قضاة المحكمة العسكرية “أسرى” وزيرة الدفاع

مدة القراءة 6 د


للمرّة الأولى في تاريخ لبنان: وزيرتا العدل والدفاع تشقّان القضاء رغم أنف “الهيئة العليا الاستشارية”. فالأخيرة ردّت على وزيرة الدفاع، في جواب رسمي، أن لا دور لها في تعيين القضاة العدليين في المحكمة العسكرية.

وبغضّ النظر عن المسار النهائي الذي ستسلكه أزمة التشكيلات القضائية، فقد بات من المؤكّد أنّ قصر العدل لم يشهد خضّة مماثلة في جسمه القضائي، لا إبّان الوصاية السورية ولا في مرحلة ما بعد الـ2005!

يعترض قاضٍ بارز في حديث لـ”أساس” لأنّه “يُفترض أنّ أحد عناوين العهد الحالي هو استقلالية القضاء، لكن ما نشهده هو أمرٌ غير مألوف لا يشي سوى بتكريس تدخّل السلطة السياسية في عمل القضاء”.

إقرأ أيضاً: عون: التشكيلات القضائية لن تمرّ

وعلم “أساس” أنّ الجواب الذي كانت تنتظره وزيرة الدفاع، ردًّا على الاستشارة التي طلبتها من “هيئة التشريع والاستشارات”، حول المادة 13 المتعلّقة بتعيين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية – وهي مادّة تعدّ واحدة من ألغام التشكيلات – أنّ هذا الجواب قد سلك مساره “من هيئة التشريع” برئاسة القاضية جويل فواز، وصولاً إلى  مدير عام وزارة العدل القاضية رولا جدايل. والأخيرة طلبت اجتماع “الهيئة العليا الاستشارية”. واستشارتها جاءت متوافقة مع رأي “مجلس القضاء الأعلى” لجهة “عدم وجود أيّ دور لوزير الدفاع  في مناقلات القضاة العدليين في المحاكم العسكرية”.

وقد جاء في الاستشارة أنّ “تعيين القضاة العدليين في المحاكم العسكرية يعني المناقلات القضائية والإلحاقات والانتدابات القضائية التي تستهدف  نقل قضاة عدليين من مركز إلى آخر من ضمن ملاك القضاة العدليين، بحيث يكون تعيين القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية جزءاً من التشكيلات القضائية. وكان هذا التعيين يحصل بموجب المادة 5 من قانون القضاء العدلي قبل تعديلها عام 2001، إما من قبل مجلس القضاء الأعلى أو بناءً على مشروع يقترحه وزير العدل”.

وتضيف الهيئة الاستشارية العليا في جوابها على وزيرة الدفاع بناءً على طلبها للمشورة: “بما أنّ الآلية في التعيينات القضائية قد تبدّلت منذ تعديل المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي عام 2001 بحيث بات النصّ الجديد المعدّل لتلك المادة يحصر بمجلس القضاء الأعلى صلاحية وضع مشروع المناقلات القضائية. وأوجب على المجلس عرض المشروع في مرحلة تالية على وزير العدل للموافقة عليه دون أيّ جهة أخرى. وجاء نصّ المادة 136 من القانون ذاته يلغي صراحة وبشكل إلزامي جميع الأحكام القانونية المخالفة وغير المتوافقة مع أحكام المرسوم الاشتراعي الذي صدر بموجبه ذلك القانون. وبما أنّ المشروع  يكون بناء على ما تقدّم، قد أقرّ، بالمادة 5 المعدّلة من قانون القضاء العدلي، آليةً موّحدةً ومحدّدةً بالنسبة لتعيين جميع القضاة العدليين، وانتهى بذلك الى إلغاء كلّ آلية أخرى مخالفة تتعلّق بالتشكيلات القضائية للقضاة العدلييين، فإنّ الهيئة الاستشارية العليا ترى أنه لم يعد منذ تعديل نصّ المادة 5 من قانون القضاء العدلي  لوزير الدفاع أيّ دور يتعلّق بمناقلات القضاة العدليين في المحاكم العسكرية”.

التفصيل الآنف ذكره كان ضرورياً، لشرح كيف أنّ وزيرة الدفاع خالفت المشورة التي طلبتها.

مرسوم التشكيلات القضائية في ما يتعلّق بقضاة المحكمة العسكرية كان يشير دوماً إلى صدوره بناءً على اقتراح وزير الدفاع. ولا نصّ قانونياً يؤكّد إلغاء هذه المادة

يُذكر هنا أنّ المادة 13 من قانون القضاء العسكري تنصّ على أنّ “القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية يعيّنون من قضاة الملاك العدلي بمرسوم بناءً على اقتراح وزيرَي العدل والدفاع الوطني وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى”.

