الجهة؟

من تلاعب بسعر الدولار يوم الخميس. بعيداً عن التحليلات والتحليلات المضادّة.

وكيف يمكن الإجابة عن سؤال: “من”؟

حصل “أساس” على لائحة رسمية (المستندات مرفقة بالمقال)، من 62 عنواناً واسماً، لـ62 مؤسسة صيرفة، تتوزّع على كلّ مناطق لبنان، 4 منها “شطبت” تراخيصها في 31 كانون الثاني 2019، و58 غير مرخّص لها من الأساس، من قبل مصرف لبنان، تعمل بشكل يومي، خارج أيّ رقابة أو محاسبة أو مساءلة. وبالطبع هناك العشرات غير هؤلاء، ممن يعملون كصرّافين، بلا عناوين، ولهؤلاء قصّة أخرى.

إقرأ أيضاً: 5 آلاف مليار ليرة خرجت ولم تعد: من رفع الدولار 600 ليرة في ساعات؟

ثمة الكثير من الغموض حول “ترك” هؤلاء يعملون ليلاً ونهاراً، جهاراً، دون توقيف أحد منهم، ودون تحقيق في الجهة التي تحميهم وتحرص على عدم إقفال مؤسساتهم وعدم سوقهم إلى السجون، وبالتالي عن “الدور” الذي يؤدّونه للجهة التي تحميهم.

13 مؤسسة غير مرخّصة تعمل في الشمال، وواحدة في زغرتا، و3 في عاليه وواحدة في كسروان وأخرى في جبيل. لكنّ اللافت فإنّ العدد الأكبر من هؤلاء يتمركز في ضاحية بيروت الجنوبية حيث 16 مؤسسة، ومؤسسة واحدة في جنوب لبنان، ليرتفع العدد إلى 17 بين الضاحية والجنوب. وهناك 5 في البقاع، و21 في بيروت، 9 منها شرق بيروت، و12 في غربها. جزء من المؤسسات غير المرخّصة في بيروت، شرقاً وغرباً، من “البيئة الحاضنة” المشتركة مع المؤسسات الـ5 في البقاع والمؤسسات الـ17 في الضاحية والجنوب. لنصل إلى ما يزيد عن نصف الـ62، الذين يمكن اتهامهم بسهولة بأنّهم قوّة إسناد “صيرفية” تدور في فلك حزب الله. الحزب “المقتلع” من النظام المصرفي العالمي، واستطراداً بالطبع من النظام المصرفي اللبناني.

نظرية الـ100 مليار، التي تساوي نحو 27 مليون دولار، قد تكون كافية لاقتناع بأنّ هناك جهة ما، في وسعها التلاعب بسعر الدولار، إذا حرّكت ملاييناً قليلة، بين 5 و10. لكن ماذا لو عرفنا أنّ هناك 5 آلاف مليار ليرة، خرجت من مصرف لبنان قبل ثورة 17 تشرين الأوّل 2019، حين كانت تساوي 3.3 مليار دولار، ولم تعد، وفق المسالك المالية الطبيعية، إلى المصرف المركزي. ويمكن بسهولة الاستنتاج أنّ جهةً ما، قد تكون دولة أو جهازاً استخبارياً أو مجموعة دول أو أجهزة، قد “سحبت” هذه المليارات الخمسة آلاف، وخزّنتها، تمهيداً لـ”التلاعب” بسعر صرف الدولار وبقيمة الليرة اللبنانية.

“التلاعب” إذاً هو الكلمة المفتاح. وعلى هذه الكلمة يمكن سبر غور طبقات سياسية عديدة. فهناك نظرية تقول إنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو الذي تلاعب بسعر الصرف، ردّاً على وصول معلومة إليه، بخصوص نيّة الحكومة إقالته. وهناك نظرية معاكسة تقول إنّ  جيشاً من الصرّافين، مرجعيتهم “الضاحية”، واستطراداً “بعبدا”، يمكنهم أن يتلاعبوا، لحساب حزب الله وحلفائه، بسعر الصرف، ردّاً على تعاميم رياض سلامة الأخيرة. تلك التعاميم التي “نشّفت” السوق اللبناني من الدولارات، و”خنقت” الرئة الدولارية التي يتنفّس منها حزب الله، نزولاً عند طلبات “خارجية”، أميركية على الأرجح.

إذا كان الرئيس دياب يعلم ما ورد في هذا المقال وقال ما قاله من بعبدا، فكلامه يستكمل المؤامرة على اللبنانيين وعلى ليرتهم، أمّا إذا كان لا يعلم فهذا يعني أنّه ليس في موقع رئاسة الحكومة

لكنّ نظرية محاولة “الإطاحة” بسلامة تبدو أقرب إلى المنطق، بعد حملة إعلامية وسياسية وعلى مواقع التواصل ضدّه. وإذا تذكّرنا أن الأجهزة الأمنية في عهدة الحكومة ورئيسها، ورئيس الجمهورية وفريقه، فيصير من السهولة التساؤل: أين الأجهزة الأمنية والقضاء من 62 صرّافاً غير مرخّص يسرحون ويمرحون في طول البلاد وعرضها؟

وعلى الهامش، فإنّ النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات طلب من “هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال” تزويده بأسماء الأشخاص الذين أجروا تحويلات من حساباتهم في المصارف اللبنانية إلى الخارج. فامتنعت الهيئة لأنّ “المصارف أفادت بأنّ الأموال المحوّلة في حسابات هؤلاء الأشخاص لا توجد حولها شبهات”. وفي الكتاب الجوابي قالت “الهيئة” إنّه “في حال تمّ تجاوز القانون في هذه القضية، فإنّ ذلك سوف يُفسَّر بأنّ الهيئة تقوم بتنفيذ قرار سياسي، ما يضرب الاستقلالية التشغيلية للهيئة والتي يفترض ألا تتأثّر بقرارات طابعها سياسي، وفقاً للمعايير الدولية التي ترعى عمل وحدات الإخبار المالي”.

رفض الهيئة أساسه “السريّة المصرفية”. فطلب الأسماء بالجملة سيخرق تلك السريّة، في حين يمكنه طلب معلومات عن أسماء وتحويلاتٍ معيّنة وفقاً لشبهات محدّدة. 

إذا كان الرئيس دياب يعلم ما ورد في هذا المقال وقال ما قاله من بعبدا، فكلامه يستكمل المؤامرة على اللبنانيين وعلى ليرتهم، أمّا إذا كان لا يعلم فهذا يعني أنّه ليس في موقع رئاسة الحكومة.

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…