ملاحقة الوزراء: بعد شاهيه برصوميان ما ينبت حشيش!

مدة القراءة 6 د


لم تغيّر السلطة عاداتِها. هي لا تفعل ذلك حتّى في زمن النكبات، وكأنّ لا ثورة ولا ثوار باتوا يقتربون أكثر من منازل و”غرف نوم” المتحكّمين بالقرارين السياسي والمالي!

كان يمكن “بَلع” مشهد الأونيسكو في جولته التشريعية الثانية، لو كنّا في أيّ زمنٍ آخر. في عهود الحكومات المُستنسَخة عن بعضها البعض مثلاً، لكن ليس اليوم، والجيّاع “يتأنّقون” لانتفاضة يبدو أنّها ستكون أعنف من 17 تشرين الأوّل 2019. فيما “المُحاصَرون” في منازلهم يَشهدون على أبشع عملية نهب لجنى أعمارهم وودائعهم، في حين يتنعّم الفاسدون بسلطة تبرَع في توسيع هامش ارتكاباتهم.

كان الرهان، ولو ضعيفاً، على “كارتيل” نيابي يجتمع هذ المرّة لمصلحة المنكوبين وليس ضدّهم. إقرار قوانين تتكفّل برفع غطاء لم يُرفع يومًا بمطرقة “الأستاذ” عن متّهمين “محتملين” من أهل السياسة.

لكن ما حصل هو “حفلة تنصيب” بعدّة شغل مُستهلكة منذ العهود السابقة، افتقرت حتّى إلى الإبداع في الإخراج. كانت الحجّة الأسهل لإسقاط “العجلة” عن قوانين إصلاحية، بينها “رفع الحصانة عن الوزراء”، هي “تعدّد الاقتراحات”، والقول إنّ “المطلوب التوافق على صيغ موحّدة”، والنتيجة: إلى اللجان مجددًا.

إقرأ أيضاً: قوى السلطة تستبعد “المستقبل”: عفوٌ عام لا يشمل الإسلاميين

في الواقع كان الوقت أكثر من كافٍ منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين، وقبلها بكثير، لإتمام جهود جمع الاقتراحات النيابية المتعدّدة والذهاب إلى الجلسة التشريعية بقوانين كاسحة لألغام الفساد وجاهزة للإقرار تحت وطأة أخطر أزمة مالية واقتصادية في تاريخ لبنان.

ملاحقة الوزراء، سابقين وحاليين، أمام القضاء العادي، شكّل جزءًا من منظومة قوانين مهمتها مكافحة الفساد، إما أُقرّت أو لا تزال تتلمّس طريق فوزها بأصوات المؤيّدين. لكن ما حصل في جلسة الأربعاء، التي انتهت بتطيير النصاب، فيه الكثير من التذاكي.

بين قوانين لا تزال “تَرفخ” في اللجان، وأخرى أُدرِجت على جدول أعمال الجلسة التشريعية… وبعدما أعطى الرئيس نبيه بري النقاش مداه حول قانون رفع الحصانة عن الوزراء، أفتى “الأستاذ” بإحالة هذه القوانين إلى لجنة الإدارة والعدل كون تعديل أو إقرار أيّ قانون في هذا المجال يتطلّب إجراء تعديل دستوري. عملياً، لم يكن هناك أهمّية تُذكر لتوزّع التصويت بين مع وبين ضدّ. لكن للأمانة صوّت إلى جانب القانون نواب حزب الله وحركة أمل والقوات والكتائب وبولا يعقوبيان وجميل السيد، وصوّت ضدّه نواب التيار الوطني الحر، باستثناء الآن عون، وتيار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي. ثم خرج سليم عون والياس أبو صعب وأعلنا أنّهما صوّتا معه.

يكفي الحكم على النتيجة: بعد شاهيه برصوميان ما ينبت حشيش!

يؤكّد الوزير السابق والخبير الدستوري زياد بارود وجود “إشكالية مرتبطة بالتعديل الدستوري لأنّ المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منصوص عليه في الدستور، وأيّ تعديل في الآلية يحتاج ليس فقط لتعديل القانون الذي يُنظّم المجلس الأعلى بل إجراء تعديل دستوري يَسبقه”. ويوافق على أنّ “آلية التعديل صعبة”، لكن يرى أنّه “لم يكن هناك نيّة بإعطاء إشارة ايجابية في جلسة الأربعاء، وإلا لباشروا في إجراءات التعديل فوراً حتى لو تطلّب الأمر أشهراً، لبعث رسالة إيجابية إلى الشارع، خصوصاً أنّ هناك اجتهادات لمحكمة التمييز في هذا الموضوع (قضية الوزير الأسبق شاهيه برصوميان) وتتطلّب حسماً”.

