يرصد حزب الله بدقّة حركة رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل، وكذلك اتصالاته مع الجانب الأميركي، التي يبرّرها الوزير السابق لسائليه بأنّها مرحلية وغايتها تأمين تأييد إدارة الرئيس دونالد ترامب لترشيحه الرئاسي.
فبحسب معلومات “أساس”، فاتحه مسؤولون من الحزب في هذا الأمر ونصحوه بعدم المراهنة على الأميركيين “لأنهم لم ولن يقدّموا لك شيئاً”. ولكنهم مع ذلك أكّدوا له تمسّكهم بـ”تفاهم مار مخايل” على رغم الأصوات العونية التي بدأت تناوىء الحزب في الفترة الأخيرة التي يدرجونها في سياق “السعي الباسيلي” إلى خطب الودّ الأميركي.
في المقابل تظهر قراءة الحزب لحركة باسيل أنّه يركّز في هذه المرحلة على تطوير علاقته مع الإدارة الأميركية ليلاقي “قانون قيصر” بأقل خسائر ممكنة، وضمان أن لا يشمله بعقوباته التي ستطاول كلّ القيادات والأحزاب والشخصيات السياسية اللبنانية القريبة من النظام السوري. وقد يأخذ هذا القانون في طريقه حكومة حسان دياب وكلّ المرشحين الرئاسيين القريبين من دمشق، خصوصاً إذا ساء الوضع في سوريا بفعل ما سيفرضه من عقوبات صارمة عليها.
إقرأ أيضاً: الحزب يهدي “التيار”… من كيس لبنان
وعلى هذا، فإن العلاقة بين الحزب وباسيل ستظلّ مضطربة حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، وفي ضوء نتائجها سيتحدّد مصير هذه العلاقة. ولكن بعض السياسيين يقولون إن هذه العلاقة باتت من الآن وصاعداً علاقة “حب أبيض وأسود” إلى أن يتبيّن “الخيط الأبيض من الخيط الأسود” من فجر الاستحقاق الرئاسي في خريف العام 2022.
كانت العلاقة بين حزب الله و”التيار الوطني الحر” عموماً، وبين قيادة “الحزب” وبين باسيل تحديداً، تمرّ دوماً في مدّ وجزر، في ظلّ تحييد الحزب علاقته مع الرئيس ميشال عون عن باسيل وتياره. ويؤكّد حزب الله سراً وعلناً “حرصه الدائم” على الاحتفاظ بعلاقته مع فريق سياسي مسيحي كبير يمتلك أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب لأنه في ذلك مصلحة، بل حاجة سياسية له، خصوصاً في الحصار السياسي وغير السياسي الذي يتعرّض له داخلياً وخارجياً وبالأخصّ في هذه المرحلة حيث توجّه إليه اتهامات من خصومه الداخليين والخارجيين بأنه يقف حجر عثرة تمنع حصول لبنان على الدعم الخارجي السياسي والمادي للخروج من الانهيار المالي والاقتصادي الذي وقع فيه.
ولم يُخفِ مسؤولون في الحزب خلال مرحلة سابقة امتعاضهم مما سمّوه “الفجور الباسيلي” في إشارة إلى المواقف التي اتخذها باسيل، خصوصاً عندما راح يهاجم حليفهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ويتهمه بـ”البلطجة”، حيث كاد هذا الاتهام يومها أن يحدث مشكلة بين بري والحزب، لأن رئيس المجلس وجد أن على قيادة حزب الله ان تتصدّى لباسيل انسجاماً مع التحالف القائم في إطار “الثنائي الشيعي”.
لكن مشكلة باسيل أنه ومنذ بداية ولاية الرئيس ميشال عون يسعى جاهداً للحصول من الحزب على “تعهّد” بتبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية أسوة بالتعهّد الذي كان أعطاه لعون وساهم في وصوله إلى قصر بعبدا بعد تعطيل للانتخابات الرئاسية دام نحو سنتين. ودافعُ باسيل إلى “انتزاع” هذا التعهّد، هو قطع الطريق أمام رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لأنه توجّس من أن يكون الأخير قد حصل على وعد من الحزب بأن يكون خليفة عون في الرئاسة، إذ إن الحزب لم يتخلَّ عن التزامه بترشيح عون عندما بادر الرئيس سعد الحريري إلى ترشيح فرنجية قبل أن يتراجع عن هذا الترشيح ويتبنّى ترشيح عون بموجب “التسوية الرئاسية” الشهيرة في تشرين الأول 2016. فباسيل يتصرّف منذ انتخاب عون على أساس أن التسوية الرئاسية التي ساهم في صوغها تسري عليه بحيث يكون الرئيس المقبل.
