من المقرّر أن يعقد نواب طرابلس ووزراؤها الحاليون والسابقون اليوم الثلاثاء اجتماعاً “طارئاً” في معرض رشيد كرامي الدولي للبحث في سبُل مواجهة تحدّياتٍ يعتبرونها أسوأ من أخطار الحرب، لأنّها تحمل مخاطر الوباء والجوع في آنٍ واحد، ولهذا ركّز الداعون للاجتماع على أنّه لا يمكن الصمود في هذه الحرب إلاّ بتضافر كلّ الجهود وجميع الطاقات والإمكانات لإنقاذ الفيحاء.
المشاركون مبدئياً في الاجتماع هم: رئيس الحكومة السابق النائب نجيب ميقاتي، النائب جان عبيد، النائب فيصل كرامي، الوزير السابق محمد الصفدي، الوزير السابق رشيد درباس والوزير السابق أشرف ريفي، إضافة إلى نواب الشمال ونقباء المهن الحرة ورؤساء اتحاد بلديات الفيحاء ورئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي، والهدف الاتفاق على خطّة مشتركة لإدارة الأزمة، في مساراتٍ متوازية تقوم على توزيع الأدوار وفق ما يوفّره الواقع الراهن المستند إلى العلاقات التي يمتلكها المشاركون، سواء كانوا في المعارضة أو الموالاة، لتسخيرها في خدمة المدينة.
تنقسم المسارات إلى ثلاثة:
ــ مسار عمل بلدية طرابلس واتحاد بلديات الفيحاء ونقابات المهن الحرّة.
ــ مسار العلاقة بالسلطة المركزية وسبل توفير الموارد المطلوبة لتجهيز المستشفى الحكومي وتعزيز الأعمال الإغاثية.
ــ مسار التنسيق مع الثوار والمجتمع المدني والجمعيات العاملة في المجالات الإنسانية.
حملت الدعوة إلى الاجتماع صيغة “تداعينا”، للإشارة إلى أن المبادرة جماعية. لكنّ طرابلس كانت تشهد تحضيراتٍ سابقة لمثل هذا الاجتماع، أبرزها ما شهدته أروقة “جمعية العزم والسعادة” من لقاءاتٍ شملت أطيافاً وشرائح متنوّعة، والاتصالات التي قام بها الوزير السابق أشرف ريفي.
إقرأ أيضاً: سياسيو الـ33 مليار دولار: فكّوا “القصبة” وجهّزوا المستشفيات (1/1)
يقول ريفي لـ”أساس” إنّ قيادات المدينة كانوا “أمام خيارين: إما أن نقاطع بعضنا البعض وإما أن نسعى إلى التعاون، ونحن نقوم بمسعى ندرك صعوبته ونرجو ألا يكون يتيماً، على قاعدة التحرّك كأبناء طرابلس التي لا يجوز أن تكون بهذه الحال، لأننا إذا فشلنا فسيكون الوضع ميؤوساً منه”.
ويطلب ريفي “تعاون الجميع، وخاصة شباب الثورة الذين لن تنجح أيّ مبادرة من دونهم. والمطلوب ممن يمتلك العلاقة الجيّدة مع السلطة المركزية أن يتحرّك لتأمين مستلزمات مدينته الصحية والإغاثية وعندها يكون من أهل طرابلس قولاً وفعلاً، وإذا تقاعس هؤلاء فسيخرجون من المعادلة بطبيعة الحال”.
وأعرب ريفي عن عدم ثقته بالأرقام الحكومية الصادرة حول انتشار مرض كورونا، متحدّثاً عن “حاجة لإجراء 20 ألف فحصٍ سريع في مناطق الشمال للتمكّن من تحديد الانتشار الحقيقي للوباء”.
الدكتور عبد الرزاق قرحاني، مستشار الرئيس نجيب ميقاتي ورئيس مجلس إدارة “دار العلم والعلماء”، اعتبر أنّ “التعاون ضرورة ملحّة خاصة في هذه المرحلة، للتمكّن من وضع خطةٍ عملية والمسارعة إلى تنفيذها، وأن ينبثق عنها لجنة تواصل مع الجهات الداعمة محلياً وخارجياً، وتفعيل دور مرفأ طرابلس في تأمين وصول كميات الغذاء والوقود المتوقّع أن تحتاجها طرابلس لتوفير أمنها الغذائي”. كما شدّد قرحاني على ضرورة التنسيق بين الجهات العاملة لتفعيل الجهود وعدم الوقوع في فوضى الإحصاء والتوزيع ولتحسين الفعالية في المجال الصحي.
