لا يختلف اثنان على أن عدد الفحوص اليومية في لبنان لكورونا ضئيل جداً مقارنةً بباقي الدول، ومنها دول عربية، ويقارب عدد سكانها وإصاباتها عدد سكان لبنان وعدد إصاباته. ولعلّ العدد الكامل لعمليات الفحص التي أنجزها لبنان، منذ بداية الأزمة وإلى اليوم، لا يقترب إطلاقاً من عدد الفحوص اليومية التي تقوم بها بعض الدول، ومنها الإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال، التي أعلنت عن إجراء أكثر من نصف مليون فحص لفيروس كورونا المستجدّ حتى 8 نيسان الجاري.
وبحسب تقرير حديث بلغ عدد الاختبارات بالمليون نسمة التي أجراها لبنان للكشف عن كورونا 1.300 فقط، أما الكويت فوصلت إلى 27 ألفاً بالمليون وعدد سكانها يقارب الـ4 مليون نسمة، والبحرين التي لا يكاد يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، أجرت 10 آلاف فحص فحص بالمليون منذ بداية الأزمة.
إقرأ أيضاً: النداء الأخير: إعلان حالة الطوارئ أو سيناريو إيطاليا..
لكنّ المختبرات اللبنانية في لبنان كلّه سجّلت الخميس 691 فحصاً فقط، ليصل العدد الإجمالي إلى 12.198 أوّل إصابة في 21 شباط الفائت حتّى 9 نيسان الجاري. وسجّلت المختبرات الأربعاء 699 فحصاً واليوم الذي قبله 578 فحصاً… وذلك بحسب التقارير اليومية الصادرة من غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث التابعة للسرايا الحكومية عن مستجدّات فيروس كورونا في لبنان.
ومع هذه الأرقام تعود إلى الواجهة من جديد أهمية تكثيف الفحوص على مستوى كلّ لبنان، لتكوين قاعدة معلومات واسعة تساعد في الكشف عن الفيروس ووضع استراتيجيات دفاعية في سبيل مواجهته والخروج منه. ويعود معها الجدل الحاصل حول تأخّر لبنان عن استيراد فحص الـRapid test، وهو “الفحص السريع” للكشف عن كورونا، وهو بات معتمداً في دول عديدة لمواكبة انتشار الفيروس. وما الفرق بين الفحصين؟ ماذا يقول أهل الاختصاص؟ ولماذا يتردّد المعنيون باستيراد هذا الفحص؟
يؤكد نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون أن الـ Rapid test يستطيع قياس المناعة، وهكذا يكشف عن الفيروس لدى من أصيبوا به ولم تظهر عليهم أيّ أعراض، أي من لديهم مناعة ضده، وهو أقل كلفة من الـ PCR بأشواط، وإن كان الأخير تقدّر كلفته من وزارة الصحة بـ 150 ألف ل.ل فالأول لا تكاد تبلغ كلفته 20 ألف ل.ل، ولا يعتمد على أخذ عيّنات بلغَم من الأنف أو البلعوم، بل يعتمد على فحص دم سريع كفحص السكري.
ولا ينفي هارون، في حديثه لـ”أساس”، أنّ المستشفيات الخاصة طالبت وزارة الصحة باستيراد الفحص السريع، أقله للاستفادة منه في عملية التحرّي عن المرضى الذين مضت أيام على إصابتهم، لكن كان لدى المعنيين تريّث في هذا الإطار يتمحور حول أن هذا الفحص لا يتمكّن من تحديد الإصابة إلا بعد مرور 4 إلى 5 أيام من انتقال الفيروس للمصاب، بينما الـ PCR فيلتقط الإصابة بحالات مبكرة أكثر. لكن مشكلته الأساسية هي في الوقت الذي يحتاجه لصدور النتائج والتي تتراوح بين 4 و 5 ساعات، أما الـ Rapid فنتيجته سريعة ومعدلها الوسطي 15 دقيقة وتلجأ إليه دول عربية وعالمية عديدة، وهو ما يفسّر تفاوت عدد الفحوص بين لبنان وباقي الدول.
