دياب أشهرَ “أنتي حريريته”؟

مدة القراءة 5 د


لماذا قرّر الرئيس حسّان دياب أن يزور الرئيس سليم الحصّ؟ سؤال يصعب العثور على إجابة عليه، في حين يغرق لبنان في مواجهة وباء كورونا من جهة، وفي مواجهة أزمة مالية، وخراب اقتصادي من جهة أخرى.

فجأة، الرئيس الذي كان ينتظر منه اللبنانيون أن يطرق أبواب العرب والغرب، وأن يصالح لبنان مع المجتمع الدولي، وجدوه “يحرتق”، في زيارة كان واضحاّ أنّها تحمل رسائل إلى نصف اللبنانيين على الأقلّ، الذين يعتبرون الرئيس الحصّ عنوان المواجهة مع خيارات لبنان الاستراتيجية، من زواريب الاقتصاد والمال، وصولاً إلى أوتوسترادات العلاقات السياسية الخارجية.

هكذا، وفي غمرة العاصفة التي هبّت بوجه الحكومة بعد كشف بنود خطتها المالية، وإشهار معارضيها سيوف اعتراضاتهم لمحاربة المسودة المكتوبة، بحجة المسّ بالطائف ووضع اليد على القطاع المصرفي بفعل مصادرة رساميل المودعين، قصد دياب الحصّ “ليتعلّم منه”.

إقرأ أيضاً: حسان دياب لن يكون سليم الحص

وفق راصدي هذا المشهد، الصورة بحدّ ذاتها ذات دلالات كثيرة قد تتخطّى ما يمكن للمضمون أن يقدّمه خصوصاً وأنّ عنوان الزيارة هو الاطمئنان إلى صحة رئيس الحكومة السابق. ولذا تتأرجح تلك الدلالات المعبّرة بين أبعادها القريبة وتلك البعيدة، والتي قد تساعد على رسم بورتريه حسان دياب قبل أسابيع قليلة من بلوغه اختبار حاجز “المئة يوم”.

حتّى الآن، يكتفي الرجل بعنوان “التكنوقراط” الذي مهّد له طريق الوصول إلى السراي، ويحاول قدر الإمكان حماية نفسه من الانزلاق خارج هذا القالب، ولو أنّ خصومه يحصرونه في خندق قوى الثامن من آذار. لكنه يجهد لنفض الغبار السياسي عن هندامه ليتمكّن من عبور حقل ألغام الانهيار المالي بأقل الخسائر الممكنة… في مهمّة شبه مستحيلة.

وبالانتظار، يحاول متتبّعوه تقفّي آثار حدود “هويته” في المنظومة الممسكة بالبلد، التي على الرغم من محاولات انتفاضة 17 تشرين تفجيرها من الداخل، لكنّها حتّى اللحظة قابضة على تحالف مصالح يضمّ أبرز المكوّنات الطائفية، سواء التقت في ائتلاف حكومي أو توزّعت بين مقاعد الموالاة وصفوف المعارضة. فأين هو رئيس الحكومة منها: هل سيكون ممثّلاً للطائفة السنية ومدافعاً عن مصالحها؟ أم سيكون مجرّد أداة تنفيذية لمصالح الممثّلين الأصيلين؟ أو سيحاول تكريس خيار سنيّ جديد؟

حتى الآن، لم يحدّد دياب طبيعة دوره على التمام في هذه التركيبة، وقد يكمن قسم من الإجابة على هذه التساؤلات في المسار الذي سيختاره رئيس الحكومة لنفسه في “مغارة” التعيينات المالية المرتقبة وكيفية تعامله مع المواقع السنية، بعدما زادت التعيينات القضائية من فداحة موقفه وإصراره على توقيع مرسومها رغم اطّلاعه على رأي الهيئة الاستشارية العليا التي تلغي دور وزيرة الدفاع في الفصل بين مرسومي القضاء العسكري والعدلي.

