“لا ضَير في أن تبتسمي. يمكن أن تكوني جدّية وتبتسمي قليلاً”. تعليقٌ ظريف وجّهه أحد ناشطي “تويتر” إلى حساب وزيرة الدفاع زينة عكر، بُعيد فترة من تعيينها.
المؤكّد أنّ وزيرة الدفاع لا تصطنع جدّية “مُستوردة” لزوم الوَهرة، في موقع يُخالط العسكر، وآخر يلامس أسرار وخفايا الدولة.
فالملامح الجامدة تبدو جزءاً من شخصيتها الرصينة. ما عدا ذلك نحن نتحدّث عن “آلة عمل” متكاملة مع قدرة على التزحلق المَرن في خبايا الإدارة ربطاً بتجربتها المثمرة كمديرة تنفيذية لـ”الشركة الدولية للمعلومات”.
إقرأ أيضاً: بين وزيرة الدفاع وقائد الجيش… “علامة فارقة”
يقول عارِفوها إنّه لو عُرِضت عليها حقيبة الدفاع دون نيابة رئاسة الحكومة لكانت تردّدت في القبول. فخبرتها المتراكمة منذ 1995 في إحدى أكثر مؤسّسات الاستطلاع والدراسات مصداقية قد تكون نيابة رئاسة الحكومة المكان الأمثل للاستثمار فيها.
هو التقاطع في ملفات القطاع العام والخاص وتشابك المصالح بين الإدارات ومواقع السلطة الذي يسهل معاينته عن قرب عبر رئاستها للعديد من اللجان. نائبة رئيس الحكومة شخصية إدارية وعملية بامتياز… ومسيّسة لكن ليس حين يتعلّق الأمر ببتّ الملفات. هكذا نقلت تجربتها من “الدولية للمعلومات” إلى موقعها في السلطة: إنجاز المطلوب وفق منهجية مهنية وتاريخ محدّد من دون الالتفات إلى “تسييس” النتيجة.
ثمّة إقرار لدى عتيقين في السرايا بأن اللجان المرتبطة برئاسة الحكومة لم تكن منتجة في السابق كما هي عليه اليوم ربطاً بما أدرج في البيان الوزاري من خطط ومشاريع يفترض إنجازها ضمن تواريخ محدّدة، ومنها استكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين النافذة وعددها 41.
ابنة كفرحزير في الكورة workaholic بشهادة عارفيها القدامي والجدد. لنقل “شغّيلة”، وإن استلزم الأمر جلوسها في السرايا على الأرض إذا اضطر الأمر لإنجاز المطلوب.
اسم زينة عكر، بعكس أغلبية وزراء حكومة دياب، بقي طيّ الكتمان حتّى اللحظة الأخيرة من ولادة الحكومة. وكونها محسوبة على رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر لا يحجب هامش الاجتهاد لديها في الأداء والأهداف. بالتأكيد مرجعيتها رئيس الحكومة وليس جبران باسيل. “فهو يقول رأيه، لكن لا يملي علينا ما نفعل”.
أول إمرأة تعيّن وزيرة دفاع ونائبة رئيس حكومة في العالم العربي أخذت مكانها بسلاسة على طاولة العشرين. هي من ضمن باقة الستّ سيدات، لكنها بالتأكيد الأكثر حضوراً رغم صمتها وامتناعها الإرادي عن الظهور الإعلامي أو “الاستعراضي” كما سلفها إلياس بو صعب.
في مكتبها في وزارة الدفاع لا تضطر عكر إلى تغيير بروفيلها طالما أنّ منهجية العمل هي نفسها: الملفات تتكلّم لا السياسة وحساباتها!
بعكس نائب المتن، الوزير السابق، بَنت علاقة ثقة وتعاون مع قائد الجيش العماد جوزف عون. لذلك لن نراها تزاحمه على معاينة الحدود والمعابر أو تفريخ ساحات الجيش في المناطق. التباين في وجهات النظر أمر مسلّم به لكن آلية المُعالجة سَلِسة ولا تقود إلى التصادم. حتى الآن لا تأخير يذكر في توقيع أيّ معاملة. إما توافق وتوقّع فوراً، وإما تطلب توضيحاً. بالمحصِّلة لا عرقلة ولا تفتيش عن مشكل. ما يحدّد العلاقة نصّ القانون من دون أحكام مسبقة من الطرفين. هو فريق عمل ناجح ومنتج حتى الآن.
