بن هوبارد من بيروت ورونين بيرغمان من تل أبيب بالمشاركة مع هويدا سعد من بيروت (نيويورك تايمز 22 نيسان)
عندما انفجر الصاروخ قرب سيارة الجيب السوداء من نوع شيروكي، قفز منها ثلاثة عناصر من حزب الله وركضوا بعيداً للاختباء. بعد لحظة، تبيّن لهم أن لديهم متّسعاً كبيراً من الوقت (بالنسبة إلى محاولة اغتيال)، فعادوا إلى السيارة وحملوا أمتعتهم، وابتعدوا عنها قبل أن يحوّلها صاروخ ثانٍ إلى أنقاض.
لم يُقتل أحد أو يُجرح في الهجوم الإسرائيلي على الفريق التابع لحزب الله في سوريا الأسبوع الماضي، لكن هنا تكمن القضية.
فاستناداً إلى عدد من المسؤولين الإسرائيليين والشرق أوسطيين الحاليين والسابقين، فإنّ إسرائيل تبنّت سياسة إنذار عناصر حزب الله في سوريا قبل قصف قوافلهم من أجل تجنّب قتلهم والمخاطرة بنشوب حرب مدمّرة في لبنان.
إقرأ أيضاً: حزب الله يعدّل قواعد الاشتباك: لبنان الساحة.. بدلاً من سوريا؟
الهجوم، الذي التقطته كاميرا (صادف وجودها إلى جانب الطريق)، يسمح بتلمّس منعطفٍ جديد في قواعد الاشتباك غير الرسمية بين إسرائيل وحزب الله، في أثناء استعداد الطرفين لما قد يكون الحرب الكبيرة الآتية، رغم محاولة تجنّبها.
السياسة الإسرائيلية في الإنذار المسبق ضمن سوريا، قبل توجيه الضربات، تلك التي لم يُعلن عنها سابقاً، تعكس خوف إسرائيل من التعامل مع المخزون الكبير من الصواريخ الذي يمتلكه حزب الله، حتّى وهي تحاول منعه من الحصول على صواريخ موجّهة، أو تطوير هذا النوع من الصواريخ، الذي تعتبره خطراً استراتيجياً عليها.
الصراع القديم على مدى عقود بين إسرائيل وحزب الله قد توسّع كثيراً في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، مع تدخل حزب الله في سوريا، وفي العراق، وأماكن أخرى، واستمرار إسرائيل في ملاحقته.
لكن على الرغم من أنّ إسرائيل لم تتردّد في قتل إيرانيين في سوريا، حيث تنتشر الفوضى في الحرب الأهلية المستمرّة من تسع سنوات، والتي سمحت بتدخل قوى أخرى فيها، فإنّها منضبطة على نطاق واسع حين يأتي الأمر إلى قتل أفراد من حزب الله.
سبق وأن تلقّى عناصر في سوريا اتصالات هاتفية مفاجئة من مسؤولين إسرائيليين تحذّرهم وتطلب منهم إخلاء مواقعهم قبل تعرّضها للغارات، وذلك وفق مسؤول من الحلف الإقليمي الموالي لإيران. والصاروخ الأول الذي أُطلق على سيارة الجيب التابع لحزب الله، أخطأ هدفه عمداً، كإطلاق تحذيريّ، لإجبار الرجال على ترك سيارتهم قبل تدميرها، كما قال المسؤول الاستخباري لـ”نيويورك تايمز”. لكنّ الخطة فشلت، لأنّ الركاب عادوا إلى السيارة واستعادوا حقائبهم قبل أن تُصاب السيارة.
كان في السيارة كادر كبير من حزب الله هو عماد كريمي، وفق العضو في التحالف الإقليمي الموالي لإيران، والمسؤول الشرق أوسطي الكبير
الفكرة الأساسية، بحسب المسؤول الإستخباري الشرق أوسطي الكبير، أنّ الرسالة وصلت إلى حزب الله: “نحن نستطيع أن نراكم، حتّى لو لم نقتلكم”.
حزب الله أيضاً، وعلى الرغم من خطاباته الحادّة عن تدمير الدولة اليهودية، امتنع في السنوات الأخيرة، عن قتل إسرائيليين، من حيث الظاهر، خوفاً كذلك من حرب قد تدمّر معظم لبنان.
