أجّلت وزارة الطاقة، للمرة الثالثة، جولة التراخيص الثانية في المياه اللبنانية، من دون أن تحدّد موعداً نهائياً بديلاً لتلقّي العروض.
سبق أن أجّلت الوزارة الموعد النهائي لتلقّي العروض من 31 كانون الثاني إلى 30 نيسان، ثم إلى 1 حزيران، واليوم تؤجّله إلى ما شاء الله، وتعد بإنجاز الجولة بنهاية 2021.
التأجيل سببه عدم وجود أيّ عرض من الشركات العالمية، وهذا يستدعي التوقّف والقلق: هل السبب تقليص النفقات الاستثمارية في ظلّ انخفاض أسعار النفط والغاز والآثار المالية لأزمة كورونا؟ أم هو تقييم متشائم لما تحويه المياه اللبنانية؟
إقرأ أيضاً: “صندوق عون”: خطة القبض على أصول الدولة ومليارات المودعين
وجود الغاز من عدمه رزق مقسوم، لا يُحمد العونيون إن وجد، ولا يُلامون إن فُقِد. لكن ثمة ملاحظات على الإدارة العونية لملفّ التنقيب لا بد أن تُسجّل:
1 – تشير المعلومات المتداولة إلى أن البلوك رقم 5، المطروح ضمن الجولة الثانية، يحمل إمكانية أكبر بكثير من بلوك رقم 4 لوجود مخزون من الغاز بكميات تجارية. هذا البلوك يمتدّ في عمق المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، بمحاذاة المياه القبرصية، قبالة الشريط الساحلي من بيروت إلى الجنوب، وهو الأقرب إلى حقلي “تمار” و”ليفثنيان” في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وحقل “ظهر” المصري وحقل “أفروديت” في قبرص.
وهنا يُطرح سؤالٌ كبير عن سبب عدم طرح هذا البلوك في الجولة الأولى من التراخيص، لمصلحة التسريع بطرح بلوك رقم 4 الممتدّ قبالة الساحل من بيروت شمالاً إلى البترون: هل يشبه الأمر التمسّك بإنشاء معمل للكهرباء ومحطة للتغويز FSRU في سلعاتا على حساب المصلحة العامة؟
2 – زعمت وزارة الطاقة أنّ التأجيل الأوّل من كانون الثاني كان سببه الرغبة في “توسيع دائرة المشاركة”. وسرّبت مصادرها معلومات تقول إنّ شركة “توتال” الفرنسية طلبت التأجيل ريثما تتوفّر لها معلومات جيولوجية أوفى، بعد حفر البئر الأولى في البلوك 4. ثم حين انتهت “توتال” من حفر البئر الأولى، قالت “وزيرة الطاقة / الظلّ” ندى بستاني إنّ “التحاليل التي ستجريها شركة توتال على العيّنات المستخرجة ستشكّل خرقاً كبيراً لجهة تحديد مسار عمليات الحفر المستقبلية”.
إذا صحّ كلام بستاني فماذا علينا أن نستنتج من غياب توتال عن الجولة الثانية؟
3 – يستغرب العونيون أن تتجّه إليهم أصابع الشامتين بعد فشل البئر الأولى. قال جبران باسيل مستهجنا إنّ الغاز ليس ملك أبيه. وواقع الحال أنّ جبران تصرّف على أساس أنّ الغاز ملك أبيه فعلاً، وأنّ جدّه هو من دفنه في قاع البحر. كان يريد أن يكون للاكتشاف أبٌ واحد هو جبران باسيل، ويريد لعدم الاكتشاف أن يكون بلا أب.
واقع الحال أنّ التيار العوني يتعاطى مع ملفّ النفط والغاز باعتباره ملكاً خاصّاً يديره باسيل ثم مستشاره، ثم مستشارة مستشاره، ثم مستشار مستشارة مستشاره. هيئة إدارة البترول تساوي صفراً مكعّباً هنا، والحوكمة في القطاع مزحة سمجة.
حين كان باسيل وزيراً للطاقة، أطلق أضلولة لا تستند إلى شيء من المعطيات العلمية، والغالب أنّ دوافعها سياسية. قال إنّ المياه اللبنانية تحوي 96 تريليون قدم مكعبة من الغاز و865 مليون برميل من النفط
الغاز ما زال ممكن الوجود في بحر لبنان، ولو تأخّر استكشافه بسبب سوء الإدارة وأزمات الحكم والحوكمة في لبنان وأزمة كورونا، لكن لا بدّ من إدارة أفضل للتوقّعات.
المصادر الدقيقة المعرفة تشير إلى أنّ نتائج المسح “السيزمي” تفترض وجود احتياطيات غاز تقدر بنحو 25 تريليون قدم مكعبة، لكن لا يمكن تأكيد ذلك إلا بالحفر.
حين كان باسيل وزيراً للطاقة، أطلق أضلولة لا تستند إلى شيء من المعطيات العلمية، والغالب أنّ دوافعها سياسية. قال إنّ المياه اللبنانية تحوي 96 تريليون قدم مكعبة من الغاز و865 مليون برميل من النفط. وأخذت الأضلولة تتردّد في المواقع والمقالات بلا سند علمي. الرقم الذي ذكره باسيل يعادل ثلاثة أضعاف حقل “ظهر” المصري، وثلاثة أضعاف مجموع الحقول الإسرائيلية، و13 ضعف حقل “أفروديت” القبرصي، الأقرب إلى لبنان. وليس هذا إلاّ نموذج من تسييس الجيولوجيا في بلد يحتفل بالتحوّل إلى “دولة نفطية” ثلاث مرات قبل اكتشاف ذرة غاز واحدة.
لا يُلام سياسيٌّ على عدم اكتشاف الغاز، بل يُلام على تسييس اكتشافه، وعلى لافتة عملاقة تحمل كذبة مزدوجة: “شكراً باسيل”.