في المدى الطويل وفي ما يتعلّق بالشرق الأوسط والخليج والمنطقة ككلّ وصولاً الى شمال أفريقيا، سيتبيّن بالملموس أنّه سيكون لهبوط أسعار النفط والغاز انعكاسات تفوق بسلبياتها وخطورتها تلك التي سيخلّفها انتشار وباء كورونا. هناك مستقبل دول عدّة بات على المحكّ. على المحكّ، مستقبل كلّ من ايران والعراق وسوريا، وهناك تشظّ لليمن.
ثمّة أسئلة كثيرة يمكن طرحها أيضاً في شأن مستقبل لبنان الذي يمرّ حالياً في أسوأ مرحلة من تاريخه الحديث الذي بدأ في الثالث عشر من نيسان 1975 يوم اندلاع الحرب الأهلية المستمرّة إلى اليوم والتي هي في الوقت ذاته حروب الآخرين على أرضه.
إقرأ أيضاً: وضع أكثر من طبيعي في لبنان
تبدو إيران مقبلة على انفجار داخلي كبير، وذلك ليس بسبب كورونا فحسب، بل بسبب أسعار النفط والغاز والعقوبات الأميركية أيضاً. لعلّ أكثر ما يدلّ على درجة السوء التي بلغها الوضع الاقتصادي الإيراني اضطرار المسؤولين إلى وقف العمل بالإجراءات المتخذة للحماية من كورونا في كلّ أنحاء البلد، باستثناء طهران. يحدث ذلك في ضوء العجز عن معالجة الهموم المعيشية في ظلّ انتشار كورونا الذي أصبحت “الجمهورية الإسلامية” احدى بؤر تصديره ونشره في المنطقة. لم يعد من خيار أمام النظام الإيراني سوى التضحية بعدد لا بأس به من أبناء شعبه من أجل الحفاظ على نفسه. هذا ما تكشفه تصرّفات “الحرس الثوري” الذي يتحكّم بالفعل بمصير إيران والإيرانيين ودول عدّة في المنطقة من بينها لبنان، بطريقة مباشرة أو عبر أذرعه.
ليس معروفاً إلى متى يمكن أن يبقى نظام “ولاية الفقيه” ومعه المشروع التوسّعي الإيراني، لكنّ الأكيد أن إيران التي عرفناها في السنوات الـ41 الماضية قد تغيّرت. لم تتغيّر طموحاتها بمقدار ما تغيّرت قدرتها على تنفيذ هذه الطموحات. هذا يظهر في العراق وسوريا ولبنان وحتّى في اليمن حيث لم يعد الحوثيون يعرفون ما الذي يمكن عمله بالانتصارات التي حققوها على الأرض وشملت الاستيلاء على محافظة الجوف المهمّة. ماذا تفعل بانتصارك عندما لا تكون لديك القدرة على استثماره في السياسة، وعندما يكون شعبك جائعاً، وليس لديك ما تطعمه أو تروي به ظمأه سوى شعارات فارغة من نوع “الموت لاميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”.
لم تجد إيران سوى القبول بتكليف مصطفى الكاظمي تشكيل الحكومة العراقية. لا يمكن اعتبار الرجل معادياً لها، لكنه ليس خيارها الأصلي. يبقى السؤال ما الذي يستطيع المدير السابق للاستخبارات العراقية عمله على رأس الحكومة في بلد مفلس؟ ليس سرّاً أن العراق يعتمد بنسبة تسعين في المئة على دخله من النفط. من أين سيأتي الكاظمي بالمال لدفع رواتب نحو تسعة ملايين موظّف حكومي؟ ليس هذا السؤال سوى أحد التحديات الكثيرة التي تواجه العراق حيث يتبيّن يومياً انّ الأحزاب الشيعية التي حكمت البلد منذ 2003 لا تستطيع بناء دولة أو مؤسسات قابلة للحياة. كلّ ما تستطيعه، مثلها مثل أي حزب مذهبي (سنّي او شيعي)، هو أخذ البلد الى طريق مسدود كلّيا بدل بناء اقتصاد قابل للحياة.
سيكون لهبوط سعر برميل النفط انعكاساته على سوريا أيضاً. هناك انهيارات كبيرة على الأرض بعدما ضعفت الإمكانات المالية لدى الإيراني ولدى الروسي أيضاً. تتدهور الأوضاع المعيشية يومياً في مناطق سيطرة النظام الأقلّوي المدين بوجوده للإيراني الذي أنقذه في 2012 وللروسي الذي هبّ إلى نجدته في أيلول 2015. زاد أخيراً تقنين الكهرباء فيما تكرّس الاحتلال الإسرائيلي للجولان ووضع اليد التركية على جزء من الشمال السوري… بموافقة روسية ورضا أميركي.
لا مفرّ من الاستعانة بصندوق النقد الدولي في محاولة لتعويم المصارف وإعادة الحياة إلى النظام المصرفي، وذلك بغضّ النظر عن الشروط التي سيفرضها الصندوق. لبنان في نهاية المطاف مصرف
لم تعد المسألة سوى مسألة وقت كي يحصل التغيير الكبير في سوريا، وهو تغيير كان مفترضاً أن يتمّ في 2012 أو 2015، لكن إيران استطاعت منعه مباشرة أو عن طريق الروس وإن بالقوة، قوّة البراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي.
ماذا سيفعل لبنان في ظلّ التغييرات الاقليمية الكبيرة المتوقّعة؟ الأكيد أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لم يعد يمتلك وعوداً مرتبطة بالاستثمارات الصينية أو السوق العراقية. الأكيد أيضاً أن الدول العربية القادرة، في مقدّمها المملكة العربية السعودية لن تكون مستعدّة لمساعدة بلد مفلس مثل لبنان تشكّلت فيه “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”. لن تساعده حتّى لو رغبت بذلك. على الدول العربية القادرة التكيّف بدورها مع مرحلة هبوط أسعار النفط والغاز، المنتظر أن تستمرّ طويلاً!
مؤسف أنّه لا يوجد في لبنان رجال دولة. مؤسف أكثر أنّ ليس هناك، بين الذين يشاركون في الحكومة، من يعي أنّ هذا ليس وقت الهرب من الاستحقاقات التي باتت مفروضة على البلد في حال كان مطلوباً إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ماذا يعني هذا الكلام؟ إنّه يعني شيئا واحداً. لا مفرّ من الاستعانة بصندوق النقد الدولي في محاولة لتعويم المصارف وإعادة الحياة إلى النظام المصرفي، وذلك بغضّ النظر عن الشروط التي سيفرضها الصندوق. لبنان في نهاية المطاف مصرف. إذا انهار المصرف انهار لبنان وأفلس البلد ومواطنوه في الوقت ذاته، وغاب كلّ من يستطيع توظيف دولار واحد في البلد. الخيار واضح بين الانضمام إلى الدول المرشحة للانهيار من جهة والإقدام على الخيار الصعب من جهة أخرى. هل الحزب التابع لإيران الذي يتحكّم بالبلد وبكلّ تفصيل فيه على علم بوجود مثل هذا الخيار الذي يعني أوّل ما يعني الانحياز إلى ثقافة الحياة التي تهدّد وجوده من الأساس؟