صودف أن زرتُ أحد مستشفيات طرابلس مرات عدّة، فعاينتُ عن قرب الإجراءات الوقائية المتبعة. على باب المستشفى يداعب الحارس كمّامة وجهه. وأحيناً يحكّ ذقنه بيديه اللتين ليس عليهما أيّ قفازات.
في المدخل نفسه، ينتظر الوافدون. لا مسافة تباعد. والكمّامة باليد لوضعها بعد دخول بوابة المستشفى.
دخلت.. كان هناك ممرّضة مهمّتها قياس درجة الحرارة.
في الزيارة الأولى أُخذتْ حرارتي، وتابعتُ طريقي إلى الداخل.
في المرة الثانية أعفتني الممرّضة من فحص الحرارة، وسألتني: “هل تشعرين بألم في الحلق”. هززتُ رأسي نافية. “هل تشعرين بضيق تنفّس؟”، كرّرتُ النفي بإشارة دون كلام. “هل لديك كورونا؟”. هنا لم أستطع مقاومة نوبة الضحك التي باغتتني. فها هي تتكّل على ضمير الناس الذي حوّل مناطق عدّة إلى بؤرة لانتشار الفيروس، وعلى خبراتهم الطبية المتطوّرة تكنولوجياً، ليعرفوا، بلا فحص، إذا كانوا مصابين بالكورونا.
أكملتُ طريقي داخل المستشفى وذهبتُ إلى غرفة العناية المشدّدة. مشهد الموظفين والطاقم الطبي مستفزّ هناك. فالكمّامة ليست إلزامية! يخلعونها أحياناً ويضعونها أحياناً أخرى.
في غرفة العناية المشدّدة، كان على من يدخل أن يرتدي “الروب” كي لا ينقل الجراثيم لمرضى بين الحياة والموت.
وقفتُ بانتظار دوري.
الداخلون يرتدون الروب نفسه!
هناك فقط “روبان” اثنان لعشرات الزوّار.
جاء دوري، قلتُ للموظّف: “كيف سأرتديه؟! عدّة أشخاص دخلوا به قبلي. وارتداؤه خطر على المرضى قبل نفسي”.
صمت الموظف، وافقني، وبرّر بعدم قدرة الإدارة على تأمين العدد الكافي للزائرين.
كان ردّي: “الحلّ بعدم ارتدائه إذاً، فثيابنا أكثر أماناً منه”.
استسلم الموظف بعد ما وافقني المنتظرون مثلي.
وجاء لي بروب جديد “معقّم”.
دخلتُ إلى عيادة مريضي مطمئنة، وبقي أولئك الذين يحاربون الموت رهينة إهمال المستشفى ولاوعي الزائرين.
إقرأ أيضاً: #امتحانات_الموت في “الجامعة اللبنانية”: 80 ألف طالب مهدّدون بـ”موجة كورونا” عاصفة