كلّ المعطيات الميدانية تشي بأنّ الأرض تغلي من جديد. حالة الهدنة القسرية التي فرضتها جائحة “كورونا” تشارف على الانتهاء. والفرصة غير المعلنة التي منحت لحكومة حسان دياب تكاد تنتهي بضربة قاضية يوجّهها الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار. وها هي المجموعات المنتفضة تتحضّر من جديد لكي تحتلّ ساعات الاعتراض.
في الجولة الأولى كانت “ثورة” الطبقة المتوسطة، كما وصّفت في حينه، حيث تصدّر عنوان تغيير النظام، ومعه قانون الانتخابات واستعادة الأموال المنهوبة، بقية العناوين والمطالبات. لكنّ الجولة المنتظرة قد تكون “ثورة جياع” لا تعرف إلى رفاهية الشعارات طريقاً. هذه المرة ستكون أمعاء “الثوار” خاوية، ولن يتاح لهم ترف التفكير بكيفية تحسين أحوال النظام وتطويره وتصويب المالية العامة والاقتصاص من الناهبين… قد تكون الفوضى التي لا تميّز بين أملاك عامة وأملاك خاصة، بين واجهة مصرف وواجهة فرن خبز!
يقول أحد الأمنيين المواكبين لحركة الأرض، إنّ المتابعات الأمنية أمس الأوّل بيّنت عودة مجموعتين إلى الأرض: مجموعات عفوية لا ترتبط فيما ما بينها بأيّ رابط تنظيمي، حزبي أو سياسي وهي نزلت إلى الشوارع تعبيراً عن غضبها. ومجموعات أخرى تضمّ أشخاصاً سبق لهم أن شاركوا بقوّة في تظاهرات ما بعد 17 تشرين الأول
أمس الأوّل شهدت العديد من المناطق مظاهر احتجاج وقطع طرقات، راحت تأخذ في بعض المطارح أشكالاً عنفية، كما في البقاع وصيدا وطرابلس، فيما العيون شاخصة على مدخل مصرف لبنان الذي قصده محتجّون، فتحت حركتهم باب التساؤلات حول دور “حزب الله” في استثمار الحراك الشعبي للضغط على الحاكم رياض سلامة، بعد التوتر الذي عبّر عنه اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الحكومة برياض سلامة.
وعليه باتت الأسئلة مشروعة: هل استعادت الثورة نبضها وحدّدت ساعة الصفر الثانية؟ أين الضغط الدولي الذي تمارسه الولايات المتحدة على “حزب الله”، عبر الحصار المالي، من هذا التحرّك؟ هل ما يحصل وما يحضّر له هو عبارة عن تقاطع داخلي – خارجي أم هي ردّة فعل بحت محلية شعبية تتّصل بالانهيار الاقتصادي – المالي الحاصل وبارتفاع أسعار المواد الغذائية؟ وهل ستكون الحكومة هي الثمن؟ أم سيدفع الثمن القطاع المصرفي برمّته؟
يقول أحد الأمنيين المواكبين لحركة الأرض، إنّ المتابعات الأمنية أمس الأوّل بيّنت عودة مجموعتين إلى الأرض: مجموعات عفوية لا ترتبط فيما ما بينها بأيّ رابط تنظيمي، حزبي أو سياسي وهي نزلت إلى الشوارع تعبيراً عن غضبها. ومجموعات أخرى تضمّ أشخاصاً سبق لهم أن شاركوا بقوّة في تظاهرات ما بعد 17 تشرين الأول، وأهم تلك التنظيمات، “حزب سبعة”، الذي اشتغل فترة طويلة على الأرض وله مجموعاته المنظّمة التي تتحرّك في كثير من المناطق وتحديداً في الشمال، وثمة مجموعات يسارية قصدت الحمرا للتعبير عن اعتراضها على سلوك حاكم مصرف لبنان.
وبنظر المصدر ذاته، فإنّ حركة الخميس تدلّ بما لا يقبل الشك على أنّ التحضيرات تحصل على قدم وساق لعودة “الثوار” إلى ساحات الاعتراض وهذه المرّة من أزقّة الجوع والفقر. أما بالنسبة لتسييس هذا الحراك، فيلفت المصدر إلى أنّ المتابعات الميدانية لم تكشف بصمات علنية لـ”تيار المستقبل” في أيٍّ من تحركات الأمس، وتحديداً في البقاع، ولو أنّها حصلت في مناطق نفوذه ومن قبل بعض جمهوره. لكنّ الرصد الأمني لم يضبط وجوهاً مستقبلية على الأرض. كذلك الأمر بالنسبة لـ”حزب الله”، أو المجموعات الحزبية الموالية له، فتجزم المصادر أنّ حركة الاعتراض التي شهدتها منطقة الحمرا لا تمتّ بصلة لـ”حزب الله” أو للمجموعات الحزبية الموالية له. وهي حركة عفوية سبق أن قصدت مصرف لبنان أكثر من مرّة.
أما على المستوى السياسي، فقد توالت الإشارات بأنّ حالة المواجهة السياسية بلغت سقوفاً مرتفعة. تقول شخصية من قوى الثامن من آذار، إنّ التفلّت المالي الحاصل لا ينذر بأنّ الأمور قد تستقرّ في وقت قريب، لا بل هي دليل موثوق على أنّ الضغط المالي – السياسي الذي يُمارَس على لبنان يسلك منحىً تصاعدياً لا يبشّر بالخير. وتؤكد أنّ الادارة الأميركية ليست بعيدة عن هذا الضغط الذي يُمارس بأدوات مالية داخلية، والأكيد أنّ هناك منظومة سياسية – مالية متضرّرة من الحكومة ومن إمكانية اتّخاذها إجراءات قد تطال هذه الطبقة، وهي تتقاطع في مصالحها مع الضغط الأميركي ، وستحاول استثمار وجع الناس لرفع منسوب المواجهة.
في المقابل، فإنّ لقوى 14 آذار وجهة نظر أخرى ترى في التصعيد المفاجىء بوجه حاكم مصرف لبنان استهدافاً من جانب “حزب الله” وحلفائه لوصع اليد على القطاع المصرفي وما يمثّله من منظومة سياسية متكاملة. خصوصاً أنّ هذا الفريق، أي “حزب الله”، ضمّ الحكومة إلى محوره السياسي، إلى جانب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب، فيما عينه راهناً على العصب المالي لتطويعه.
إقرأ أيضاً: في قلب الصراع: من يسيطر على البنوك؟
في موازاة هاتين القراءتين، يرى المتابعون أنّ حالة التعبئة السياسية ستلي حكماً حالة التعبئة العامة، لكنّ الاعتقاد سائدٌ بأنّ التصعيد الميداني الذي يعكس حالة التصعيد السياسي، سيكون مضبوطاً بسقوف محدّدة، ولن يصل إلى مستوى الفوضى الشاملة، أسوة بالكثير من المحطات السابقة التي اقتربت خلالها المواجهة من الخطوط الحمراء لكن من دون تجاوزها. أما الحكومة، فهي لا تزال بنظر المتابعين، وتحديداً اولئك المحسوبين على محور الثامن من آذار، محمية بغطاء “حزب الله” الى حدّ استعمال منشد الحزب علي بركات في أغنية تعبوية تمجّد برئيس الحكومة.