يرتفع منسوب التخوّف من ارتفاع أعداد الإصابات خلال فترة معروفة اجتماعياً بالتقارب الجسدي، من خلال الزيارات، وبمراسم الترفيه خارج المنزل، وأهمّ ما فيها الاجتماعات العائلية. على أمل أن تكون تدابير الوقاية قد صارت جزءاً من ثقافتهم وعاداتهم الاجتماعية. فكيف سيمرّ عيد الفطر هذا العام على العائلات اللبنانية، وكيف يمكن تقطيع هذه المرحلة بأقلّ أضرار ممكنة؟
يؤكّد مستشار وزير الصحة، الدكتور محمد زلزلي، أنّ “الوزارة تتوقّع زيادة الاختلاط في فترة العيد، لذا ستكون إمكانية انتقال العدوى أعلى. فلا بدّ إذن من الحذر أكثر. فرق وزارة الصحة مستنفرة كلها على الأرض بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات ومع المحافظين. وبعض المناطق يتمّ مسحها، كما يستمرّ التعاون مع وسائل الإعلام لتكثيف حملات التوعية لزيادة الوعي”، متمنّياً من الجميع “التعاون لتقطيع هذه المرحلة”.
إقرأ أيضاً: في مستشفى رفيق الحريري… لا عيد لمن صنعوا لنا العيد هذا العام
وأشار زلزلي في حديثه لـ”أساس” إلى أنّ الوزارة تؤكّد دائماً على ضرورة اتّباع الإرشادات العامة، وهي إرشادات تزيد الحاجة إليها هذين اليومين، وفي مقدّمتها ضرورة التباعد الاجتماعي: “فالمعروف عن العيد تكثيف الزيارات الاجتماعية والتقارب الاجتماعي والخروج من المنزل وزيارة الأماكن الترفيهية والمطاعم والكورنيش. لكن كلّ هذا يجب تأجيله لأنه ليس في وقته، ويجب التقيّد بالحدّ الأدنى من كلّ فعل نقوم به، وليصنع الأهالي الفرحة لأبنائهم في البيت أو بالقرب من البيت أو في أيّ مكان آمن، فلا داعي للاختلاط مع بقية الناس”، لأنّ ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا سيكون لنا في المرصاد.
ويشدّد زلزلي على ضرورة ارتداء الكمامة لحماية أنفسنا، ولحماية الآخرين، واحترام التدابير الإلزامية في المؤسسات التي عادت للعمل بشكل جزئي. فالمسابح والمطاعم تنفّذ خطة سلامة عامة، ومن الضروري على الناس أن يتعاونوا لناحية تطبيق كلّ التدابير الواجب اتباعها في كلّ قطاع، لاسيما أن المؤشرات سلبية حول عدد الإصابات. وأكثر من منطقة سجّلت ارتفاعاً صادماً وتمّ عزلها بالتعاون مع وزارة الداخلية: “لذلك فالخطر أكبر، وهذا ما يجب أن نواجهه بالمزيد من الوعي والتشدّد أكثر في اتّخاذ الإجراءات اللازمة”.
في هذا الإطار، أصدر وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي، تعميماً إلى المحافظين، كلّ ضمن نطاقه وصلاحياته، طلب منع الاحتفالات والتجمّعات الرياضية والترفيهية خلال فترة عيد الفطر، أو فتح دور الملاهي والنوادي الرياضية والحدائق لأيّ سببٍ كان، أو حتى وضع ألعاب للأطفال في الساحات والطرقات. وأكدت مصادر وزارة الداخلية والبلديات لـ”أساس” أنّ “القوى الأمنية ستكون في أعلى درجات الجهوزية والتأهّب لمراقبة الالتزام في الشوارع والأماكن العامة، وضبط المخالفات، والتشدّد حفاظاً على السلامة العامة سيكون سيد الموقف لتقطيع المرحلة بأقلّ أضرار ممكنة، وذلك عبر الجواجز المتنقّلة والثابتة”.
كلّ شخص ينظر إلى الفيروس من منظوره، بعضم من المنظور العلمي، وبعضهم من المنظور الديني والاتكال على الله والتعويل على القدرة الإلهية بحمايتهم
أما اجتماعياً، فتؤكد الباحثة والناشطة الاجتماعية أمل البطي زعبي أنّه “شئنا أم أبينا أصبح هناك تغيير كبير جداً في العادات الاجتماعية، وانتقال بالتقاليد في بعض المناطق فرضته الأزمة الصحية الحالية. فالتباعد الاجتماعي بات عادة، وسيتخلّى كثير من الناس هذا العيد عن الجمعات العائلية والزيارات الاجتماعية والتجمّعات الترفيهية والنزهات، حتى إنّ الكثير من العائلات لم تستطع شراء حاجيات العيد من حلوى وملابس لأطفالها، إما لأسباب اقتصادية وإما لأنّ الأسواق بالأساس كانت مقفلة”.
وتحذّر الباحثة الاجتماعية من أن يكون العيد “فرصة للناس لعدم الالتزام والتخلي عن المحظورات التي عاشوها لأكثر من ثلاثة أشهر، وأن يكون لديهم الحافز للتراخي بعد وصولهم لمرحلة متعِبة نفسياً ومعيشياً. ولذلك يبقى التخوّف قائماً من ارتفاع أعداد الإصابات، لاسيما أن الحالات ازدادت مؤخراً، وهناك نسبة ليست بقليلة من المواطنين لم تكتسب الوعي الكافي تجاه الوضع بعد”.
تربط الزعبي مستوى الالتزام بالوقاية بمستوى التعليم وظروف البيئة، وتفكير كلّ مواطن وتجربته الشخصية: “كلّ شخص ينظر إلى الفيروس من منظوره، بعضم من المنظور العلمي، وبعضهم من المنظور الديني والاتكال على الله والتعويل على القدرة الإلهية بحمايتهم”. وتشدّد هنا إلى ضرورة التنشئة على ثقافة الوقاية في المنزل “فالطفل شديد التأثر والتقبّل لكلّ ما يراه ويسمعه من تدابير وقائية. ولكن في حال كانت الأم أو البيئة المنزلية غير محافظة على هذه التدابير فسيتشرّب الطفل هو الآخر هذا الاستهتار”.
وتختم بالدعوة إلى “الاحتفال بالعيد لكن أن نبقى آمنين، والشعور بالاكتفاء سيكون كفيلاً بإدخال الفرح إلى قلوبنا”، داعيةً اللبنانيين “إلى أن يشعر كلّ منّا بالمسؤولية تجاه الآخر وينأى بنفسه من أن يكون في موقع نقل الأذية للآخرين، لتمرّ هذه المرحلة على خير”.
الأمل أن يكون عيدنا هذا العام آمناً ونكتفي بالاحتفال به في القلب، وألاّ يكون في المستشفى أو الحجر الإلزامي، والأرجح أنّ مكان الاحتفال وحدها نسبة الوعي لدى كلّ واحدٍ منّا هي التي ستحدّده خلال المرحلة المقبلة.