الاستنجاد بـ”سيدر”!

مدة القراءة 5 د


لا يفيد الاجتماع الذي انعقد قبل أيّام في القصر الجمهوري في بعبدا مع ممثّلي مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في شيء. لا يقدّم الاجتماع ولا يؤخّر بمقدار ما يظهر أن لا وجود لقيادة سياسية لبنانية على تماس مع الواقع.

يبدو تأكيد الانفصال عن الواقع النقطة الإيجابية الوحيدة للاجتماع. لم تجد هذه القيادة التي تريد تحميل مسؤولية الانهيار الحاصل لسياسات مورست في الثلاثين عاما الأخيرة، أي منذ العام 1990، ما تستند إليه سوى مؤتمر “سيدر”. انعقد هذا المؤتمر في باريس في نيسان 2018 قبل شهر من موعد الانتخابات النيابية وخصّص مساعدات للبنان بقيمة أحد عشر مليار دولار. ربط المؤتمر، الذي ما كان لينعقد دون سعد الحريري، رئيس الحكومة وقتذاك، بين المساعدات وإصلاحات اقتصادية على كلّ المستويات. الأهمّ من ذلك انّه شدّد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. من لا يعرف ذلك يستطيع العودة إلى معنى كلمة cedre ولماذا اختيرت هذه التسمية للمؤتمر. تعني التسمية “المؤتمر الاقتصادي من أجل التنمية عن طريق الإصلاحات والشراكة مع المؤسسات الخاصة”.

إقرأ أيضاً: وضع أكثر من طبيعي في لبنان

إذاً، هناك ركيزتان لـ”سيدر”. الأولى الإصلاحات، والأخرى الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ. معروف وضع القطاع العام في لبنان الذي وجد نفسه في حال يرثى لها. أما بالنسبة الى القطاع الخاص، هل من وجود يذكر لهذا القطاع بعد انهيار النظام المصرفي؟ أيّ شركة أو مؤسسة خاصة ستقوم لها قيامة بعد توقف النشاط المصرفي والتحويلات إلى الخارج؟ أيّ لبناني أو عربي أو أجنبي سيستثمر في لبنان في وقت لا يوجد من يقول للمودعين، الصغار والكبار، ما مصير أموالهم في المصارف؟

لا يوجد من يقول للبنانيين لماذا لم يجد رئيس الجمهورية ما يستنجد به غير مؤتمر “سيدر” الذي لم يعد من مجال لتطبيق مقرّراته؟ لماذا لا يحدّد من عرقل أيّ إصلاحات في السنتين اللتين مرّتا على انعقاد مؤتمر “سيدر”؟ لماذا كان كلّ ذلك التأخير في تشكيل حكومة بعد انتخابات أيّار 2018؟ ولماذا كان ذلك الإصرار لدى “التيّار الوطني الحر” على تجاهل انّه فشل فشلاً ذريعاً في ملفّ الكهرباء وملفّات غير الكهرباء، وأنه مسؤول عن تراكم الدين العام في السنوات العشر الأخيرة بسبب الكهرباء تحديداً.     

هناك كلام كثير لا فائدة منه صدر عن رئيس الجمهورية ميشال عون وعن رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب عن حاجة لبنان إلى مساعدات، وعن إصلاحات قامت بها الحكومة اللبنانية. كلام من النوع الشعبوي الذي يكشف عجزاً عن تحمّل المسؤولية قبل أيّ شيء. ماذا يفيد إثارة موضوع اللاجئين السوريين في لبنان في هذه الظروف؟ هل من هدف آخر غير إثارة الغرائز، خصوصاً لدى قسم من المسيحيين الذين يتمتعون بقدرة عالية على رفض التعلّم من تجارب الماضي؟

يرفض العهد الحالي في لبنان وهو “عهد حزب الله” مواجهة الحقيقة المعلنة والمتمثّلة بأن النظام السوري هو من يمنع السوري من العودة إلى بلده لأسباب ذات طابع مذهبي من جهة، ومن أجل تغيير التركيبة الديموغرافية لسوريا ولدمشق ومحيطها تحديداً من جهة أخرى.