ويكشف هارون أنّ 51 مستشفىً خاصاً تقوم بإجراء فحوص كورونا في لبنان يومياً، وترسل النتائج إلى وزارة الصحة وإلى غرفة العمليات الوطنية لإدارة الكوارث التابعة لمجلس الوزراء، ويصدر يومياً عن هذه المستشفيات ما بين 500 و600 فحص PCR.
الفحص المعتمد حالياً في لبنان مقبول نسبة لعدد الإصابات وعدم تفشّي الفيروس في مجموعات كبيرة، يقول هارون، لكن يدعو إلى زيادة عدد الفحوص للمساهمة بالسيطرة على الفيروس ومعرفة حقيقة الواقع على كامل الأراضي اللبناني. وهنا تأتي أهمية الفحص السريع في المساندة الطبية. ويكشف هارون أنّ وزارة الصحة وعدت بزيادة عدد الفحوص إلى 1000 PCR في مرحلة أولى و2000 في مرحلة لاحقة، يومياً.
وعن أهمية فحص الـRapid ، يؤكد النائب السابق ورئيس لجنة الصحة النيابية سابقاً عاطف مجدلاني لـ”أساس” أنّ “هذا الفحص يعطي فكرة أوسع عن انتشار الفيروس لكن لا يكفي لوحده، لأن نسبة الخطأ بنتائجه تقارب الـ30 %، وكذلك بالنسبة للـPCR لكن في حالات ضئيلة جداً، ففي بعض الحالات القليلة تمّ تقدير الإصابة سلبية في البداية، وعاد وقدّرها الفحص بإيجابية في المرة الثانية على نفس الأشخاص. لذلك يكمّل الفحصان واحدهما الآخر في معركة مواجهة كورونا”. برأي مجدلاني فإنّه “لا بدّ من تكرار كلّ فحص مرتين للتأكد من صوابية النتيجة”.
ويشجّع الدكتور مجدلاني على استيراد الـRapid test في أول أيّار المقبل كما صرّح وزير الصحة حمد حسن، لأن أعداد الفحوص في لبنان قليلة جداً، وهناك ضرورة قصوى لزيادة عدد الفحوص، لتصل إلى 2000 فحص بالحدّ الأدنى يومياً، لتقدير حجم الانتشار الحقيقي للفيروس في لبنان ومدى سيطرتنا عليه.
ويربط مجدلاني قلّة الفحوص اليومية بمشكلات عديدة متعلّقة أولاً بعدم توفره بالأساس، وعدم إقبال الناس على إجرائه نسبةً لكلفته العالية بالمرتبة الثانية: “لكن يفترض أن مشكلة توفير الـPCR في طريقها إلى الحلّ، والوزارة تحاول تأمين المزيد من الفحوص يومياً، وهناك مختبرات جامعية وبعض المختبرات الخاصة بدأت بتوفيره أيضاَ، وهذا لا يمنع بالتأكيد من استيراد الفحص السريع المتوفر عالمياً بأعداد أكثر لتأمين قاعدة المعطيات اللازمة والأوسع لنبني عليها خطوات المرحلة المقبلة”. وتوقع مجدلاني الاستمرار بالتعبئة العامة إلى فترة أقلها منتصف أيّار المقبل.
وفي ما يخص المعلومات الصحافية التي أشارت إلى أسباب سياسية تكمن وراء تردد لبنان باستيراد فحص الـRapid، على اعتبار أن الشركة التي تستورده تعود لشقيق وزير حزب الله السابق محمد فنيش، يؤكد مصدر مقرب من وزير الصحة لـ”أساس” أن الكلام في هذا الموضوع هو لأهل الاختصاص حصراً، ويضعه في إطار “الافتراء والحقد الذي لا يستحقّ حتّى بياناً توضيحياً من وزارة الصحة”.
