أنطوان مسرّة عن كلمة قبلان لـ”أساس”: جهل كامل لمفهوم الميثاق

مدة القراءة 5 د


لا يكاد يمرّ يومٌ في لبنان إلّا ويحمل معه مفاجأة. ومن سوء طالع اللبنانيين أنّ مفاجآت بلدهم هذه الأيام تغلب عليها السلبية، ليس بالنظر إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وحسب، بل أيضاً إلى اختلال الحياة السياسية التي يفترض أن تستند إلى الدستور وقواعد العقد الاجتماعي، والتي أبرزها “الميثاق” التأسيسي للبنان، لكن ما يحصل هو العكس تماماً.

إذ يكاد لا يصدر تصريحٌ يشكّك في الدستور والقواعد هذه، إلّا ويتلوه آخر أشدّ طعناً فيهما منه. هذه كانت الحال خلال الأيام القليلة الماضية، فما لبث رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن دعا إلى تطبيق “اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة”، بخلاف ما ينصّ عليه اتفاق الطائف لجهة حصر اللامركزية بالصفة الادارية، حتّى سارع الوزير السابق ملحم الرياشي إلى المطالبة بـ”الفدرالية الجغرافية”. وما هي إلّا أيام قليلة حتّى أطلّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بكلمة مكتوبة لمناسبة عيد الفطر السعيد، ليطعن بـ”أصل نشأة لبنان”، ويتهمّ الدستور بـ”الفساد”، ويعلن رفضه وثيقة الوفاق الوطني. إذ اعتبر أنّ “أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي”، وأنّ “هذه الصيغة قد انتهت، وما قام به (الرئيسان) بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت”. وإذ رأى أن “البلد سقط، لأن دستوره فاسد”، قال بـ “الفم الملآن”: “لا للطائف (…)”.

إقرأ أيضاً: حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي

كلام المفتي قبلان هذا، يرى فيه عضو المجلس الدستوري السابق أنطوان مسرّة، “نقضاً جذرياً وشاملاً لكلّ التراث الفكري اللبناني، ولمعالم الفكر الشيعي اللبناني الميثاقي والكياني، وكذلك للتراث العربي الإسلامي في إدارة التعدّدية منذ عهد المماليك”.

مسرّة، أحد أبرز المراجع الدستورية في لبنان، يقول لـ”أساس” أنّ المهمّ “ليس ما أقوله أنا، في هذا الصدد، لكن ما يقوله الإمامان موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين والسيّد هاني فحص، في قبورهم واستشهادهم، وما يقوله الرئيس نبيه بري الذي نال جائزة الرئيس إلياس الهراوي للميثاق اللبناني. وهي الجائزة التي أعطيت أيضاً لفؤاد بطرس، وميشال إده، وغسان تويني”. ويضيف: “لقد تكلّم المفتي قبلان بصفة رسمية ومن موقع مسؤول، ولذلك يجب أن يردّ على كلامه مرجعٌ رسميّ ومسؤول من الشيعة اللبنانيين”.

مسرّة يذكّر الشيخ قبلان “بكلام الإمام الصدر عن أنّ نجاح التجربة اللبنانية ثروة لوطننا وللعالم المتحضّر وللفلسطينيين، وأيضاً بأنّ الصيغة اللبنانية هي، تاريخياً، نقيض الصهيونية التي تعتبر أنّ لبنان خطأ تاريخي وجغرافي، وهو غير قابل للاستمرار”

وفي معرض تعليقه على كلام قبلان، يؤكدّ مسرة أنّ “مواقف المفتي تنمّ عن ضبابية فكرية شاملة، إذ تعبّر عن جهل كامل، للأسف، لمفهوم الميثاق في التاريخ المقارن والعلم الدستوري المقارن”. ويشرح: “المواثيق في التاريخ اللبناني وفي تاريخ دول عدّة كسويسرا والنمسا، والبلدان المنخفضة، هي سياق سياسي ودستوري للبناء القومي للدول، على إثر حروب أهلية تقع فيها. وهي نقيض السياق العنفي والدموي للبناء القومي انطلاقاً من مركز قوي وامتداداً إلى الأطراف. ولذا، فإنّ الطعن بميثاق 1943 واتفاق الطائف عام 1989، هو طعن بأهمّ قواعد البناء القومي اللبناني والسلم الأهلي”.

وللدلالة أكثر على أهميّة كلٍّ من “الميثاق” و”الطائف”، يقول مسرّة إنّ “مضمون الميثاق هو العيش المشترك الإسلامي المسيحي، وتجنّب العزل الدائم للجماعات الدينية والثقافية، والعروبة المستقلة ضمن سيادة الدولة”. ويشير إلى أن “وثيقة الوفاق الوطني هي إنتاج لبناني أصيل كثمرة أوراق ومداولات ومناقشات بين سنوات 1975 و1989. ولذا، فإنّ نكرانها هو بمثابة نكران للتجربة اللبنانية، ولخبرة عباقرة الدستور اللبناني الذين ما تنكّروا للتجربة العربية الإسلامية في إدارة التعدّدية، بل بنوا عليها”.

مسرّة يذكّر الشيخ قبلان “بكلام الإمام الصدر عن أنّ نجاح التجربة اللبنانية ثروة لوطننا وللعالم المتحضّر وللفلسطينيين، وأيضاً بأنّ الصيغة اللبنانية هي، تاريخياً، نقيض الصهيونية التي تعتبر أنّ لبنان خطأ تاريخي وجغرافي، وهو غير قابل للاستمرار”.

أضف إلى ذلك، أنّ كلام المفتي قبلان عن الدستور يفترض، بحسب مسرّة، أنّ “السياسيين اللبنانيين لا يقومون بأيّ عمل إلا استناداً إلى الميثاق والصيغة والدستور. وهذا افتراض خاطئ، لأنّ الدستور لا يطبّق كما يجب، ولكي نعدّل فيه يفترض أن نكون قد طبّقناه وهو ما لم يحصل”. ويكمل: “دستورنا غير طائفي في نصوصه، وينصّ على مبدأ الكفاءة في المادة 12 منه، كما أنّ الزبائنية موجودة في بلدان لا طائفية فيها. كذلك هناك تضخّم تشريعي في لبنان مقابل معضلة حقيقية في تطبيق القوانين، إذ لا يوجد قانون واحد مطبّق بشكل كامل أو من دون تحريف، فكيف نشكّك بالقوانين اللبنانية ما دامت لا تطبّق؟”.

ويختم مسرّة بالإشارة إلى مفارقة غريبة، إذ إنّه “في وقت تطالب الحكومة اللبنانية بدعم اقتصادي من صندوق النقد الدولي والدول المانحة لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية، يصدر كلام عن المفتي قبلان يعطي انطباعاً بأننا نعيش في دولة قيد التأسيس. وهو ما يضعف موقف الحكومة تجاه مفاوضيها، ويعزّز مخاوف اللبنانيين من دخول بلدهم في الفوضى”.

مواضيع ذات صلة

الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل

إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في “الجماعة الإسلامية”، فعليك أن تعرف ماذا يجري في حركة حماس،  وعلاقة الفرع اللبناني بالتحوّلات التي تشهدها حركة حماس……

لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب

قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما…

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…