الأخ قاسم قصير،
قرأتُ مقالتك في “أساس” جيداً. وأعرف صعوبات المواجهة مع حزب الله في الأمن قبل السياسة. لكنّ الحوار الذي تعتبره السبيل الوحيد جرت تجربته مرّاتٍ ومرّات، ولدى رئيس المجلس النيابي، ولدى رئيس الجمهورية السابق. وفي كلّ مرّة كان يتوقف وتعود الاغتيالات. وهذا كله باستثناء “الحوار الأخير” الذي جرى بين الحزب وتيار المستقبل ودام ثلاث سنوات. قال لي أحد المشاركين في الحوار الأخير إنّه كانت له ثلاثة أهداف: تهدئة التوتر المذهبي، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والخلاص من “سرايا المقاومة” في البلدات والقرى السنية. وتابع: “لقد تحقّق هدفان هما التهدئة، وانتخاب الرئيس عون، وما أمكن الاتفاق على الخلاص من سرايا المقاومة”. فقلت له: “بل حقّق الحزب كل ما يريده: بقيت سرايا المقاومة، وجرى انتخاب مرشّحه لرئاسة الجمهورية، وكان المقابل هو وقف قتل من يحاورهم، وهذا هو معنى: تهدئة التوتر! لقد اعتبر الحزب أنّ غرضه تحقّق فتصرف بإرادةٍ إلهية وأَنسأَ آجالهم!
لا أمل في حوارٍ مع تنظيمٍ مسلَّحٍ يتحدّث زعيمه كل مرة عن “قواعد الاشتباك” مع العدو الصهيوني، لكنّه لا يلتزم بأيّ قواعد للاشتباك أو الحوار بالداخل اللبناني أو مع العرب. فحتّى الحوارات والمهادنات بين أطراف الحرب اللبنانية كانت أوضح وأصرح من الحوارات مع الحزب. لأنّ الطرف المحاور من أولئك يعرف أنه إذا أطلق النار خلافاً للاتفاق، فسيتلقّى من الجهة المقابلة ناراً أيضاً. أما في حالتنا مع حزب الله فإما أن نخضع لإرادته السياسية والاقتصادية والأمنية أو نترقب حصول الأسوأ إن رفضنا. فحتّى لو لم ينالوا منك يا أخ قاسم فإنّ الإحساس بالأمن لن يعود إليك. وستقول لي بالطبع: وما يدريك أن الحزب هو الذي فعل كذا أو كذا؟ وأقول: إنّ هذه الأفعال لا يستطيعها في لبنان في السنوات الماضية غير إسرائيل أو الحزب، وأترك الحكم لك بشأن من قام بها من الطرفين!
إقرأ أيضاً: حوار هادىء مع رضوان السيد: خارطة طريق لمواجهة حزب الله؟
لذلك ما دعوتُ إلى حوارٍ مع الحزب، بل دعوت إلى مواجهةٍ وطنيةٍ. وأعني بها مناداة الشرفاء والأخلاقيين وأهل العدالة من اللبنانيين لعدم اعتبار الحزب طرفاً وطنياً يمكن الجلوس معه على الطاولة ما لم ينزع سلاحه، ويعلن أنّه أخطأ وارتكب في لبنان وسورية.
هل هذا صعب؟
هو بالطبع صعبٌ جداً. لكنه ليس كبيراً على النفوس الكريمة والأبية والأخلاقية والتي تريد وطناً ودولةً وعيشاً وطنياً بدون خوفٍ ولا تخويف. فحتّى كثيرين من الذين ساروا في التسوية وشاركوا في الحكومة، ما لبثوا أن تنكّروا لها بسبب سوء إدارتها والفساد الذي انتشر فيها من جانب حزب الله وجبران باسيل، وبسبب الإعراض بتاتاً عن وثيقة الوفاق الوطني والدستور الذي أقسم عليه رئيس الجمهورية. وقد فكّر عدد من التسوويين بترك الحكومة، وأعلن ذلك مراراً، في معرض الشكوى والاحتجاج على الإخلال بالخطط الأمنية باستثنائها مناطق معيّنة، وعلى الإخلال بنزاهة الوظيفة العامة في التعيينات، وعلى اشتراع قانون انتخابي عجيب سمّاه الوزير نهاد المشنوق وقتها “قانون قابيل”. وفي النهاية ما بقي من التسوويين أحدٌ على الالتزام بها، وكان آخر الخارجين الرئيس سعد الحريري.
كلّ هذا يؤكّد أنّه لا فائدة تُرجى من حوار لا يفهم منه الحزبُ إلا الخضوع والإخضاع لمن يحاورهم.
أخي قاسم،
أعرف أنك تعرف كلَّ ما ذكرتُه في هذه السطور. إنما يُحسبُ لك إصرارك على التواصل، فنحن في النهاية بشرٌ ومواطنون ونحب الحياة. ولا حياة وطنية بدون عيشٍ مشترك يزدهر فيه حوار الحياة وحوار العيش. لقد جعل الحزب الأمرين شديدي الصعوبة: بالأفعال الواعية المرتكبة – وبالتحالف مع العصابة الفاسدة السائدة. ولنا الله يا قاسم!