وحالياً تنخرط وزيرة الدفاع في مشروع تطوير مفهوم العمل المدني في الجيش. بندٌ كان جزءاً من خطة استراتيجية متكاملة أعدّها وزير الدفاع الأسبق يعقوب الصراف. الأخير، وخلافاً لما تردّد، ليس من ضمن فريق عمل الوزيرة. هو صديق العائلة ومعروف بخبرته وشفافيته في مجال الإدارة العامة، ولذلك طيفه حاضر.
الكلمة التي ألقتها عكر في حفل التسليم والتسلّم وركزّت على مكافحة الفساد لم تأتِ من عدم. يجزم عارفوها باقتناعها بأن لا جدوى من وجودها في السلطة إذا لم تكن شريكة في تغيير مسار النظام المعمول به، القائم على التنفيعات والنهب المنظّم. لا تخفي صدمتها من هول ما عاينته عن قرب من اهتراء وعفن وهدر في القطاع العام ومؤسسات الدولة برغم اطّلاعها وخبرتها في مجال الأبحاث.
يُسجّل اهتمامها الخاص بملف إعداد مشروع قانون جديد للأملاك البحرية العامة. هي الجهة الرخوة التي صوّب عليها الخصوم منذ لحظة تعيين عكر، موجّهين الاتهام لها وزوجها جواد عدرا رئيس مجلس إدارة “الدولية للمعلومات” بالاعتداء على الأملاك البحرية في منطقة الهري وتهريب الآثار. عملياً، من تولى توجيه الاتهام لآل عدرا، وفق ما ينقل عنهم، همّ أنفسهم مافيا الأملاك البحرية ومافيا تهريب الآثار، والردّ عليهم لا يكون سوى بتقوية عود المحاسبة وإقرار القوانين الرادعة!
وانضمامها إلى تركيبة التكنوقراط الوزارية وسّع مروحة علاقاتها السياسية وأدوارها في حلّ بعض العقد. إن استلزم الأمر تغطّ في عين التينة أو بعبدا، أو تجري اتصالات مع مسؤولين أجانب وأميركيين، مع تسجيل علاقة جيدة مع “حزب الله”. معرفتها المسبقة بالرئيس حسان دياب سهّلت “لينك” التنسيق وترتيب الأولويات.
“ميني” حكومة ظلّ تقرأ عناوينها على صفحة عدرا المتخصّص، مع فريق عمله، في ملفات الدولة المنكوبة بطاقمها السياسي وكشف حجم الفساد فيها بالأرقام
فعلياً لا يكتمل وهج الوزيرة القوية إلا حين ترصد تعليقات زوجها جواد عدرا على “تويتر”. ثنائي يعكس الكثير من الشفافية، وربما يشكّل إحراجاً للحكومة نفسها. كأن يقول عدرا إن “أمامها أسابيع لتثبت جدارتها. لا ترف في الوقت أو المال، ولا مراعاة. كانت ‘الدولية للمعلومات’ تنشر نتائج عمل بعض الحكومات بعد 100 يوم. هذه المرة سننشر بعد 30 يوماً”.
“ميني” حكومة ظلّ تقرأ عناوينها على صفحة عدرا المتخصّص، مع فريق عمله، في ملفات الدولة المنكوبة بطاقمها السياسي وكشف حجم الفساد فيها بالأرقام. عام 1997 حذّر في مقال نشره على صفحات جريدة “النهار” من “الحلقة المفرغة التي خلقتها العلاقة بين المصارف ومصرف لبنان والسياسيين، وحتمية انهيار القطاع المصرفي تحت وطأتها”!
آخر تغريدات عدرا صوّبت على خطأ الحديث في خطة الحكومة عن هيركات للودائع الكبيرة، متسائلاً: “أيّ ودائع وهي لم تعد موجودة إلا ورقياً؟ الودائع بالدولار الأميركي تبخّرت، والليرة ستستمر في التراجع. على الحكومة مصارحة الناس والعمل على إعادة تكوين الودائع كاملة”.
برأيه، وهو مطابق لرأي وزيرة الدفاع: “المطلوب استرداد حقوق الدولة والناس قبل الاستدانة، وليتحمّل أهل السلطة والمال ما جنته أيديهم من جيبهم الخاص وليس من جيب ضحايا الحرب والانهيار الاقتصادي”. وأيضاً نصيحة أخرى للحكومة: “لبنان 1943 انتهى. وقواه السياسية لن تتقاعد. على الحكومة إثبات الذات”!