مستشفى “الرسول الأعظم”: من حقّ اللبنانيين أن يعرفوا

مدة القراءة 5 د


إنتشر أمس مقطع مصوّر لشخصٍ تسرّب أنّ اسمه الدكتور حسين صفي الدين يتحدّث عن سوء أوضاع مستشفى قيل إنّه مستشفى الرسول الأعظم الذي يديره حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية.

قال الدكتور المزعوم إنّ “القيامة قائمة هنا.. فوج وراء فوج.. وجاءنا فوج من السيدة زينب عليها السلام، كله مصاب بالعدوى، كل ما نسأل أحداً يقول كنت مع الإيراني، كنت مع الإيرانيين، يعني هالإيرانيين صاروا معمل كورونا، لا أعرف لماذا لا يتدخل السيد حسن (نصرالله) لأن الوضع كارثيّ، لا أحد سيستطيع أن يكمل هكذا.. شحار وتعتير”!

الفيديو أثار الجدل طيلة ساعات ما قبل ظهر أمس السبت، وضجّت مواقع التواصل الإجتماعي بالحديث الصادم، الذي يأتي مترافقاً مع تساؤلاتٍ دائمة عن سبب الغموض والالتباس وغياب المعلومات الشفّافة حول أعداد المصابين بالكورونا في المناطق الخاضعة لسيطرة “حزب الله”. وشهدت هذه المواقع حملاتٍ من مناصري الحزب تنفي بشكلٍ قاطع صحة ما جاء في المقطع، وتعتبر أنه مفبرك ولا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. مع تناقل ناشطين الخبر مع إرفاق أنّ الطبيب  “قريب السيد هاشم صفيّ الدين، رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله.

إقرأ أيضاً: لبنان محجور في “كرنتينا” حزب الله

ثم مساء الأحد نشر مناصرون لحزب الله صورة شاب قالوا إنّ اسمه شربل ضومط، وإنّه ينتمي إلى “القوات اللبنانية” وإنّه “مُفبرِك الفيديو”. ونفت “القوات” في بيان أصدرته أن يكون الشاب منتمياً إليها. وليلاً انتشرت أخبار  على مواقع المناصرين للحزب عن توقيف شربل من قبل شعبة المعلومات، لكنّ قوى الأمن الداخلي نفت الخبر أيضاً.

لكنّ الهجوم على من ينشر الفيديو لا يحلّ المشكلة الأساس، الكامنة في أنّه انتشر بكثرة، والسبب هو الغموض الآنف ذكره تحديداً، في الضاحية الجنوبية. ورغم المحاولات، إلا أنّه ليس ممكناً سحب الفيديو أو حذفه من آلاف الحسابات الشخصية التي تداولته بشكل كثيف، على فيسبوك وتويتر وواتساب.

وإذا كان الشخص المتحدّث منتحل صفة طبيب، فكيف يمكن التساهل معه وعدم إحضاره إلى التحقيق، باعتبار أنّه يقوم بممارسة التشويش والإساءة لمستشفى الرسول الأعظم وللمجتمع اللبناني ككل؟

لم يطل الأمر، حتّى أصدر مستشفى الرسول الأعظم بياناً حادّ اللجهة يعكس مدى الاضطراب الذي أحدثه المقطع، وجاء فيه أنّ المستشفى “يتعرّض إلى حملة تشويه إعلامية معروفة الخلفيات والحسابات”، وأنّ مصوّرَه “قطعاً لا يمتّ أبداً بصلة إلى مستشفى الرسول الأعظم لا من حيث المكان أو المضمون أو الشخصية الموجودة فيه. والدكتور المدعو حسين صفي الدين الذي قيل إنه الطبيب المقصود في الفيديو لا يعمل إطلاقاً في مستشفى الرسول الأعظم، وهذا يمكن لأيّ كان أن يتأكد منه”. وهنا لا تنفي المستشفى وجود طبيب بهذا الإسم، بل تنفي أنّه يعمل لديها.

