حتى إشعار آخر يضغط حزب الله ليكون الدرع الواقي لحكومة حسّان دياب. اضطلع الحزب بهذا الدور خلال المفاوضات الشاقة التي سبقت ولادة الحكومة، بعدما سلّم الثنائي الشيعي بأنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يريد تحييد نفسه عن ملعب المواجهة. يومها سمع الثنائي الشيعي كلاماً واضحاً في بعبدا وبيت الوسط. ميشال عون يقولها بالفم الملآن: “لم أعد أريد العمل مع الحريري”. أمّا الأخير فلم يقصّر: “طالما أنّ عون رئيس للجمهورية وجبران باسيل إلى جانبه أنا خارج السمع”.
قبل ولادة حكومة “لمّ الشَمل” بدت تركيبة التكنوقراط أحوج ما تحتاج الى معجزة لترى النور. اشتباكات بالجملة وبكافة الاتجاهات، وكان حزب الله الطرف الوحيد خارجها. أمّا بعد إعلان مراسيم تركيبة التكنوقراط المخطّطة بأنامل رعاتها السياسيين، أفتى نصر الله بضرورة إعطائها “مهلة منطقية ومعقولة، لتمنع الانهيار والإفلاس والسقوط، إذ في حال فشلت، ليس من السهل أن يأتي أحد على حصان أبيض لتشكيل أخرى”.
إقرأ أيضاً: لا تعيينات في مجلس الوزراء اليوم
لكن سريعاُ تراكمت الملفات الخلافية إلى حدّ التهديد بانسحاب وزراء نبيه بري وسليمان فرنجية منها بعد نحو شهرين فقط من ولادة تركيبة، نزلت على رأسها كلّ مصائب الحكومات السابقة وموروثات حقبات الفساد، وفوقها أزمة مالية اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ لبنان، ودَيْن تاريخي وقرار بالتخلّف عن سداد ديون الدولة اللبنانية… ووباء يهدّد سكان الكرة الأرضية جمعاء، ومنه تفرّعت أزمات “ركّعت” حكومات ورؤساء دول عظمى!
الكباش الحالي في ظاهره يرصد نقمة من عين التينة على حسان دياب “العنيد”، وآخر جولات “النقار” أزمة إعادة المغتربين في زمن الكورونا. وإذا توقّع رئيس الحكومة الضربة من سعد الحريري، ها هي أتته من نبيه بري، الذي سبق له أن تأفّف من أداء دياب “الباطوني” وتصرّفه بخلفية رئيس جامعة وليس رجل سياسة!
بتسليم مطّلعين تتعدّد جولات الكباش السياسي بين أطراف عدّة والنتيجة واحدة: حكومة “المستقلين” تصارع للبقاء. أمّا موقف حزب الله فواضح: ممنوع سقوط حكومة حسان دياب.
وصل الأمر إلى حدّ الخلاف الصامت بين وزير المال غازي وزني والمرجعية التي زكّته لتعيينه وزيراً للمال. أمّا الضربة الأقسى، فتجلّت بتعرية الحكومة من ثوب استقلاليتها عبر تقصّد رعاتها، من ضمنهم بري وفرنجية، الإيحاء بأنّ معظم الجالسين على كراسي قاعة مجلس الوزراء مصيرهم معلّق بإشارة ممّن عيّنهم. في هذا السياق، كان لافتاُ جداً تعليق الوزير عماد حب الله، المحسوب من حصة من حزب الله، والقريب أيضاً من عين التينة، أنّه غير معنيّ بكلام الرئيس بري “عن تعليق مشاركة الوزراء في الحكومة”، مؤكداً: “لن أفعل ذلك إلا عندما أرى أنّ ممارسات الحكومة من الداخل غير مناسبة”.