ولهذا تكتسب زيارة الحصّ رمزية خاصة نظراً لتاريخ الأخير ومكانته، ودوره تحديداً في الشأن الاقتصادي. بمعزل عن صفات “النزاهة” و”الأمانة” التي عُرفت عنه. فقد طبعت تجربته الحكومية بمنحى اقتصادي بارز، وقد يحمل اللقاء بين الرجلين إشارة واضحة أراد دياب توجيهها، تشي بأنّه يسير على الطريق ذاته.

أكثر ما يثير الريبة بالنسبة لخصوم دياب، أن يكون قد قرّر استنساخ تجربة “الأنتي حريرية” والتي جسّدها الحصّ، بنظرهم، لدى تولّيه رئاسة الحكومة في عهد الرئيس السابق إميل لحود. في توقيت، حمل في طيّاته تناقضاً فاقعاً، بين من يراه ردّاً على الحملة التي تُشنّ بوجه رئيس الحكومة، لا سيما من الجبهة السنية، وبين من يعتبره إعلاناً غير رسمي من جهة الجالس على كرسي السراي، بأنّه قد يكون سليم الحص الثاني.

دون أن يظهر ما اذا كان دياب يعتمد صورة الحصّ المكلّف في العام 1976 من قبل الراحل الرئيس الياس سركيس أو طبعة تكليف الحص نفسه في العام 1998 من تحالف الأمن السوري- اللبناني والتي انتهت بسقوط رئيس الحكومة في الانتخابات لمصلحة المعارض رفيق الحريري.

يعرف دياب جيداً أنّ هذه الطبقة السياسية عاجزة أيضاً عن تلقّف كرة النار وهي عادت إلى الصفوف الورائية حين انفجر البركان الشعبي بوجهها

الأهم من ذلك كله، هو الهدوء الذي يتسم به دياب، لا بل برودة الأعصاب التي يحتار خصومه كيف يتعاملون معها. يقول المطلعون على موقفه إنّ الحصّ “أمثولة لا يختلف اثنان على نظافة تجربتها”، ويدعون إلى “عدم تحميل تلك الزيارة أكثر من أبعادها، خصوصاً أنّها أتت في سياق الاطمئنان إلى صحته ولا تحمل أيّ خلفية سياسية، أو طائفية، لأنّ دياب يرفض تعليبه في قالب طائفي، ولو قُدّر له تفجير الحواجز الطائفية، فلن يتردّد؟؟ “.

ولذا يتعامل دياب مع الهجمة السياسية التي يتعرض لها بأدوات مختلفة: “هو بالأساس ليس متفاجئاً بما يسمعه وبما يواجه به، ويدرك تماماً أنّ الطبقة السياسية ستحاربه لأن نجاح حكومته يعني فشل الآخرين، ولذا لن يوفّر أيٌّ من هؤلاء أيّاً من “العصيّ” لوضعها في دواليبها. قلّة نادرة من المنظومة الحاكمة تريد فعلاً لحكومته النجاح وتساعدها على ذلك. هذه مسألة محسومة بالنسبة لدياب. ولا خشية منها ولا هي سبب للتراجع أو للعودة الى الوراء”.

لكنّه في المقابل، يعرف جيداً أنّ هذه الطبقة السياسية عاجزة أيضاً عن تلقّف كرة النار وهي عادت إلى الصفوف الورائية حين انفجر البركان الشعبي بوجهها. ولن تجد بين “زعاماتها” مغامراً قادراً على قيادة “وكالة التفليسة” وحملها الى برّ الأمان “لأنّ لهؤلاء جميعاً حسابات انتخابية يخشون منها “يوم الحساب” أمام صناديق الاقتراع. أما دياب فلا تقلقه الهواجس الانتخابية ولا تؤرق نومه. ولذا هو مدرك لحجم الاعتراض السياسي الذي ينتظره، والذي تأجل قليلاً بفعل الحجر الإلزامي الذي فرضه كورونا… وها هي اليوم تتجسّد على شكل حملات، متوقّعة، لن يردّ عليها إلا من خلال العمل الممنهج”.

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…