“في وضح النهار، وفي تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 17 تشرين الثاني اختُطف والدي باسم أمن الدولة، وعلى بعد أمتار قليلة من حاجز الجيش اللبناني في كفريا، ومنذ نهاية الأسبوع الماضي كان آخر جواب تلقيناه من القوى الأمنية هو (إن شالله خير…). وإلى الآن ننتظر خيراً لا نعرف إن كان سيأتي”. بهذه الكلمات يختصر نسيم حادثة اختطاف والده، رجل الأعمال اللبناني المغترب عدنان دباجة (58 سنة) للمرّة الثانية، في البقاع الغربي.
خلال العامين الماضيين، أكثر من 5 عمليات خطف راح ضحيتها رجال أعمال كبار في المنطقة، كانت تنتهي بدفع فدية مالية كبيرة، تصل إلى مليون دولار أحياناً عن كلّ عملية. فما بالك بالمليون اليوم، إذا كان “فريش” من حسابات المغتربين خارج لبنان؟
اليوم عاد شبح الخطف ليخيّم على أهالي البقاع الغربي بعد حادثة اختطاف رجل الأعمال عدنان دباجة ابن بلدة القرعون، على أيدي مسلحين مجهولين يستقلون سيارات “مفيّمة” من دون نمر، وينتحلون شخصية رجال قوى الأمن، وذلك من أمام ورشة العمل التي يستثمرها دباجة كمشروع سياحي وصالة أفراح في كفريا، وعلى مرأى شقيقه وشقيق زوجته.
نسيم نجل عدنان دباجة ينقل لـ”أساس” هواجس العائلة تجاه عملية الخطف الثانية لوالده، الذي يعمل في كولومبيا وعاش خارج لبنان لفترة 30 عاماً، قبل الاستقرار مع عائلته المؤلفة من شاب وابنتَين وزوجة، في مسقط رأسه في القرعون، منذ العام 2000، حيث استمرّ بمتابعة أعماله عبر السفر المتقّطع.
خلال العامين الماضيين، أكثر من 5 عمليات خطف راح ضحيتها رجال أعمال كبار في المنطقة، كانت تنتهي بدفع فدية مالية كبيرة، تصل إلى مليون دولار أحياناً عن كلّ عملية. فما بالك بالمليون اليوم، إذا كان “فريش” من حسابات المغتربين خارج لبنان؟
يؤكد الابن أنّ شقيق الخاطف اتصل بعائلة دباجة عبر الهاتف مرة واحدة، وهدّد باختطاف باقي أفراد العائلة، إذا لم تُدفع فدية مالية لم يحدّدها الخاطفون بعد. ثم تواصل معهم بلغة التهديد والوعيد نفسها، عبر رسالة صوتية على تطبيق واتساب من رقم دولي (أرقام الإنترنت). بينما مُنعت العائلة من التواصل مع الوالد المخطوف، وذلك في إطار لعبة نفسية لحرق أعصاب العائلة وسوقها للرضوخ لطلبات الخاطفين لاحقاً أياً كانت. ويرفض نسيم الكشف عن أسماء الخاطفين ويؤكد أنهم “معروفون”، لكنه يتحفّظ عن ذكر أسمائهم، ويترك للقوى الأمنية تحديد ذلك توخياً من التسبّب بأيّ أذى لوالده.
أعادت حادثة دباجة إلى ذاكرة البقاعيين عمليات الخطف التي كانت تتكرّر بوتيرة عالية قبل سنتين ونصف السنة تقريباً، إلى درجة أن حوادث الخطف صارت أسبوعية. بعدها خفّت وطأتها مع بدء تنفيذ الخطة الأمنية في البقاع، التي نظّمها وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، ومع تكثيف جهود فرع المعلومات في المنطقة.
تتخوّف مصادر محلية في المنطقة من أن تكون هذه الحادثة مؤشراً إلى بداية انفلات أمني، اتخذت خلاله العصابات من الوضع الصحي والإقفال العام، وتلهّي القوى الأمنية بتنفيذ الإجراءات الصحّية، فرصةً لتحقيق مخطّطاتٍ تبدو مدروسة تجاه المغتربين الذين يتردّدون إلى المنطقة: “فهم يعرفون أسماء وعناوين ومعلومات دقيقة عن المغتربين وتحرّكاتهم، ويتصيّدونهم بسهولة. ويبدو اليوم حافز الدولار مشجّعاً للعصابات المتخصّصة كي تقوم بعمليات خطف، لاسيما مع اشتداد الأزمة المعيشية”.