ويسأل بارود: “أمعقول أنّهم لم يكونوا يعلمون بأن الأمر يتطلّب قبل أيّ شئ آخر تعديلاً دستورياً. مع العلم أن هكذا تعديل لا يمسّ بالأساس ولا بالصلاحيات أو الرئاسات. ويفترض أن ينال موافقة جميع الكتل، فليس مسموحاً أن يكون هناك “سوبر مواطن” لا يُحاكم إلا أمام محكمة خاصة تتطلّب موافقة ثلثي مجلس النواب، مع تسجيل وقوفي ضد كلّ أنواع المحاكم الخاصة”.

وتنصّ المادة 70 من الدستور على أنّ مجلس النواب يحقّ له أن يتّهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى والإخلال بواجباتهم الوزارية. وحدّدت المادة 71 المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء كصاحب الصلاحية في الملاحقة والمحاكمة. وبالتالي فأيّ تعديل في المرجع القضائي للملاحقة يحتاج إلى تعديل دستوري. هذه حقيقة يدركها رأس الهرم النيابي. لكن في جلسة الأربعاء أعاد الموضوع إلى بداياته. وافقه في ذلك باقي السِّرب مع رشّة من مخاوف طائفية وهواجس من نبش القبور… والأرجح هلع سياسي كامِن لدى البعض من أن تصبح المحاسبة حقيقية.

فَتَح بري باب النقاش حول اقتراح قانون محاكمة الوزراء ورفع الحصانة عنهم، عارفاً بأنّ معظم النواب على دراية بوجود تمهّل متمادي في ما يتعلّق بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. فهو يتألّف من سبعة نواب انتخبتهم كتلهم، في 6 آذار 2019، يمثّلون كلّ الكتل السياسية في عضوية المجلس، فيما بقي انتخاب القضاة الثمانية عالقاً.

الرئيس بري أكّد في الجلسة، ردًّا على سؤال من النائب إلياس حنكش، أنّه لم يستلم أيّ طلب بهذا الخصوص، مع العلم أنّ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود أحال إلى وزير العدل السابق ألبير سرحان كتاباً بهذا الخصوص، ثم أعاد الكرّة مع الوزيرة ماري كلود نجم. لا تفسير لهذا التقاعس. مجرّد مؤشرات لا تشي سوى بتهرّب ضمني من قبل، وزيري العدل المتعاقبين، من المسؤوليات.

في أغلبية القوانين لم نعرف من صوّت معها ومن صوّت ضدّها. التسويات في الغرف المغلقة لا تزال تلعب دورها في ظلّ مجلس لا يزال الأوحد في العالم الذي لا يعتمد أسلوب التصويت الإلكتروني

“المجلس الأعلى” المعطّل منذ ولادته عام 1990، ومحاولة إنعاشه، إمّا بتعديله أو بإقرار قانون جديد، فضَح أكثر فأكثر مجلس التسويات. فبعض ما حدث داخل الجلسة يمثّل فوضى عارمة تنتهي بتصويت بالعدّ، ومن هنا يُفهم القرار بمنع النقل التلفزيوني المباشر لوقائع الجلسات.

وحين نسأل أحد النواب ممّن شاركوا في النقاشات حول القانون عن السبب الحقيقي لعدم إقراره يجيب: “لا أعرف. لقد طيّروا النصاب تجنّباً لإقرار فتح اعتماد بقيمة 1200 مليار لسدّ حاجات ملحّة ولم نفهم كيف ولماذا”.

في أغلبية القوانين لم نعرف من صوّت معها ومن صوّت ضدّها. التسويات في الغرف المغلقة لا تزال تلعب دورها في ظلّ مجلس لا يزال الأوحد في العالم الذي لا يعتمد أسلوب التصويت الإلكتروني. لم نكن حتى “عمّ نسمع بعض”، يقول النائب، طالباً عدم نشر اسمه. قد تكون “خلوة” الأونيسكو الأمثل  للتهرّب من قوانين بهذا الثقل. حتّى علي عمار، بتعليق عضويته في “المجلس الأعلى” مارس نوعاً من الضغط، لكن ردّة بري نفّست همّته فبدا كمنّ يُطبطب لنائب حردان قائلاً له “بكرا منرجع نحكي”.

في النهاية لا بدّ من الاعتراف بأنّ مجلس النواب اللبناني هو الأوّل والوحيد الذي عقد في الكرة الأرضية خلال عصر الكورونا، وهي نقطة تسجّل للرئيس نبيه برّي، بانتظار أن تكون الجلسة المقبلة، بعد 15 يوماً، حاسمة في الكثير من الأولويات الملحّة الإصلاحية، وإلا فلا يستغرب أحد أن يكون الدم في الشارع بين السلطة والثورة. 

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…