حوار هادىء مع رضوان السيد: خارطة طريق لمواجهة حزب الله؟

مدة القراءة 5 د


 أثارت سلسلة المقالات التي كتبها المفكر الدكتور رضوان السيد في موقع “أساس” الكثير من ردود الفعل والنقاشات في الأوساط السياسية والفكرية، وإن كانت معظم ردود الفعل قد تركّزت على البيئة السنية و”تيار المستقبل” بسبب كون هذه المقالات قدّمت قراءة نقدية لتجربة “تيار المستقبل” والرئيس سعد الحريري.

لكنّ الجانب الأهم من هذه المقالات، والذي لم ينل حقه من النقاش، كان خارطة الطريق التي قدّمها الدكتور السيد حول كيفية مواجهة حزب الله في المرحلة المقبلة، ولا سيما عند صدور القرار النهائي للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إضافة إلى مشروع المعارضة الوطنية الذي يطرحه السيد للمرحلة المقبلة، والذي تتبنّاه “حركة المبادرة الوطنية”. تلك التي تضمّه إلى عدد من الشخصيات اللبنانية المتنوّعة. وهناك أيضاً كتّاب وسياسيون وإعلاميون يلتقون مع السيد في أفكاره واقتراحاته دون أن ينضمّوا إلى المشروع السياسي الذي يتبنّاه.

إقرأ أيضاً: هكذا نعيد أهل السُنّة إلى المعادلة الوطنية

وقد تكون خلاصة تلك الأفكار والاقتراحات والآراء تتركّز على كيفية مواجهة حزب الله وحلفائه اللبنانيين وداعمته الأساسية ايران، وكيفية إعادة رسم مستقبل ودور لبنان على ضوء تلك المواجهة سواء كان ذلك داخلياً او خارجياً.

ومن أجل تفعيل هذا النقاش والحوار في إطاره الصحيح أقدّم بعض الأفكار والملاحظات:

أولاً: حزب الله ليس منظّمة عسكرية محدودة أو قوة خارجية تسيطر على لبنان أو مجموعة سياسية تقليدية في بيئتها، بل هو كل ذلك وأكثر، فهو قوّة لبنانية شعبية فاعلة في بيئتها ولها تحالفات داخلية وخارجية وتمتلك قدرات وإمكانيات كبيرة، ولها مشروعيتها الوطنية بفعل دورها المقاوم، إضافة لكونها قوة سياسية لها تحالفات داخل بيئتها وفي كلّ الطوائف اللبنانية. وأيّ مواجهة للحزب يجب أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار، سواء في خطة العمل أو الآليات أو الظروف السياسية.

ثانياً: الظروف السياسية الداخلية والإقليمية والدولية اليوم لم تعد كما كانت غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 أو في مرحلة قيام 14 آذار، وقد يكون هناك عامل مهم مستجدّ على الصعيد الدولي يتعلّق بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته التي تركّز في هذه المرحلة على مواجهة ايران وحلفائها وخصوصاً حزب الله. لكن ذلك لا يعني أن هناك ضوءاً أخضر لمواجهة شاملة شبيهة بحرب تموز 2006 أو صراع مفتوح يأخذ أبعاداً دولية كما حصل خلال مرحلة إنشاء المحكمة الدولية أو عبر الضغوط لإخراج القوات السورية من لبنان، ولذا أيّ رهان على وضع دولي او إقليمي أو حرب جديدة ليس في محله.

ثالثاً: حزب الله لديه حاضنة شعبية حقيقية وهي تؤمن به وبقيادته وبالأفكار التي يطرحها وهي تعتبره الحامي لمصالحها ووجودها، وهو ليس الحركة الوطنية عام 1976 بعد الدخول السوري إلى لبنان، وليس منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1982، بل هو أصبح جزءاً من النظام السياسي اللبناني بكامل مؤسساته ومندرجاته، ولا يمكن الانقلاب عليه عسكرياً أو سياسياً. وأيّ تغيير داخلي لا يمكن أن يتم إلاّ وفقا للآليات السياسية الداخلية سواء من خلال الانتخابات النيابية أو تشكيل تحالفات سياسية جديدة لا تقتصر على طائفة واحدة أو جزء من طائفة أخرى.