لا يمكن للبنان تجاوز مرحلة الانهيار وتفادي كارثة أكبر في ظلّ هيمنة “حزب الله” على البلد وتحويله إلى بلد غير عربي تابع لإيران

ذهب رئيس مجلس الوزراء إلى الحديث عن تنفيذ حكومته نسبة 57 في المئة من الإصلاحات المطلوبة. ليس معروفاً عن ايّ إصلاحات يتحدّث ولماذا 57 في المئة وليس 56 أو 58 في المئة. ليس معروفاً، على وجه التحديد، ما هي المقاييس التي اعتمدها حسّان دياب لاعتماد نسبة 57 في المئة، وما إذا كانت تلك النسبة تفيد في شيء من أجل الحصول على مساعدات تخرج لبنان من حال الانهيار التي وجد نفسه فيها؟ ثمّة من اقترح أن يسوّق حسّان دياب اختراعه المتعلّق بتحديد نسبة الإصلاحات في لبنان ليصبح مادة تدرّس في كبرى الجامعات في العالم!

بعيداً عن الكلام ذي الطابع الفولكلوري من نوع كلام رئيس الجمهورية عن بدء استكشاف النفط وعن انتشار وباء كورونا وتأثيره في العالم، يبدو من الأفضل لو يواجه “عهد حزب الله” في لبنان الواقع عبر التعاطي مع موازين القوى القائمة في المنطقة والعالم. هناك موازين قوى لا يمكن تجاهلها، وهي تعني أوّلاً أن أزمة لبنان ذات طابع سياسي قبل أن تكون أزمة اقتصادية. باختصار شديد، لا يمكن للبنان تجاوز مرحلة الانهيار وتفادي كارثة أكبر في ظلّ هيمنة “حزب الله” على البلد وتحويله إلى بلد غير عربي تابع لإيران. هناك مصدران للمساعدات. هناك العالم، أي أميركا، وهناك العرب الذين تتضاءل قدرتهم على المساعدة يومياً في ضوء هبوط أسعار النفط.

عندما يغيب المنطق يصبح كلّ شيء ممكناً، بما في ذلك الاعتقاد أن في الإمكان القيام بإصلاحات عن طريق حكومة مثل حكومة حسّان دياب وأن العالم والعرب سيساعدان بلداً يتحكّم به “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

عشْ دهرا ترَ عجباً. ترى من يريد حجب نور الشمس عن طريق غربال!

 

مواضيع ذات صلة

2024: بداية مشروع تتريك سوريا؟

“أنقرة هي مفتاح دمشق اليوم”. هذه هي المحصّلة النهائية لاجتماع مطوّل تمّ الأسبوع الماضي بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين للتوصّل إلى كيفية مقاربة الحكم الجديد في…

سوريا: 10 أيّام غيّرت وجه الشرق الأوسط

لا شيء كان يوحي في الأشهر العشر الأولى من عام 2024، أنّ شيئاً قد يتغيّر في سوريا. دخل البلد حالة ستاتيكو، حتّى لو شابتها اختلالات…

2024: إردوغان أبرز الرابحين الإقليميّين

لن تفرض تركيا نفسها على الشركاء والحلفاء السوريين، الذين دعمتهم ونسّقت معهم لسنوات في مواجهة نظام بشار الأسد. فهي تعرف أنّ المقايضة الحقيقية لا بدّ…

ماذا سيبقى من الجولاني في أحمد الشّرع؟

من أحمد حسين الشرع الطالب في دمشق، إلى “أسامة العبسي الواحدي” المقاتل في العراق، إلى “أبي محمد الجولاني” القائد الجهادي في إدلب، ثمّ العودة إلى…