بعد يومين من الهجوم على سيارة الجيب في سوريا، اتهمت إسرائيل حزب الله بفتح ثغرات في الجدار المبني على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وتعليق صورة قادته وصورة قاسم سليماني، الجنرال الإيراني القوي الذي دعم حزب الله، وقد قُتل بطيارة مسيّرة في كانون الثاني.
“هذه هي الحرب الجديدة”، تقول رندة سليم، الباحثة في “معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، وتضيف: “سنشهد استهدافات دقيقة ضد أفراد وناشطين أساسيين في إطار ما تعتبره إسرائيل خطراً وجودياً على أمنها، ويتمثّل بصواريخ حزب الله الموجّهة”.
تكتيك الطلقات التحذيرية والجهود المبذولة لتدمير الأجهزة بدلاً من قتل الأفراد، يمكن أن يُبعد إسرائيل عن خيار الحرب، لكن “إن وصل مشروع الصواريخ الموجّهة إلى المستوى الذي يتخوّف منه الإسرائيليون، عندئذ ستبدأ بقتل هؤلاء بالتأكيد”.
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله يمتلك أكثر من 100 ألف صاروخ بمقدورها إصابة كلّ زاوية في الدولة اليهودية. ولن يكون نظام القبّة الحديدية قادراً على إسقاط موجة كبيرة من الصواريخ في وقت واحد. ويعتمد النظام الدفاعي الإسرائيلي على أن الصواريخ ليست دقيقة جداً.
لكن إسرائيل تعتقد بأن حزب الله يحاول صناعة صواريخ موجّهة، بإمكانها ضرب مؤسسات أساسية كالقواعد العسكرية، والمباني الحكومية، أو مؤسسات الطاقة، وسيكون من المستحيل تقريباً وقفها. وقامت إسرائيل بشنّ غارات عدة في سوريا على ما تقول إنها قوافل أسلحة مرسلة إلى حزب الله، للتأكيد على أنها لن تقبل بوجود صواريخ ذكية قرب حدودها.
في آب الماضي، أرسلت إسرائيل طائرة مسيّرة متفجرة في قلب الضاحية التي يسيطر عليها حزب الله، لتدمير ما وصفه المسؤولون الإسرائيليون بأنه مكوّن حيوي لإنتاج الصواريخ الموجّهة. لكن وبهدف تجنّب قتل أفراد حزب الله، كان توقيت الهجوم قبل الفجر عندما لا يكون أحد في الموقع، كما قال مسؤول شرق أوسطي كبير.
هذا التكتيك التحذيري هو امتداد لما قامت به إسرائيل في غزة. فعندما يريد الجيش الإسرائيلي تدمير مخازن الأسلحة المخبأة في بيت مدني، يرمي قنبلة غير متفجرة أو ذات قدرة تدميرية منخفضة على السقف لتحذير الساكنين في المنزل لإخلائه قبل قصفه. ويسمى هذا التكتيك “طَرْق السقف”.
وبانتقال حزب الله إلى سوريا، أولاً لدعم قوات الرئيس السوري بشار الأسد ضد الثوار، ولاحقاً لتوسيع الجهاز العسكري للتنظيم الموجّه ضد إسرائيل، بدأت إسرائيل باستخدام هذه التقنية. وعندما تستعمل ضد الآليات، كما الغارة على السيارة الأسبوع الماضي، فإنها تلقّب بـ “طَرْق الدعامة” أي دعامة السيارة. وسيارة الجيب المستهدفة كانت قد تجاوزت للتو الحدود من لبنان إلى سوريا، على الرغم من إغلاق الحدود بسبب الكورونا، ولم تكن تحمل لوحات.
كان في السيارة كادر كبير من حزب الله هو عماد كريمي، وفق العضو في التحالف الإقليمي الموالي لإيران، والمسؤول الشرق أوسطي الكبير، إلى جانب مسؤولين آخرين تمّ الاتصال بهم من أجل هذا المقال، بشرط عدم ذكر هويّاتهم. فكريمي يعمل في وحدة حزب الله المكلفة بتهريب الأسلحة المتطورة، بحسب المسؤول الاستخباري.