ويسجّل أهالي طرابلس هذه الأيام مواقف وحركة نوابهم، ويسجّلون على الجميع أنّهم عجزوا عن حماية المدينة من الإجحاف والظلم، لكنّهم يرصدون محاولات جادّة، في حين لا يعثرون على أيّ أثرٍ لنواب “تيار المستقبل”، في زمن الثورة غابوا، كما في زمن الكورونا.
رغم أن صيغة الاجتماع لا تحمل رأساً أو أفضلية محدّدة، إلا أن طبقات “المستشارين” دأبت خلال الساعات الماضية على شنّ “حرب دعايات سياسية”. كلٌ منهم ينسب الفضل لمن يروّج له
ولا شكّ أن اجتماع نواب طرابلس ووزراءها ومن يتولّون المواقع والمراكز البلدية والنقابية والاقتصادية خطوةٌ إيجابية ولا يجب التشكيك بها سلفاً، بل الأجدى الدفع نحو تحقيق نتائج فعلية نظراً لدخول المدينة النفق المظلم الذي بات يكشف عورات الواقع المعيشي والإنساني بشكلٍ مأساويّ يهدّد حقيقة بانفجارين: اجتماعي ناتج عن الجوع وصحي ناتج عن الوباء.
لكن لا بُدّ بين يدي هذا الاجتماع من وضع الملاحظات الآتية:
ــ السلطة القائمة لم ترتقِ بسلوكها السياسي والمالي والصحي والاجتماعي إلى مستوى الكارثة التي يهوي فيها البلد، وهي تواصل السلوك الزبائني وتتنافس على التعيينات والمواقع ولا ترى في جائحة بحجم وباء كورونا داعياً لتغيير السلوك الحاكم. ومن يواليها في طرابلس لا يخرج عن هذا السلوك، فضلاً عن التشكيك في امتلاكه قراره المستقلّ.
ــ نواب طرابلس ووزراؤها، ومعظمهم مستمرّون في تمثيلهم المدينة منذ دوراتٍ نيابية عدّة، كانوا في المناسبات الانتخابية يعلنون مبادراتٍ لأجل المدينة ويلتقون فيما بينهم رغم اختلاف وجهاتهم السياسية، لكنّ كلّ المحاولات السابقة باءت بالفشل الذريع، لأنّها لم تكن جدّية، ولأنّ الأنانيات هي المتحكّمة في العلاقات القائمة بين معظم هؤلاء.
ــ رغم أن صيغة الاجتماع لا تحمل رأساً أو أفضلية محدّدة، إلا أن طبقات “المستشارين” دأبت خلال الساعات الماضية على شنّ “حرب دعايات سياسية”. كلٌ منهم ينسب الفضل لمن يروّج له، حتى إنّ أحد المدعوّين وصف الآخرين بـ”الأعدقاء” الذين “ينسّقون في الشكل ويطعنون بعضهم من تحت الطاولة”.
ــ هل المخاطر التي واجهتها طرابلس قبل وباء كورونا كانت أقلّ شأناً مما نحن عليه الآن؟ مع الاعتراف بأن اجتماع الوباء والجوع أمرٌ مخيف وربما غير مسبوق.
لكن مئاتٍ من أبناء طرابلس كانوا وما زالوا يموتون بسبب العجز عن العلاج من أمراضٍ جاءت بها السلطة من خلال التلويث الواسع النطاق، سواء من مطمر النفايات المتمدّد أو المياه المبتذلة.. فأعداد قتلى السرطان يوازي ضحايا طرابلس في بعض مراحل جولات الحروب الغابرة.. والعجز عن العلاج من الأمراض المختلفة يوقع المئات من الضحايا.. لكنّ ذلك الموت هو موتُ الفقراء الصامت و”الرخيص” بنظر وحوش السلطة. هو ذلك الموت البعيد عن الطبقة الغنية وعن شوارعها المنظّمة وعن بناياتها الفخمة. أما وباء كورونا فإنّه لا يستثني أحداً ولا سبيل لوقفه إلا بالحصانة الجَماعية وبالشفاء الجماعي.
كان لا بُدّ من التذكير، عشية انعقاد اجتماع “قيادات” طرابلس، بهذه الحقائق المؤلمة، لعلهم يتصرّفون بمسؤولية هذه المرّة قبل أن تنفجر في وجوههم قنابل لم تعد موقوتة لأن عدّاد الجوع يلغي الزمن وينهي الصبر ويطرد العقل، وحينها لات ساعة مندمِ.