ويتابع البيان: “المستشفى منشأةٌ استشفائية عامة ويمكن لأيّ مواطنٍ لبنانيّ أو غيره أن يدخل حرم المستشفى ويتجوّل في أيّ قسم به دون أيّ اعتراض أو مانع، ويعاين عن كثب. وهذا ما يعرفه الجميع وتعرفه نقابة المستشفيات ووزارة الصحة وأيّ مؤسسة تُعنى بالشأن الصحي”. وحسم البيان أنّ “مستشفى الرسول الأعظم لا تستقبل أيّ مريض الكورونا، والسبب بكل بساطة أنه جرى تجهيز مستشفى السان جورج لهذا الأمر”.

الغريب أنّ البيان يختم بالهجوم على من شاركوا الفيديو: “نحن نعرف الخلفية التي خلفكم وتدفعكم لهذا التجنّي والتلفيق، والتي وصلت للأسف إلى هذا المستوى المتدني من التزوير (..) ومن يشغّلكم لتصنيف هذا الوباء طائفياً ومذهبياً (..) وبناء على كلّ ما تقدّم سيتعرّض جميع من له صلة من قريب أو بعيد للملاحقة القانونية اللازمة أمام القضاء المختص بتهمة التضليل والتزوير”.

ما جرى نموذجٌ من الصراع حول المعلومة والخوف من تداعياتها. فإذا كانت صحيحة فهذه كارثة، وإن كانت ملفـّقة فمن هي الجِهة التي لفقّتها؟ 

نقيب الأطباء البروفسور شرف أبو شرف أصدر بياناً حذّر “أيّ طبيب أو منتحل صفة طبيب من إرسال رسائل الى الرأي العام من شأنها إلحاق الأذى بالطاقم الطبي والاستشفائي، وإثارة البلبلة في هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها لبنان”، ودعا باسم نقابة الأطباء “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بالتحرّي عن الفاعلين والمشاركين وستتقدّم بشكوى لملاحقتهم أمام النيابة العامة التمييزية”. وأيضاً، مثل بيان “الرسول الأعظم”، لم يعلن بشكلٍ حاسم إن كان المتحدّث طبيباً أو إن كان اسم حسين صفيّ الدين مسجلاً في النقابة أم لا.

كلمة السرّ في هذا الملف أن يتمّ الوصول إلى الشخص المتحدث وكشف الحقيقة كاملة. فالفيديو ترك تفاعلاً واسع النطاق يوجب المتابعة. لكن من الذي يجرُؤ على تزييف أو فبركة مثل هذا المقطع وما احتواه؟ ومن الذي يجرؤ من داخل البيئة الشيعية على ادّعاء صفة وينطق بما جاء في هذا الشريط؟

ثم إنّه من حقّ اللبنانيين، الذين يعيشون في بلد واحد وفي محيط مستشفى “الرسول” وفي كلّ بيروت ولبنان، أن يكون هناك شفافية، وأن تصل أرقام الكورونا الدقيقة إلى وزارة الصحّة، من “مستشفى الرسول”، كما من غيرها، مع الاشارة إلى ما ورد في بيان المستشفى المعني بأنّه لا يستقبل مرضى الكورونا.

ما جرى نموذجٌ من الصراع حول المعلومة والخوف من تداعياتها. فإذا كانت صحيحة فهذه كارثة، وإن كانت ملفـّقة فمن هي الجِهة التي لفقّتها؟ وإذا لم يظهر صاحب التسجيل ويُكشَف على الملأ، فإنّ قطبةً مخفية ستبقى عالقة في هذه القضية تُبقي الشكوكَ قائمةً حول كلّ ما يجري في مناطق سيطرة “حزب الله”. خاصة أنّه ليس هناك في الجنوب أو في البقاع الشمالي، ولا في الشمال كذلك، مستشفيات  حكومية تتيح فحوص الكورونا مجاناً. وحدها جامعة البلمند أمّنت 4000 kit اللازم للفحوصات، وستبدأ في استعمالها هذا الأسبوع في طرابلس وعكّار.

مرّة أخرى وليست الأخيرة من حقّنا أن نعرف …

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…