يطل شهر رمضان على المسلمين في لبنان والعالم في زمن جديد وهو “زمن فيروس الكورونا”، وقد فرض على الجميع عادات وتقاليد جديدة سواء في الحياة الاجتماعية أو ممارسة الطقوس الدينية، فكيف سيكون إحياء شهر رمضان في المناطق اللبنانية هذا العام، وأية تغييرات ستطرأ على العادات والتقاليد والعبادات والصلوات الجماعية والدروس الرمضانية؟.
من خلال مراجعة الفتاوى والاستفسارات الفقهية لدى معظم المراجع الدينية الإسلامية في لبنان والعالم العربي والإسلامي، فإنّ انتشار فيروس كورونا لا يؤدي للتوقف عن الصيام الواجب وليس هناك أيّ رابط بين الصيام والمرض إلاّ لمن لديه عوارض صحية تمنعه من الصيام، وهذا مرتبط بكل مكلّف على حدة، ولا يمكن إطلاق فتوى بعدم الصيام في زمن الكورونا.
وفي هذا الإطار، صدرت فتاوى واضحة من المرجعيات الإسلامية في العالم، فقد أكدت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في مصر وجوب الصوم خلال شهر رمضان، مؤكدة عدم وجود دليل علمي حتّى الآن على وجود ارتباط بين الصوم والإصابة بفيروس كورونا المستجد، وذلك بعد اجتماع عقدته اللجنة، بحضور أطباء وممثّلين عن منظمة الصحة العالمية لبحث تداعيات فيروس كورونا ومدى تأثيره في صيام شهر رمضان.
إقرأ أيضاً: الكورونا: هل تكونون “معذورين” في إفطاركم؟
وأما بالنسبة لصلاة التراويح والاعتكاف في المساجد، وهى من أكثر الأنشطة الجماعية إقبالا في شهر رمضان، فإنّ وزارة الأوقاف المصرية قرّرت تعليق كافة الأمور والأنشطة الجماعية فى رمضان، لتضيفه إلى قرارها السابق بحظر إقامة الموائد فى محيط المساجد أو ملحقاتها، وحظر الصلوات الجماعية والتراويح والدروس الرمضانية في المساجد وإحياء ليالي القدر وغيرها من المناسبات الدينية والإفطارات الجماعية وجمع التبرّعات في شهر رمضان.
أما في العراق فقد صدر عن المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني فتوى صريحة حول عدم الإفطار في شهر رمضان بسبب فيروس كورونا إلاّ لمن تضطره الظروف الصحية لذلك، وجاء في الفتوى: “إنّ وجوب صيام شهر رمضان تكليف فردي، فكلّ شخص توفّرت فيه شروط الوجوب لزمه الصيام بغضّ النظر عن وجوبه على الآخرين أو عدم وجوبه عليهم. فإذا حلّ شهر رمضان القادم على مسلم وخاف من أن يصاب بالكورونا إن صام ولو اتّخذ كافة الاجراءات الاحتياطية، سقط عنه وجوبه بالنسبة إلى كلّ يوم يخشى فيه إن صامه أن يصاب بالمرض. وإذا أمكنه تضعيف درجة احتمال الإصابة حتى يصبح مما لا يعتدّ به عند العقلاء ـ ولو من خلال البقاء في البيت وعدم الاختلاط بالآخرين عن قرب واستخدام الكمّامة والكفوف الطبية ورعاية التعقيم المستمر ونحو ذلك ـ ولم يكن عليه في ذلك حرج بالغ لا يتحمّل عادة لم يسقط عنه وجوب الصيام”.
وتابع السيستاني قائلاً: “أما ما ذكر من أنّ الأطباء يوصون بشرب الماء في فترات متقاربة تفادياً لقلة الماء في الجسم وجفاف الحلق ـ لأنهما يرفعان من احتمال الإصابة بفيروس كورونا ـ فهو لا يمنع من وجوب الصوم إلاّ بالنسبة إلى من بلغه ذلك فخاف من الإصابة بالمرض إن صام ولم يجد طريقاً لتقليل احتمالها بحيث لا يصدق معه الخوف ـ ولو بالبقاء في المنزل واتخاذ سائر السبل الاحتياطية المتقدّمة ـ وأما غيره فلا بدّ من أن يصوم. علماً انه ربما يمكن تفادي قلة الماء في الجسم في حال الصيام من خلال أكل الخضروات والفواكه بالمياه كالخيار والبطيخ الأحمر قبل الفجر”.
