رمضان شهر “الجوع” هذا العام: المطابخ تغيّر عاداتها

2020-04-26

رمضان شهر “الجوع” هذا العام: المطابخ تغيّر عاداتها


عائلات كثيرة باتت عاجزة عن إدخال أصناف عديدة من المواد الغذائية والأطعمة إلى مطابخها. عائلات كثيرة أخذت تقتصد في استهلاكها. عادات جديدة لم يعتد عليها “اللبناني الكيّيف” بالفطرة. وظروف جديدة لم يعشها في أحلك مراحل الحروب الأهلية، ولا في أسوأ أزمنة الاعتداءات الإسرائيلية.

إقرأ أيضاً: 5 آلاف مليار ليرة خرجت ولم تعد: من رفع الدولار 600 ليرة في ساعات؟

على سبيل المثال، فإنّ عائلة مؤلّفة من 4 أفراد باتت تحتاج إلى ما يزيد على 60 ألف ليرة يومياً، لتأمين وجبة إفطار رمضانية في حدودها العادية جداً. فكيلو لحم البقر وصل إلى 30 ألف ليرة أمس لدى بعض اللحامين، ويزيد كيلو لحم الغنم ليصل إلى 40 ألفاً. وصحن الفتوش الذي لا يطيب إفطار الصائم من دونه، شارفت كلفته، لـ4 أفراد، على 20 ألف ليرة، بين سعر الخسّة والبندورة والخيار وباقي الخضار والزيت وربّ الرمان. حتّى ظرف الحساء المصنّع (Maggi) تضاعف سعره وصار أكثر من 4 آلاف ليرة، كما تضخّمت أسعار المشروبات الرمضانية مثل السوس والتمر الهندي والجلاب.

 

 

أما التمور التي تلازم الصائم من باب السُنن، فباتت بسعر الذهب. أرخص الأصناف الجاهزة للأكل وليس لصناعة الحلويات، لا يقلّ سعر الكيلو منها عن 20 ألف ليرة، وبعضها بات يقارب الـ50 ألفاً، من دون أن ننسى الحلويات التي يقبل عليها الصائمون في هذا الشهر الفضيل، مثل الكلّاج والداعوقية والشعيبيات والعثمانلية… فكلّ المحلات التي تبيعها أمست في مأزق كبير، لأنّها غير قادرة على مجاراة ارتفاع الأسعار اليومي والجنوني من دون زيادة أسعارها، فلجأت إلى سياسة تخفيض الأرباح لحدودها الدنيا، أو امتصاص الخسائر في بعض السلع خوفاً من خسارة الزبائن نهائياً.

 

 

“حلويات الصفصوف” الشهير في الطريق الجديدة عمد إلى نشر لائحة بأسعار المواد الأوّلية من سمن ودقيق ومكسّرات على أبواب محلّه، وذلك لمحاولة إقناع الزبائن بأنّ رفع سعر الحلويات لديه ليس من باب استغلال مناسبة شهر الصوم أو الربح الزائد.

 

يقول زياد، الذي يملك مستودعاً لتجارة المواد الغذائية والسكاكر في منطقة المزرعة، ويفضّل عدم كشف اسمه كاملاً: “اليوم أغلقتُ المستودع ولن أبيع سلعة قبل يوم الإثنين المقبل. كلّ تجار الجملة الكبار والمستوردين سبقونا إلى ذلك قبل يومين حين بلغ سعر صرف الدولار 3500 ليرة”.

زياد اشترى المواد الغذائية “على السعر القديم” وإذا باعها اليوم لن يتمكّن من تحصيل رأسمال كافٍ ليشتري غيرها بالأسعار المرتفعة الجديدة: “الأفضل أن أتريّث إلى حين استقرار سعر الدولار لأنّ هذا السباق مع العملة الصعبة سيفقدني رأسمالي كله”.

واعتباراً من بداية الأسبوع المقبل لن يكون هناك أيّ سلعة على الرفوف في المحلات بسعر 250 ليرة، لأنّ “هذه الفئة النقدية باتت من الماضي. العتبة من اليوم فصاعداً باتت 500 ليرة لبنانية، حتى سكاكر الأطفال أمست مصنّفة بحسب طبقات المجتمع”.

يحلّ شهر رمضان على اللبنانيين هذه السنة في ظروف لم يعهدوها من قبل. أزمة اقتصادية خانقة زاد فيروس كورونا على آلامها ألماً

يكشف هذا التاجر أنّ المستهلك اللبناني لم تعد له القدرة اليوم على شراء سلع كانت في السابق جزءاً من التاريخ وثقافة اللبناني، “فلوح شوكولا مثلMars  أو Twix صار ثمنه 2000 ليرة. هذه تسعيرة الشركة المستوردة. أما شوكولاته Maltesers فثمنه 3000 ليرة”. يضيف زياد: “هذه الأصناف الأجنبية المستوردة صار استهلاكها محصوراً بطبقات محدّدة من اللبنانيين، فيما العامة حسبهم الصناعات اللبنانية أو السورية المهرّبة أو بعض السلع التركية التي أمسى استيرادها شبه مستحيل بسبب خوف الأتراك من عدم الإيفاء بالالتزامات المالية من قبل التجّار اللبنانيين”.

يحلّ شهر رمضان على اللبنانيين هذه السنة في ظروف لم يعهدوها من قبل. أزمة اقتصادية خانقة زاد فيروس كورونا على آلامها ألماً. شهر رمضان الذي ينتظره اللبنانيون بمسلميه ومسيحييه لأجوائه المشبّعة بالإلفة والمحبة وتقرّب الناس من بعضها البعض لن يكون كما من قبل. لا تبادل دعوات إفطار، لا زيارات ولا سهرات حتّى السحور… كلّ منزل يلتزم بأهله فقط، من باب الحرص على عدم الاختلاط خوفاً من كورونا.

شهر رمضان لا يشبه نفسه هذا العام. الخير إلى تراجع، وسيكون شهر الجوع الحقيقي هذه المرّة.

مواضيع ذات صلة

سلامة والمظلّة السّياسيّة: الكلمة للقضاء

تتّجه كلّ الأنظار غداً الإثنين إلى قصر العدل حيث يُساق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمثول أمام قاضي التحقيق الأوّل بلال حلاوي لاستجوابه واتّخاذ قرار…

العمامة الوطنيّة والعمامة التّكفيريّة

تسود الشارع السنّي حالة من الاستقطاب الديني النزعة على خلفيّة حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وما يعرف بحرب الإسناد في جنوب لبنان، ويمكن اختصار…

تعويم الجماعة في ذكرى “الطّوفان”: الأيّوبيّ منسّقاً للمؤتمر القوميّ الإسلاميّ

في خطوة بالغة الأهمّية بتوقيتها ومضمونها تستضيف بيروت في الأول من شهر تشرين الأول المقبل الدورة الجديدة للمؤتمر القومي – الإسلامي، وستكون معركة طوفان الأقصى…

ثلاث سوابق مارونيّة “تنتخب” الرّئيس المقبل

ثلاث سوابق لم يشهدها لبنان في تاريخه السياسي الحديث تكمن أهميّتها ليس فقط في حصولها بل في تزامن بعضها مع بعض مع قاسم مشترك وحيد…