اللقطات التي سجّلتها كاميرا المراقبة، وتمّ التحقّق منها في النيويورك تايمز، تُظهر كيف توقفت السيارة في الطريق السريع بعد الضربة الصاروخية الأولى. الركاب الثلاثة، ومنهم كريمي، هربوا من السيارة، تاركين الأبواب مفتوحة، لكنهم عادوا وحملوا حقائب معهم قبل إغلاق أبواب السيارة ثم الابتعاد. وبعد لحظات، ضرب الصاروخ الثاني السيارة فانفجرت وسط غمامة من الدخان.
المسؤول الأمني الشرق أوسطي أعرب عن امتعاضه من أنّ الرجال المستهدفين تمكّنوا من استعادة معدّاتهم، مشبّهاً ما شاهدناه كما لو أنّ “أحدهم تذكّر ما نسي ما كان قد اشتراه، من الحليب والبيض الذي أوصت به زوجته، وعاد من أجله. فهل هذه هي قدرة الدولة الأقوى في الشرق الأوسط؟”.
لم يعلّق الحزب على هذا الهجوم.
وقد تسبب هذا التكتيك بخلاف بين قيادة الجيش الإسرائيلي والموساد. ويعتقد ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي أن تحذير رجال حزب الله أثناء تدمير عتادهم يصنع توازن ردع أثناء تجنّب الوقوع في مسار الحرب: “إضافة إلى قواعد الاشتباك غير المكتوبة التي سمحت لنا بضرب حزب الله مرّة بعد أخرى، خلال الحرب ضدّ أهداف أخرى في أنحاء الشرق الأوسط، من دون التورط في حرب كاملة”، كما يقول مسؤول عسكري سابق.
الغارات الإسرائيلية في سوريا خلال السنوات الأخيرة قتلت المئات من الإيرانيين والسوريين ورجال الميليشيات العراقية وسواها، المدعومة من إيران. لكنّ هذه الغارات لم تقتل سوى 16 من رجال حزب الله منذ عام 2013، وفق عضو في مجموعة تابعة للمحور الإقليمي في سوريا
لكن رئيس جهاز الموساد يوسي كوهن، يشكّ في أن حزب الله، إيران وحلفاءهما، يمكن أن يشكّلوا تهديداً عسكرياً مهماً لإسرائيل، ويحاجج بأنّه ليس على إسرائيل أن تقيم توازن ردع مع ميليشيا تعتبرها مع الولايات المتحدة منظمة إرهابية. فالإرهابيون كما يقول، “يجب أن يُقتلوا وفق حاجة العمليات لا أن يُحافظ عليهم خوفاً من الردّ”.
إن الرسالة الوحيدة إلى قائد حزب الله، حسن نصر الله هي “عليه أن لا يجرّبنا”. هذا ما قاله كوهن في نقاش مع قادة الجيش الإسرائيلي: “فلا فرق بين أن يُطلق على إسرائيل صواريخ الغراد المعدّلة، أو صواريخ M-600، أو أيّ شيء آخر. عندما يحدث ذلك، فسيُقضى عليه هو وكلّ تنظيمه”.
حتّى الآن، فإنّ حذر الجيش الإسرائيلي هو الذي فاز حتى الآن، على الرغم من أن إسرائيل قتلت عنصرين من حزب الله في هجوم بشهر آب الماضي، والذي برّره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه “حصل لتجنّب هجوم وشيك بالطائرات المسيّرة القاتلة من سوريا نحو إسرائيل”. أما الناطق باسم مكتب رئيس الحكومة نتنياهو، فرفض التعليق على كلام كوهن.
الغارات الإسرائيلية في سوريا خلال السنوات الأخيرة قتلت المئات من الإيرانيين والسوريين ورجال الميليشيات العراقية وسواها، المدعومة من إيران. لكنّ هذه الغارات لم تقتل سوى 16 من رجال حزب الله منذ عام 2013، وفق عضو في مجموعة تابعة للمحور الإقليمي في سوريا.
لقراء المقال من المصدر اضغط هنا