“حزب الله” الذي كان شريكاً في تلك التسوية الرئاسية لا يعترف بشيء من هذا القبيل. ويؤكّد بلسان مسؤولين فيه أنه لم تتضمّن التسوية المذكورة أيّ تعهّد لمصلحة باسيل، وأن من المبكر لديه اعتماد أيّ خيار أو إعطاء أيّ تعهّد رئاسي لباسيل أو لغيره، وأن الاستحقاق الرئاسي يُدرس في حينه وتُحدّد الخيارات في شأنه في حينه أيضاً، وأن “كلّ أوان لا يستحي من أوانه”..
وفي مرحلة لاحقة، وبعد تلميحات و”تلطيشات” مارسها باسيل ضد الحزب ولوّح عبرها بإمكان خروجه من “تفاهم مار مخايل 2006 “، فشل في الحصول على “التعهّد” المطلوب. وفي إحدى المراحل تلقّى من قيادة الحزب جواباً مفاده أنها تعهّدت رئاسياً لعون احتراماً لالتزامها السياسي والأدبي تجاهه، ولكنها لن تكرّر هذه التجربة مع غيره، ما جعله يطمئن الى أن فرنجية لم يحصل على أيّ تعهّد، فواظب على إعلان مواقف داعمة للحزب ومقاومته وسلاحه على المنابر العربية والدولية طوال أيامه في وزارة الخارجية معتمداً سياسة “تجميع الليرات الذهبية” في رصيد ترشيحه الرئاسي إلى حين موعد الاستحقاق.
عندما اندلعت “المعركة السياسية” أخيراً بين باسيل وفرنجية من بوابة ملف “الفيول المغشوش” لم يتخذ حزب الله أيّ موقف يؤيّد أيّاً منهما
لكن بعد تصاعد الحملة الغربية والخليجية على حزب الله وتصعيد وتيرة العقوبات الأميركية والاوروبية والعربية عليه، بدأ القلق يساور باسيل الذي راح ينأى عن الحزب لاعتقاده أن استمرار التصاقه به قد يُعدم فرص ترشيحه ووصوله إلى رئاسة الجمهورية، ووجد ضالته للانفتاح على الإدارة الأميركية عبر إطلاق آمر سجن الخيام ايام الاحتلال الإسرائيلي للجنوب عامر الفاخوري الذي أوقفه القضاء العسكري اللبناني إثر عودته إلى لبنان بعد سقوط الدعاوى المقامة ضده بعامل انقضاء الزمن. وقد لاقت هذه الخطوة استحساناً لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خضمّ حملاته الانتخابية كون الفاخوري يحمل الجنسية الأميركية.
وعندما اندلعت “المعركة السياسية” أخيراً بين باسيل وفرنجية من بوابة ملف “الفيول المغشوش” لم يتخذ حزب الله أيّ موقف يؤيّد أيّاً منهما. وكذلك لم يتدخّل لرأب الصدع وإصلاح ذات البين بينهما، وذلك لاقتناعه بأن خلفية هذه المعركة تتصل بالنزاع على الاستحقاق الرئاسي، في ظلّ توجّه لدى باسيل إلى حرق كلّ مرشح رئاسي يشكّل تهديداً له، وهي ما كانت ولا تزال حاله مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ أن حاول في بداية عهد عون لتغييره والإتيان بالوزير السابق منصور بطيش مكانه، ولكنه اصطدم بفيتو أميركي عبّرت عنه تصريحات ديبلوماسيين أميركيين علناً، وفي لقاءات لهم مع بعض المرجعيات الرسمية اللبنانية. مع العلم أن الحزب وفي مرحلة ما، وحتى في الآونة الاخيرة لم ير ضيراً في إقالة سلامة نتيجة ما يشهده الوضع النقدي والمالي في البلاد. ولكن هذا الأمر سُحب من التداول، خصوصاً وأن بعض المرجعيات الرسمية والقيادات السياسية البارزة عارضت خروج سلامة من حاكمية مصرف لبنان لما يمكن أن يكون لهذا الخروج من خطورة على الأوضاع المالية في هذه المرحلة الحرجة، وفي ظلّ المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.
الأهمّ أن باسيل بات تحت مجهر الحزب. ربما بدأت الثقة تهتزّ. وقد نصحوه بعدم المراهنة على الأميركيين “لأنهم لم ولن يقدّموا لك شيئاً”. و”النصيحة بجمل”.