حظّنا قليل يا بَيك، كلّ عمرنا في هذه البلاد حظّنا قليل. الآن بعد ثلاث سنين أقول: لو كنتَ سياسياً أمّياً، محتالاً نصّاباً، بلا ذمّة ولا وفاء ولا أخلاق، وجائعاً للوجاهة والسلطة والمال، لكنتَ بقيت معنا، كما هم باقون هؤلاء الحكّام، هؤلاء السياسيون المتألقون في زمن الإنحطاط العميق هذا.
لا بل حظّنا أقل في هذه البلاد مما كنا نعتقد يا سمير بيك. لم يعد فيها مكان، ولو ضيّق، لنبيل. كان يجب أن ترحل، فلا ترى عيناك ولا تسمع المأساة التي أوصل لبنان إليها قادة – زعماء كبار، كانوا يقفون “حدّك” على منصّة “انتفاضة الاستقلال”، التي لطالما حلمتَ بها ونظّرتَ إليها وناضلتَ لتستمرّ حتَى انتصارها، فيما الخيانات تطوّقها بين الأرجل، والغباء يرفع راياته فوق شعبها الطيّب، المسكين، وقد ظنّ أنه يصنع قدره، يستجيب لتحريضك المبتسم الجميل ويمسك مصيره بيديه، لمرّة، لمرّة واحدة في تاريخه، ويمضي في حربه الى السلام حتى الآخر.
كلّ شيء كان سيخيّب أملك يا “بيك” – كم كان يُضحكك أن يناديك أصدقاؤك بهذا اللقب تحبّباً، وأنت الثائر “الأحمر”! – إلا أنّك ما كنتَ ستهدأ وتستريح وترفع يديك مستسلماّ. الأكيد كنتَ أطلقتَ نظرياتٍ ومواقفَ لا حصر لها، واعتبرتَ المعركة مستمرّة والانتصار فيها مضموناً ما دمتَ تسير في وجهة التاريخ، بعكس القابضين اليوم على القرار في السلطة وخارجها، هؤلاء الذين صاروا من الماضي، فدعونا نفكر بمرحلة ما بعدهم وكيف نقيم لبنان من هُوّة دفعوه إليها.
ليت لنا تفاؤلكَ، شجاعتكَ، استقامتكَ، وكبركَ يا “بيك”، فلا تتلوّث أيدينا ولا أرواحنا، ولا نشكّ ببقاء لبنان بعدما تكالب وباءان عليه في مئويته: صغارة نفوسٍ متحكّمين فيه، وجرثومةً ورثت الطاعون والكوليرا والملاريا وسائر ما أرهب البشرية عبر التاريخ من أمراض مُعدية جماعية.
في ذكرى غيابك الثالثة، ما عاد ينقص المشهد غير الجراد.
نيّالك، ما رأت عيناك ما نرى، وما سمعتَ ما نسمع. حظّك كبيرٌ ونحن قليل.
إقرأ أيضاً: “رابور” طبي لتغيّب 14 آذار