ماذا يحصل بين القوات اللبنانية وحركة أمل؟
تفاعل هذا السؤال في الأيام الأخيرة مع التطوّرات التي شهدتها العلاقة بين الطرفين وتمثّلت بثلاث خطوات ذات دلالة هامة:
ــ اتصال رئيس مجلس النواب (ورئيس حركة أمل) نبيه بري برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والسيدة ستريدا جعجع للمعايدة في حين لم يصدر أيّ خبر عن اتصالات معايدة أخرى لبري.
ــ قيام مسؤول مكتب النقابات والمهن الحرة في حركة “أمل” – اقليم جبل لبنان الدكتور نبيه شمص بزيارة رئيس مجلس إدارة مستشفى بشري الحكومي الدكتور أنطوان جعجع “للقاء مجلس إدارة المستشفى والاطمئنان منه على أهلنا في بشرّي ولنعلن دعمنا ووضع كلّ إمكانياتنا بتصرفهم”.
ــ نشرت حركة أمل شريطاً مصوّراً داعماً لبشرّي كان مكثّف العبارات المليئة بالأبعاد التاريخية والسياسية والإنسانية. وحمل عنوان: “بشرّي عاصمة الأرز”، ومما جاء فيه: “لا يشكّل التهديد الوبائيّ التحدّي الأول لمسقط رأس جبران خليل جبران، فالمدينة شكّلت ملجأً للموارنة المضطهدين في القرن السابع بعد الميلاد”.
إقرأ أيضاً: بشرّي المحجورة تعتمد خطّة ألمانيا، كوريا الجنوبية وسنغافورة
ورد في الشريط أيضاً: “في بشري نحو 60 إصابة بفيروس كورونا.. بلدية بشرّي أعلنت إقفال البلدة واتخذت الإجراءات لسلامة الأهالي.. وزير الصحة حمد حسن زار المدينة.. لكنّ الحكومة مدعوّة إلى تعزيز صمود الأهالي ومدّهم بسبل الحياة وتعويضهم عن أرزاقهم لاسيما موسم التفاح اللبناني الذي تشتهر به البلدة الشمالية”.
وختم إعلام حركة أمل الشريط بعبارة: “بشرّي ستتجاوز أزمتها وستبقى حارسة وادي القدّيسين وستخرج من العزلة معافاة بشفاعة السيدة مريم العذراء عليها السلام”، ليقفل الفيديو بتوقيع “حركة أمل”.
مصدرٌ مسؤول في القوات اللبنانية قال لـ”أساس” إنّ “القوات منذ دخلت الندوة البرلمانية انتهجت سياسة إبداء الاحترام للرئيس برّي رغم الاختلاف السياسي معه مع اعتماد التعاطي بموضوعية في الملفات التشريعية فحصل انفتاح بين نواب القوات وأمل أبرزهم النائب ياسين جابر. وهذا أسّس لمساحات عمل مشتركة، فأصبحت العلاقة الشخصية مع النائب السابق أنطوان زهرا ثم مع النائب جورج عدوان متينة ومنتجة في المجال الوطني والتشريعي”.
ويتابع المصدر: “تنظر القوات إلى الرئيس بري على أنّه شخصية وطنية يبرع في ابتكار الحلول للأزمات المستعصية، فتحرص على علاقتها الجيدة به، مهما كانت التحوّلات حادّة، وهذا راكم خلفيةً إيجابية لدى الطرفين”.
المسؤول يروي عن لسان “أصدقاء مشتركين نقلوا عن الرئيس بري قوله عن القوات”: “نحن ضدهم وهم ضدنا في السياسة، ولكن اُنظروا إلى موقفهم من الحكومة، كيف أعطى الدكتور جعجع الفرصة للعمل وراعى الأزمة الاقتصادية والصحية وتعاطى بإيجابية مع وزير الصحة، وأشاد به عند قيامه بالخطوات المناسبة، وعندما يخطئ وزير الاقتصاد يلقى الانتقاد، والخطةُ المالية للحكومة قاربتها القوات بنداً بنداً ولم تـُصدر عليها الأحكام المسبقة، فحدّدت الإيجابيّ منها ورفضت السلبي”.