وتشير المصادر في حديثها لـ”أساس” إلى أنّ المعطيات الأمنية تشير إلى سحب المخطوف نحو بؤر أمنية في بعلبك كما في كلّ عمليات الخطف السابقة، التي لم تفضِ إلى أيّ نتيجة أو متابعة جدّية: “دائماً كان الحلّ مرتبطاً بدفع المال أو بتسوية سياسية عبر التودّد إلى مسؤولين في حركة أمل أو حزب الله للضغط على الخاطفين”.
يكشف مصدر أمني رسمي لـ”أساس”، طلب عدم نشر اسمه، أنّ “عملية الخطف أسبابها مالية فقط، وهي تتكرّر للمرة الثانية. وهناك متابعة يومية للعمل الأمني بكافة أشكاله، لكن لا خطة أمنية جديدة في البقاع، أو خطة خاصة لملاحقة عصابات خطف الأشخاص حالياً. ويشدّد على أنّ القوى الأمنية والعسكرية تقوم بواجباتها وبما هو أكثر من طاقتها، لكن لا يمكن حلّ الأمور بالأمن وحده. فالأمن يرتبط بالسياسة المتبعة في الدولة أيضاً، وبالوضع المعيشي. وكلما ازداد الوضع الاقتصادي سوءاً، تفاقمت المشاكل الاجتماعية أكثر وأكثر لا سيما في مناطق مثل البقاع”.
يرفض نسيم الكشف عن أسماء الخاطفين ويؤكد أنهم “معروفون”، لكنه يتحفّظ عن ذكر أسمائهم، ويترك للقوى الأمنية تحديد ذلك توخياً من التسبّب بأيّ أذى لوالده
مختار القرعون علي ياسين يقول إنّ الحادثة أقلقت الأهالي ونشرت الخوف بينهم، لا سيما المتموّلين منهم، الذين باتوا يعيشون في حالة رعب منذ أكثر من أسبوع، كونهم يعتبرون أنفسهم عرضة للخطف وإطلاق النار، وربما القتل في أيّ لحظة. وينقل لـ”أساس” اعتراضاً شعبياً على “تخاذل القوى الأمنية عن أيّ تجاوب مع الحادثة حتّى اليوم، ولجوء الأهالي إلى الشارع بهدف الضغط على القوى الأمنية ووضعها أمام مسؤولياتها عبر تنفيذ عدد من التحرّكات الشعبية في ضهر البيدر وطريق عام البقاع – شتورة، وهي تحرّكات ستستمرّ خلال الأيام المقبلة. أما في حال لم تثمر هذه التحرّكات الرمزية، ولم تتحمّل الدولة مسؤولياتها تجاه الأهالي، فالخطة (ب) للأسف ستكون باللجوء للأمن الذاتي وتأمين الحماية الشخصية، لاسيما أنّ عملية الخطف تمّت باسم الدولة وعلى بعد 50 متراً من حاجز الجيش في كفريا، ومناطق القرعون، بعلول ولالا، التي تضمّ أكبر نسبة من المغتربين في فنزويلا وكولومبيا والبرازيل، تعيش حالة من الذعر”.
إقرأ أيضاً: “الهَيبة” المفقودة في بعلبك: “الأمرُ” للعصابات الحاكمة!
إذ أنّ عدد المغتربين الإجمالي في البقاع الغربي يزيد عن 35 ألفاً، معظمهم يتنقّلون بي لبنان وبين البرازيل، وفنزويلا، وباناما، وكولومبيا، وبعضهم في دول أفريقيا وأستراليا.
لهذا يتابع أهالي المنطقة هذه القضية بقلق، وكلّ واحد منهم يعتبر نفسه معرّضاً ليكون مكان دباجة اليوم أو غداً، ويعوّلون على جهود شعبة المعلومات في هذا الإطار. وعدا عن حالة الذعر التي يعيشها الأهالي، والتي دفعت البعض إلى البدء بحمل السلاح بشكل دائم، بمن فيهم الفتيات، وعدا عن الشعور بالغضب وعدم الشعور بالأمان في بلدهم ومسقط رأسهم، فإنّ العديد من المغتربين قرّر أو بدأ يفكّر جدّياً بعدم التردّد إلى لبنان، نتيجة تكرار عمليات الخطف، كونها ليست المرة الأولى التي يتعرّض لها رجال أعمال كبار بقاعيون لعمليات خطف مماثلة. وهم المتموّلون الذين كان لهم الفضل في تأمين مساهمات كبيرة في العيش الكريم الذي تحظى به قرى البقاع الغربي، إما عبر مساعدة ذويهم وإما عبر مصالحهم المتعدّدة التي ساهمت في إيجاد فرص عمل لعدد كبير من أهالي المنطقة.