أما على صعيد المساجد والمقامات الدينية في العراق، فلا تزال مفتوحة وإن كانت نسبة أعداد الزائرين والمصلين تراجعت كثيراً.
وبإنتظار صدور قرار واضح من السلطات اللبنانية حول إعلان التعبئة العامة ومنع التجوّل في المساء، فسيكون من الصعب على المسلمين المشاركة في صلوات الجماعة وصلاة التراوايح إذا استمرت التعبئة ومنع التجوّل ليلاً
وفي السعودية لا تزال السلطات هناك تتخذ إجراءات واسعة للحدّ من التجمّعات والصلوات الجماعية. وفي إيران لا تزال السلطات الدينية تدرس كيفية التعاطي مع تداعيات فيروس كورونا في الأيام المقبلة مع استمرار إقفال المقامات الدينية ووقف صلوات الجمعة والجماعة.
في لبنان، لم يصدر عن المؤسسات الدينية والجمعيات الإسلامية المشرفة على المساجد أيّ قرارات حتى الآن، وإن كانت الدعوات إلى الافطارات الجماعية لم تبدأ، وسيكون من المتعذّر على كلّ الجمعيات الاجتماعية والدينية الدعوة إلى إفطارات جماعية هذا العام لجمع التبرّعات، ما سيجبرها على اللجوء إلى أساليب أخرى، مثل بعث الرسائل الخاصة وتسويق حملات إعلامية عبر وسائل إعلام تقليدية ومواقع التواصل الإجتماعي، خصوصاً في ظل ازدياد أعداد الفقراء والمحتاجين بسبب توقّف الأعمال وإغلاق المؤسسات الخاصة.
وبإنتظار صدور قرار واضح من السلطات اللبنانية حول إعلان التعبئة العامة ومنع التجوّل في المساء، فسيكون من الصعب على المسلمين المشاركة في صلوات الجماعة وصلاة التراوايح إذا استمرت التعبئة ومنع التجوّل ليلاً، وهذا سيفرض على المصلين إقامة الصلوات الجماعية في المنازل وتحوّل الآباء والأمهات إلى أئمة للصلاة بمشاركة أفراد العائلة، كما ستكون الإفطارات محصورة في ضمن العائلات الصغيرة وسنفتقد الإفطارات الجماعية أو الإفطارات في المطاعم والاستراحات والأماكن العامة.
وأما ليالي القدر والمناسبات الدينية والتي تأتي غالباً في العشر الأخير من شهر رمضان (بأيّ ما بين الرابع عشر والرابع والعشرين من شهر أيار)، فربّما تكون الأوضاع تغيّرت وتراجعت أجواء التعبئة العامة ومنع التجوّل مما قد يتيح للمؤمنين المشاركة ولو ضمن حدود معيّنة في إحياء هذه الليالي الرمضانية المميّزة.
وبإلإجمال، فإنّ شهر رمضان هذا العام لن يكون كغيره من الأشهر الرمضانية في السنوات الماضية، وسيكون للمسلسلات الرمضانية الحصة الأكبر من المتابعة، وهو سيشبه إلى حدّ كبير موسم شهر رمضان في حزيران من العام 1982، الذي حلّ بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وشهد خلاله المؤمنون ظروفاً صعبة في لبنان.
واليوم ها نحن نواجه حرباً جديدة مع عدوّ مجهول، وسيكون لنا رمضان مختلف وتقاليد وعادات جديدة، وقد تكتفي بعض الجمعيات بالزينة الرمضانية التقليدية، وكلّ شيء غير ذلك سيتغيّر ويعود كلٌّ منا إلى رمضانه الخاص والصيام الفردي بعيداً عن أي تقاليد جماعية، وبذلك تتقدّم العلاقة المباشرة مع الله على حساب الطقوس والعادات المتوارثة منذ مئات السنين.