ويشرح المسؤول القواتي أنّ “اتصال الرئيس بري بالدكتور جعجع في الأعياد جاء في الإطار الإنساني والوطني، وإن كان يلحظ أن انضمام حركة أمل إلى التضامن مع بشرّي، ما يعطي هذه المبادرة بعداً سياسياً أوسع من المستوى الشخصي للعلاقة مع الأستاذ”.
يوافق المسؤول القواتي على أنّ أطرافاً سياسية عدّة تواجه استهدافاً مُرَكّزاً من العهد، وهي تشمل النائب السابق وليد جنبلاط بما يمثّله طائفياً وسياسياً ووطنياً، وهو اليوم الأكثر تعرّضاً للضغوط، والرئيس بري منذ واقعة تهجّم باسيل الشهيرة عليه، والنائب السابق سليمان فرنجية الذي لا يخفي هذه المواجهة، والرئيس سعد الحريري والقوات اللبنانية.. لكن هذا ليس كافياً لنشوء جبهة سياسية موحدة ضدّ العهد، فخصومه أيضاً متخاصمون، وطرح “الجبهة” ليس متداولاً ولا تبدو ظروفه ناضجة في الوقت الحاضر على الأقل.
باسيل بات اليوم يستقوي بكتلةٍ نيابية ووزارية وأمنية بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب ويتصرّف على أساس أنه قادرٌ على إحداث التغييرات التي يريدهّا في الساحة السياسية بدون عوائق، على قاعدة ابتزاز الجميع
وتوقع المسؤول في القوات أن ينتهي التصعيد بين الأطراف بتدخّل الرئيس برّي للتوفيق في الملفات المختلف عليها من تعييناتٍ وغيرها، متوقعاً النجاح لمساعيه، لأنّ “حزب الله” يراعي شريكه (برّي) ويراعي جنبلاط كحالةٍ ديمغرافيةٍ وسياسية لا يمكن إزاحتها، فالأولوية لدى الحزب الحفاظ على التوازن والاستقرار، معرباً عن اعتقاده بأن الحزب يدرك ما يفعله النائب باسيل، وكما أنه مضطّر لمراعاة التفاهم مع الطرف المسيحيّ الحليف، فإنه مضطّر لأن يُبعِد التوتـر عن العلاقة مع بقية الحلفاء والأفرقاء، فليس من المنطق أن يُترك باسيل ليوصل الأمور إلى حدود التفجير الداخلي.
لكنّ مصادر أخرى تحذّر من أنّ “باسيل بات اليوم يستقوي بكتلةٍ نيابية ووزارية وأمنية بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب ويتصرّف على أساس أنه قادرٌ على إحداث التغييرات التي يريدهّا في الساحة السياسية بدون عوائق، على قاعدة ابتزاز الجميع”.
هذا الطرح يردّ عليه المسؤول القواتي بالقول إنّ هذا المخطّط يجب أن يخيف “حزب الله” قبل غيره، لأنه يعني أنّ “باسيل يستطيع السير في خياراته بالحزب وبدونه، وإذا صحّ أنه يحضّر لاستهداف جنبلاط فإنه يهدّد باستهداف طائفة بأمها وأبيها، محذّراً من أن أيّ شرارة تشتعل اليوم، تحت أيّ عنوان: اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي يمكن أن تحرق كلّ لبنان، فهل يستطيع أحدٌ تحمّل هذه المقامرة؟”
تبقى نقطتان مختصرتان:
ــ التقارب بين حركة أمل والقوات هو تقاربٌ نوعيّ يحصّن الحياة الوطنية.
ــ العهد يُشهر سياسة الإلغاء ضدّ من يعتبرهم خصومه، فإن أغلبية اللبنانيين ستكون في مواجهته خاصة مع انكشاف فشله في الحكم على جميع المستويات.