رابعاً: إنّ قوى المعارضة الشيعية التي تواجه الحزب حالياً لم تعد تمتلك حيثية شعبية فاعلة، وهي فشلت في توحيد صفوفها والتوصل إلى إطار عمل مشترك، وإنّ غياب هذه المعارضة الشيعية  سيضعف أي مشروع وطني لمواجهة الحزب وسيحوّل المواجهة إلى فتنة مذهبية جديدة أو حرب أهلية لا أفق لها.

خامساً: نحن اليوم في زمن مواجهة كورونا، والعالم كله يتغيّر، ومن غير الواضح إلى أين ستتجه الأوضاع في الأسابيع المقبلة، وكيف سيكون العالم، وما هي نتائج مواجهة هذا الفيروس القاتل داخلياً وخارجياً، وأيّ خطة مواجهة ينبغي أن تأخذ بالاعتبار كلّ هذه المعطيات.

بدلاً من الدعوة إلى مواجهة جديدة ستكون خاسرة وغير مفيدة، فلنذهب جميعاً إلى حوار وطني شامل يطرح كلّ القضايا الداخلية والخارجية، وكلّ الملفات والأزمات بدءاً من اتفاق الطائف واستكمال تطبيقه وصولاً إلى تطوير النظام السياسي اللبناني

على ضوء كلّ هذه الملاحظات: كيف يمكن مواجهة الحزب في المرحلة المقبلة؟ وما هي آفاق الصراع بين القوى المعارضة للحزب وحلفائها وبين الحزب وحلفائه؟ وهل يمكن استنهاض الحاضنة الشعبية المعارضة له اليوم؟ وما هي خارطة الطريق المقترحة للمواجهة؟

كي لا أطيل النقاش، وإذا كان هدف القوى المعارضة قيام الدولة الوطنية وتحقيق السيادة والوصول إلى نهاية سعيدة لكلّ الأزمات التي يواجهها لبنان واللبنانيون اليوم، فبدل الذهاب إلى مواجهات جديدة لا أحد يستطيع تحديد نتائجها وجدواها، لماذا لا نذهب الى الطريق الأقصر، وكما يقال في علم الرياضيات: إنّ الطريق المستقيم هو الطريق الأقصر للوصول إلى الهدف، وأقصر طريق لمعالجة الأزمات والوصول إلى حلول لها هو الحوار الوطني الشامل. وهذا ما تعلّمناه في كلّ المؤتمرات والندوات والمؤسسات الحوارية ومؤسسات حلّ النزاعات.

فبدلاً من الدعوة إلى مواجهة جديدة ستكون خاسرة وغير مفيدة، فلنذهب جميعاً إلى حوار وطني شامل يطرح كلّ القضايا الداخلية والخارجية، وكلّ الملفات والأزمات بدءاً من اتفاق الطائف واستكمال تطبيقه وصولاً إلى تطوير النظام السياسي اللبناني، وكيفية القيام بإصلاح شامل اقتصادي ومالي وإداري. ومن ثَمّ تحديد دور لبنان في المرحلة المقبلة وموقعه في التحالفات الاقليمية والدولية والصراع مع العدو الصهيوني وعلاقاته العربية والدولية.

هذا الحوار الوطني هو الطريق الأسلم لمعالجة مشكلات لبنان وبناء الدولة، وليست المواجهة سواء أكانت مع حزب الله او غيره.

وملاحظة أخيرة: إنّ كلّ هذا النقاش يجب أن يأخذ بالاعتبار اليوم ما سيؤدّي إليه فيروس كورونا من متغيّرات شاملة سيكون لها انعكاسات على كلّ العالم وعلى الإنسان ودوره حالياً ومستقبلاً.

ودمتم لأحد تلامذتك في عالم الحوار.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…