لبنان يقوم على أربع دعائم، الإدارة العامة، القضاء، الأمن والقطاع المصرفي. بالنسبة إلى الإشتراكيين فإنّ التركيبة الحاكمة تضع أيديها على القطاعات الثلاث الأولى بحكم الأمر الواقع، وهي تخوض حملة بوجه القطاع المصرفي من باب السعي لوضع اليد عليه. وهذه مسألة شديدة الحساسية تستدعي دقّ ناقوس الخطر.
إقرأ أيضاً: جنبلاط: “لن يجوع درزي في لبنان طالما المختارة موجودة”
هذا ما يثير الريبة بالنسبة إليهم للاشتراكيين، الذين يؤكدون أنّ التعيينات المالية لم تكن ولن تكون السبب وراء رفع الصوت، لأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط رفض “التورّط” في هذا الملفّ، ولو أنّ بعض السير الذاتية الموجودة في وزارة المال سبق وقدمت منذ سنتين من بعض المقربين من الحزب التقدمي، لكنّ رئيس الحزب لم يعطِ رأيه في أيّ من الترشيحات، ولم يُسأل أبداً.
ويشيرون إلى أنّ “سلوك الحكومة هو الذي يدفع إلى الخروج من مربع الحيادية باتجاه الاعتراض أكثر، ومع ذلك في حال قدّمت الحكومة نموذجاً ناجحاً فلن نتردّد في الثناء على سلوكها. ولكن حتّى الآن، لا يبدو أنّ هناك “حيط عمار” بيننا”.
لكن ما هي مناسبة هذا التصعيد؟
يجيب هؤلاء: يكفي أن يستخدم رئيس الجمهورية مناسبة انعقاد “مجموعة الدعم الدولية ليقول إنّ “الدولة اللبنانية تعمل حاليًا على إعداد خطة مالية اقتصادية شاملة، ضمن برنامج إنقاذي وطني، بهدف تصحيح الاختلالات العميقة في الاقتصاد ومعالجة التشوّهات التي نتجت عن ثلاثين سنة من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة، والتي سبقتها خمس عشرة سنة من حروب مدمرّة أطاحت بالكثير من البنى الاقتصادية والصناعية وحتى الإنسانية”… للتأكد من أنّ التصويب السياسي يسيّر عمل هذه الحكومة وخططها.
بالطبع يحتلّ “الهم الكوروني” سلّم اهتمامات جنبلاط. هو الشغوف بمتابعة آخر التطورات العلمية والسياسية عبر شاشة “الآيباد” أو “الأيفون” إذا لزم، كان من السبّاقين في احترام شروط الوقاية الصحية وقيادة حملات توعية في الجبل لإقناع الناس بضرورة التهيّب للوباء الذي اجتاح العالم. ولهذا، يستعين الاشتراكيون بتقنيات التواصل الحديث لعقد الاجتماعات الحزبية احتراماً للمسافة الآمنة.
لكنّ الأولويات الصحية لم تمنع الاشتراكيين من فرد مساحة لا بأس بها في بيانهم الحزبي الأخير للشأن الحكومي، الذي بدا وكأنّه جرس إنذار أوّلي قرّر جنبلاط تسجيله، ضمن مسار متدحرج في موافقه. وقد ترافق هذا الجرس مع تغريدة صباحية أودعها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “الفضاء التويتري” هي عبارة عن فيديو قصير فكاهي، لجنود أغبياء يعجزون عن حمل البنادق، وعلّق عليه بالقول: “إنّه مختصر عن العهد والحكومة العتيدة”.
يقولون إنّهم تعاطوا مع الحكومة بشكل حيادي رافضين مواجهتها بموقف مسبق. ولكن بعد مضي شهرين على بدء عملها، هي حتّى هذه اللحظة لم تحدّد خياراتها، لا سيما الاقتصادية والمالية
اختصر الاشتراكيون بيانهم بعبارة “لقد نفَذت الفرصة الطبيعية للحكومة” بعد تفنيد العديد من الملفات الملحة، الاجتماعية والقضائية والبيئية. ما يعني أنّ هؤلاء قرروا الانتقال إلى مقاعد المعارضة بعد مرحلة من المهادنة تحت عنوان “الفرصة الطبيعية”، ليرفعوا من منسوب اعتراضهم.
فلماذا؟
من الواضح أنّ القلق يتسلل إلى ذهن وليد جنبلاط، وثمة خشية من شيء ما يضغط على أفكاره السياسية نتيجة سلوك الحكومة، ما دفعه إلى رفع الصوت عالياً، بحثاً عن “ضمانات” ما تقيه شرّ “تغيير” ما يخشى حصوله على متن الاجراءات التي تقودها الحكومة.
وفق الاشتراكيين، هو بيان “وضع النقاط على الحروف”. يقولون إنّهم تعاطوا مع الحكومة بشكل حيادي رافضين مواجهتها بموقف مسبق. ولكن بعد مضي شهرين على بدء عملها، هي حتّى هذه اللحظة لم تحدّد خياراتها، لا سيما الاقتصادية والمالية، وكأنّها في حال ترف. أكثر من ذلك، تحاول الحكومة إقناع الادارة الفرنسية بفتح “صندوق سيدر” من جديد وكأنها لم تطلع على مواقف الحكومة الفرنسية التي تشكو من ركود غير مسبوق.
عملياً، رفضت الحكومة عروض صندوق النقد الدولي بسبب الشروط القاسية، وفضّلت تقديم خطتها لعرضها على صندوق النقد للتفاوض على أساسها، لكنّها لم تنتهِ منها بعد بشكل بات يثير الريبة والخوف من المصير الأسود الذي قد ينتظر البلاد نتيجة هذا التردّد.