وقد ضجّت العدلية في اليومين الماضيين بقيام وزيرة العدل بتجزئة مرسوم التشكيلات إلى مرسومين: الأوّل يتعلّق بالقضاة العدليين، وقد وقّعه رئيس الحكومة حسان دياب مع احتمال عدم نيله توقيع رئيس الجمهورية. والمرسوم الثاني يتعلّق بقضاة المحكمة العسكرية. وهذه سابقة غير مألوفة في تاريخ العدلية. وهي طرحت علامات استفهام حول خلفيتها السياسية.

تؤكد أوساط مطلعة لـ”أساس” أنّ “مجلس القضاء الأعلى، خلال اجتماع يعقده يوم الثلثاء المقبل، سيعلن رفضه المسار الذي سلكته التشكيلات، وصدورها بمرسومين. وسيتحصّن بجواب هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، مع العلم أنّ رأيه غير ملزم”.  

يستبعد مطلعون أن يصعّد مجلس القضاء الأعلى إلى حدّ تقديم رئيسه القاضي سهيل عبود استقالته. وتقول مصادر قضائية في هذا السياق: “الاستقالة غير واردة. مجلس القضاء الأعلى قام بدوره بعيدًا عن الإملاءات السياسية، للمرة الأولى ،وهو لم يخطئ”.

وتفيد معلومات “أساس” أنّ وزيرة العدل، تأكيداً لرفضها عدم الأخذ بالاستشارة غير الملزمة لهيئة التشريع، قد أعدّت مرسوم القضاة العدليين في المحاكم العسكرية بناءً على المادة 13 واقتراح وزيرة الدفاع، فعَمدت إلى شطب أسماء قضاة واردة أسماؤهم في تشكيلات مجلس القضاء الأعلى. وقد عرف من المشطوبة أسمائهم القاضي كلود غانم، الذي عيّن مفوضاً للحكومة العسكرية في التشكيلات التي صدرت عن مجلس القضاء الأعلى، وقاضي التحقيق الأول غادة أبو علوان… وفي المقابل، اقترحت أسماء قضاة آخرين بدلاً منهم.

على خطٍّ آخر، يوافق فريق آخر من القضاة على أنّ “تجزئة المرسوم هي سابقة”، لكن يوضح أنّ “مرسوم التشكيلات القضائية في ما يتعلّق بقضاة المحكمة العسكرية كان يشير دوماً إلى صدوره بناءً على اقتراح وزير الدفاع. ولا نصّ قانونياً يؤكّد إلغاء هذه المادة”.  

وتضيف مصادر هذا الفريق، أنّ “التشكيلات كما وردت من مجلس القضاء الأعلى لم تحترم معايير الأقدمية، ولا المعيار المتعلّق بالقضاة المحوّلين إلى المجلس التأديبي، بحيث حافظ بعض القضاة على مراكزهم أو نقلوا إلى مراكز أعلى رغم أنهم محوّلون سابقاً إلى المجلس التأديبي. وهناك  قضاة نقلوا إلى مراكز أقلّ أهمية من مراكز يشغلونها رغم عدم وجود شائبة في أدائهم، في وقت عزّزت مواقع قضاة مكسورين في أحكامهم”.

وتعترض مصادر هؤلاء القضاة على “تعيين محامين عامين ليس لديهم الدرجات المطلوبة لشغل هذا الموقع”، معتبرين أنّ “مبدأ الشمولية غير محترم”، ويضيفون: “هناك نائبان عامان في الشمال والبقاع حافظا على مركزيهما، كذلك قاضي التحقيق الأول في النبطية بقي في مركزه الذي يشغله منذ أكثر من 15 عاماً. وحضرت السياسة في الحصتين الشيعية والدرزية، فيما تُرك لمجلس القضاء الأعلى أن يقرّر في الحصتين المسيحية والسنية”.

وتستغرب المصادر أن “يكرّس مجلس القضاء الأعلى وقتاً ليخوض السجالات في الإعلام مع وزيرة العدل مستعيناً بالمصادر والأوساط، فيما يُطلب من القضاة التشدّد في ممارسة موجب التحفّظ، وبين هؤلاء من يتعرّض لحملات وافتراءات، ولا يجد مجلس القضاء الأعلى حاضراً ليدافع عنه”.

 

 

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…