لم يَرُق لحسان دياب أن يدير الرئيس بري ملفَ المغتربين عن بُعد، وبذهنية “إعطاء الأوامر”. قريبون من رئيس الحكومة يقولون: “نجلا دياب يدرسان في الولايات المتحدة، كذاك نجل وزير الخارجية ووزراء آخرين. وبغضّ النظر عن هذا المعطى العاطفي، لا يمكن لحكومة في العالم أن تترك مغتربيها لقدرهم. كلّ ما في الأمر أنّ هذه القضية الإنسانية لا تحلّ بكبسة زرّ ومزايدات، في حال الانسياق معها، قد تحوّل لبنان إلى بؤرة للموت إذا لم يتمّ تأمين كلّ مستلزمات عودة المغتربين مع الحفاظ على سلامتهم الشخصية أولاً وسلامة المقيمين”.
لا يُرسي برّي حسان دياب على برّ. تارة إشارات ايجابية وكثير من التودّد وتارة أخرى إشارات سلبية ورسائل من العيار الثقيل، ومعه يرتسم محور معارضة أركانه وليد جنبلاط، سليمان فرنجية، وسمير جعجع. أما الحريري، فالمناورة “على القطعة”. وبالتأكيد، فوق رأس دياب تخاض، بصمت هذه المرة، معارك بالجملة بين عين التينة وبعبدا!
حتّى اليوم ليس هناك في السراي من تفسير منطقي لقيام وزير المال بتقديم مشروع الكابيتال كونترول ثم سحبه، حتى لو دخلت عليه تعديلات، وهذا أمر طبيعي. وصل الأمر الى حدّ قول دياب لوزني: “وماذا إذا عدنا إلى النسخة الأصلية التي قدّمتها؟”. فكان جواب وزير المال: “خَلص نريد سحبه”. وفق مطّلعين على موقف رئيس الحكومة: “المشروع سيعاد طرحه بالتأكيد، خصوصاً في ظل وجود جدل حقيقي حول قانونية تعاميم مصرف لبنان، واستحالة الاستمرار من دون قوننة حركة السحوبات والتحويلات بما يخفّف من وطأة أزمة المصارف على المودعين”.
في موضوع التعيينات المالية، موقف رئيس الحكومة قائم على ثابتتين: لا تجديد لأيّ عضو إن على مستوى نواب الحاكم أو أعضاء لجنة الرقابة على المصارف، ولا للحزبيين
في ملف الكهرباء، تبدو الصورة أشدّ تعقيداً طالما أنّ العنوان الطاغي هو الخلاف الأزلي بين بري وجبران باسيل. في لقاء عين التينة الأخير بين الرئيسين بري ودياب حَضَر ملف الكهرباء من ضمن نقاشات الرجلين، وعنوانه محاولة إقناع الأخير رئيس مجلس النواب بأنّ القرار في التلزيم هو لمجلس الوزراء وليس لوزير الطاقة بعد تكليفه بالتفاوض في شأن استدراج العروض.
في موضوع التعيينات المالية، موقف رئيس الحكومة قائم على ثابتتين: لا تجديد لأيّ عضو إن على مستوى نواب الحاكم أو أعضاء لجنة الرقابة على المصارف، ولا للحزبيين. باختصار، لن يقبل برّي: “لا الآن ولا بعد مئة سنة، من يختار عنه الحصة الشيعية في هذين الموقعين”. ملفٌ حامٍ سيغيب اليوم أيضاً عن جلسة مجلس الوزراء، مع محاولة واضحة من حزب الله لضبط اللعبة داخل مجلس الوزراء وخارجه “لأن لا وقت للمناكفات السياسية”.
أما بيان رؤساء الحكومات الأربعة أمس فلم يكن واضحاً لجهة استطاعتهم منع حصول التعيينات بالطريقة التي هي مطروحة بها حالياً. هذا مع تسجيل موقف متقدّم لرئيس الحكومة خلال اليومين الماضيين وصل صداه إلى الضاحية وعين التينة وبعبدا ومفاده: “حكومتنا تقوم بمهمّة وطنية استثنائية في ظروف غير مسبوقة في تاريخ لبنان وتعمل من دون توقف على أكثر من جبهة. لا حسابات لدينا سوى مصلحة البلد فقط. ولغة التهديد والابتزاز لا تتوافق أبداً مع حساسية المرحلة وخطورتها…”.