عن نصرالله ومجلة الإيكونوميست

مدة القراءة 5 د


يصرّ أمين عام حزب الله حسن نصرالله على تطعيم خطاباته السياسية التعبوية بشيء من الاقتصاد.

كان محمولاً أن يتحفنا برأيه في علاقات لبنان الاقتصادية الخارجية، من مثل التوّجه شرقًا نحو الصين، أو إعادة علك خبرية التكامل الاقتصادي العربي من خلال البوّابة العراقية. أو مقترحه الشهير بالجهاد الزراعي على الشرفات وفي حواكير القرى!

لكن لا يبدو أنّ نصرالله اكتفى بما أتانا من علمه! فقرر خوض غمار الاقتصاد الأميركي، غير آبهٍ أنّ مواطنين أميركيين نالا عام 2020 جائزة نوبل للاقتصاد.. ونصرالله لا صله له بنوبل، الكيميائي السويدي، وصاحب أكثر من 350 براءة اختراع، إلا من زاوية اختراع الديناميت وتوظيفاته الأشدّ إجراماً!

ما علينا!

أنبأنا نصرالله عن الديون الأميركية، ووسّع معرفتنا بمدن الولايات المتحدة التي لم يزرها يومًا، ولن، متحدّثاً بثقة شاهد العيان الميداني عن الأميركيين المساكين الذين يعيشون في خيم النايلون على أرصفة أرقى المدن الأميركية..

“فبأيّ آلاء ربكما تكذبان”!!

كانت “عصا الجرائد” مهمة في يوميات الصحف البيروتية، حيث يقرأ الصحافي مانشيتات الصحف والعناوين بشكل متتابع، مقلّباً حزمة الجرائد الممسوكة كلها بعصا واحدة. تمرين يومي أساسي لالتقاط الأمزجة السياسية المختلفة لصحف المدينة ولأولويات الجهات الراعية لها. اليوم يلعب تويتر هذا الدور، وأنت تتنقل على الشاشة بين شلّال أخبار عالمية ومحلية وعربية وأجنبية ما يعطيك انطباعاً عن أولويات العالم وهمومه المتنوّعة بين بلد وآخر!

لا يبدو أنّ نصرالله اكتفى بما أتانا من علمه! فقرر خوض غمار الاقتصاد الأميركي، غير آبهٍ أنّ مواطنين أميركيين نالا عام 2020 جائزة نوبل للاقتصاد.. ونصرالله لا صله له بنوبل

لاحظت على شاشة هاتفي أنّ الأمين العام لحزب الله خطب والعالم يغمره شعور هائل بالامتنان لأنّ شركة فايزر الأميركية وشريكتها الألمانية BioNTech أعلنتا أنّ لقاحهما لفايروس كورونا حقّق نتائج إيجابية بنسبة تفوق 90%. كان للدعم الأميركي، للعالم الألماني من أصول تركية وزوجته، دور حاسم في تسريع الوصول إلى اللقاح، وإعلان الانتصار على الجائحة. وثمّة من يعتبر أنّ خبر اللقاح السعيد تأخّر بضعة أيام كي لا يسهم الإعلان عنه في تزكية مرشح أميركي على آخر قبل يومين من الانتخابات الأميركية. وربما حمل التأجيل عقاباً مضمراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بالغ في احتقار العلم والعلماء، فاختار هؤلاء حرمانه من ريع إنجازهم.

فخبر كهذا، لا يطال صحة البشر وحسب، بل هو هدية لعالم المال والأعمال والاقتصاد بكلّ قطاعاته التي أقعدها كورونا.

بيد أنّ ما يلفت أكثر، هو ما ذهبت إليه مجلة “إيكونوميست” المرموقة، عن أنّه حتى قبل ظهور أخبار اللقاح، تجاوزت سرعة انتعاش الاقتصاد الأمريكي التوقّعات، كما تجاوزت أداء الدول الغنية الأخرى. في نيسان الفائت، توقّع صندوق النقد الدولي أنّ الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة سينكمش بنسبة 6%  في عام 2020، وهو يتوقّع الآن انخفاضاً بنسبة لا تتجاوز 4%.

أما معدّل البطالة، فبلغ ذروته عند 14.7% في نيسان، ليعود ويضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي توقّعاته في حزيران عند حوالي 9% بحلول نهاية العام. لكن ما حصل خالف هذه التوقّعات المتشائمة، واستمر معدّل البطالة في الانخفاض ليصل إلى عتبة 6.9% في تشرين الأول.

لا داعي للارتباك حيال بيانات “الإيكونوميست” وبيانات حسن نصرالله. كما لا داعي للتشفّي بافتضاح هزال الثقافة الكونية لنصرالله، والتردّي لرؤيته ورؤية حزبه لأحوال العالم، التي تقارب حدود الأمية بالمعنى المعاصر للأمية.

ثمّة من يعتبر أنّ خبر اللقاح السعيد تأخّر بضعة أيام كي لا يسهم الإعلان عنه في تزكية مرشح أميركي على آخر قبل يومين من الانتخابات الأميركية. وربما حمل التأجيل عقاباً مضمراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب

الأرجح أنّ الرعب هو الشعور الأنسب. الرعب من أنّ عقلاً كعقل حسن نصرالله هو صاحب اليد العليا في قرارات مصيرية بحقّ اللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين وغيرهم من الشعوب التي استباحها النزق الإيراني وجنون الإمبريالية الفارسية المطعّمة بخرافات ولاية الفقيه!

لا يعرف الرجل من العالم إلاّ ما يصله عبر تقارير المخابرات ومختصرات أجهزة الدولة الراعية له ولحزبه أو قصاصات وترجمات لمساعدين يتقاسمون معه الجهل المجبول بشعاراتية السبعينات وتصوّرات يختلط فيها اليسار القديم بميثولوجيا الفرقة الناجية!

إقرأ أيضاً: نصرالله وبشار.. الرجوع إلى حافظ الأسد

أغمض عيني وأتخيّله يمشي على أرصفة “تايمز سكوير” أو يدلف إلى مسرح برودواي ليشاهد مسرحية ما أو يسحب صبيحة الأحد من على رفوف ستاربكس جريدة “نيويورك تايمز”، يقلّب ملحقاتها التي تفيض عن سعة ويك إند كامل..

إنّه الرعب. الرعب أنّه لا يعرف. وأنّه حين يخطب تقشعر أبدان عشرات الآلاف وتترطّب عيونهم بماء الحماسة لكلام “السيّد”، الذي هو في بلادي البائسة، سيّد الكلام.. أما الإيكونوميست! وماذا تفقه الإيكونوميست؟!

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…