ويشير المصدر إلى أنّ وزارة الصحة تصرّ على الـPCR كون التجارب العالمية أثبتت أنّه الفحص الأدقّ للكشف عن كورونا، بينما نسبة الخطأ بالفحص السريع تتجاوز الـ 30 %: “وفي تجربة حديثة قامت بها إحدى المستشفيات الجامعية، من أصل 15 مريضاً أجري عليهم فحص الـRapid كانت نسبة الخطأ 9 من أصل 15 وعالمياً هناك دول منعته مثل بريطانيا”.
بحسب توصيات منظمة الصحة العالمية، يجب أن يتم إجراء 1000 فحص باليوم لكل مليون نسمة، وبالتالي نحن بحاجة لـ4000 فحص يومياً بالحد الأدنى في لبنان
ويؤكد المصدر نفسه أن استيراد الـPCR ليس محصوراً بشركات معيّنة، بل هناك مختبرات ومستشفيات خاصة تستورده أيضاً، والدولة تعتمد بشكل أساسي في هذا الموضوع على هِبات الدول، مثل الصين وغيرها، وبالرغم من أن هناك شركات كثيرة تعرض على الوزارة الفحص لكن يتمّ رفضها لأن الأولوية للهبات. ويكشف المصدر أنّ نهاية الشهر ستشهد زيادة الفحوص اليومية: “ونحن في وضع أفضل، وربما ندخل في مطلع أيار مرحلة تخفيف إجراءات التعبئة العامة”.
بينما يشير مصدر آخر مقرّب من الوزير فنيش بدوره إلى أنّ “شقيق الوزير فنيش لا يستورد الـPCR للدولة، وهو بوارد الاتجاه نحو القضاء للحسم في هذا الموضوع ودحض المعلومات التي نشرت عنه”.
لكن للدكتور هادي مراد مقاربة مختلفة حول تأمين فحص الـPCR في لبنان. فهو يصرّ على وجود “حسابات سمنة وزيت” وعلى أنّ التوجّه إلى الاستيراد من دولة دون أخرى هو التفسير الوحيد لتأخيرنا في تأمين أعداد كبيرة من الماكينات: “فلا مشكلة باستيراده لأنّ الدول الأخرى تجري فحوص PCR يومية بأعداد كبيرة جداً، وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأميركية أجرت حتى أمس 2 مليون و400 ألف فحص، وإيطاليا 850 ألف فحص، و355 ألف فحص في إسبانيا، ومليون و300 ألف فحص في ألمانيا، و600 ألف فحص في الإمارات”.
ويؤكد مراد لـ”أساس” أنّه، وبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية، يجب أن يتم إجراء 1000 فحص باليوم لكل مليون نسمة، وبالتالي نحن بحاجة لـ4000 فحص يومياً بالحد الأدنى في لبنان”. ويشجّع على ضرورة استيراد الـRapid test “لما له من إمكانية تغطية شاسعة لكل لبنان، إذ يمكن أن يكون متوفراً في الصيدليات على امتداد المناطق، وبكلفة جداً بسيطة، وهو مستعمل في أميركا وأوروبا ودول عربية، وإن كانت نسبة إصابة نتائجه 60 %، فهذه نسبة ليست بعاطلة، ويمكن أن تؤسس لقاعدة معلومات كبيرة حول خريطة انتشار كورونا في لبنان”.
فهل تكون الدولة جدية بتأمين المزيد من الـPCR خلال أسبوع، وباستيراد الـRapid test مطلع الشهر المقبل، لتبدأ بالعمل ولو متأخرة على خلق قاعدة بيانات لا بدّ منها للبدء بالتخطيط للخروج من دوامة كورونا وليس فقط السيطرة عليه؟
لننتظر فحوصات الشمال في الاسبوع المقبل ، حينها سيظهر مدى قدرة وزارة الصحة على الحصول على بيانات جدية حول مدى انتشار الكورونا؟