يمكن اعتبار “القراءة التاريخية لحركة 14 آذار” للأستاذ الدكتور رضوان السيد، مجموعة شاملة من المقالات في مقال واحد بالغ التكثيف من جهة، ومتعدد الأهداف من جهة أخرى. وبغض النظر عن انقسام المقال إلى حلقتين، لمتطلبات النشر، فإنه يتفرّع إلى ثلاث نقاط رئيسة، ستكون قراءتي له على هذا النحو.
يبدأ المقال باستحضار تاريخي للتوازن الوطني الذي يختصر صراعات الطوائف الثلاثة الكبرى في لبنان. ومن الحريّ القول إن معادلة التوازن، إشكالية مزمنة منذ إعلان لبنان الكبير عام 1920، وضمّ المناطق ذات الأغلبية الإسلامية قسراً إلى جبل لبنان، ومن هنا أصل التشوّه والاختلال. والأسئلة تتوالى: فلمن صُنع لبنان أولاً؟ وكيف تعامل المسلمون عامة والسنة خاصة مع هذا الكيان الذي لما يصير دولة؟ وكيف كان الاختلال المؤسسي والتأسيسي وراء كل الأزمات والحروب؟
وفي هذا المجال، ثَمّة، في المقال، وصف عميق وعابر في آن، للدور السني في معادلة مضطربة منذ النشأة، بوجود زعماء أقوياء من أهل السنة، لم يكونوا بالضرورة رؤساء حكومة (وهذه لفتة مهمة جداً وتؤشر على جوهر أزمتنا الحالية) وليس من دون عواقب نفياً واغتيالاً، إلى حين مجيء رفيق الحريري، وما أحدثه من توازن جديد، انتهى باغتياله أيضاً عام 2005. لكن رؤساء الحكومة لم يكونوا وحدهم في دائرة الاستهداف، بل كان إقصاء ممنهج لقادة أهل السنة، في كل المستويات والمجالات، وهذا هو الجرح الغائر في الوجدان السني، وما يزال يصنع مزاجه العام.
مجيء رفيق الحريري إلى لبنان، هو الذي أعاد الدور السني إلى المعادلة على نحوٍ مؤقت، وليس بسهولة أو سلاسة، وعلى قاعدة هشّة، وليس من دون أكلاف مادية باهظة
أما النقطة الثانية من المطالعة، فهي عن دور سعد الحريري في هذه المعادلة بعد تشكيل جبهة 14 آذار، وهي من قبيل المقاربة الموضوعية لمسار متعرّج من أجل العثور على الخلل في مسيرة كانت بدأت في الظاهر مظفّرة بوجود قيادة جماعية. ثم انتكست السيرة الخاصة لسعد الحريري، ليس من دون مقدمات عامة داخلية وخارجية. وبالأخص ما اقترفه عام 2016 من تسوية رئاسية أو صفقة سياسية مع التيار الوطني الحر، مع رفض الحريري الابن لكل نصائح المستشارين، وما يحيق بهم من آليات وهياكل، المفترض بها أن تصنع القرار، لا أن تصادق عليه من دون نقاش. هذه اللحظة المفصلية في شخصية سعد الحريري، لم تنل الحظ الكافي من قراءة الدكتور السيد، وإن كان باح بكثير من المعلومات والانطباعات عن تلك المرحلة الدقيقة. ليس لأنه لا يدرك مغزى هذا التحوّل، وعوامله، فالقارئ الحصيف لهذه التجربة بهذا القدر من العمق والاطلاع على تاريخ لبنان وخبايا السياسة الراهنة، لم يشأ التوغل أكثر، وكشف المزيد مما يُعلم ولا يُقال. وهذا ما سنلقي عليه الضوء لاحقاً في هذه القراءة.
فيما النقطة الأخيرة من المطالعة، فهي الأخطر، إذ إن المقال يتخطى نوعياً مرحلة تصوّر الشيء من أجل الحكم عليه، كما كان يقول علماء المسلمين قديماً (الحكم على الشيء فرع من تصوّره)، فكلما كان التصوّر تاماً ودقيقاً يكون الحكم عليه بالدرجة نفسها. وفي الحالة المفحوصة، كان يمكن أن يستنتج الباحث المؤرخ مثلاً، سبب خروج السنة من المعادلة الوطنية، أو سبب فشل حركة 14 آذار، أو سبب هبوط ظاهرة سعد الحريري، أو في أقل حدّ أن يجيب المقال، على إشكالية وحيدة من هذه الإشكاليات الثلاث المذكورة ولو أنّه حاول آنفاً، فكل واحدة منها تستحق مقالاً مستقلاً. وبدلاً من ذلك، يقترح الدكتور رضوان السيد، العودة إلى المعادلة الوطنية من باب حركة 14 آذار من النقطة التي توقفت عندها قسراً، دون لحاظ تغيّر الظروف في الداخل والخارج كما سنشرح فيما بعد.
أولاً، في المعادلة الوطنية:
يمكن اعتبار قراءة الدكتور رضوان السيد، معالم عامة تصلح لدراسات أكاديمية معمقة عابرة لعدد من العلوم، لتكوين نظرة دقيقة قدر الإمكان، عن التوازن الوطني في لبنان، وإسهامه في الاستقرار؟ عن اختلالاته المتعاقبة وأثرها في حالات عدم الاستقرار أو الأزمات الدورية؟ وما كان الدور السني في هذه المعادلة منذ تكوين لبنان ثم الاستقلال؟ وكيف تراجع هذا الدور أو تقدّم، وما هي الأسباب؟ هل لشخصية رئيس الحكومة دور ما، أم أن الزعيم الحقيقي خارج السلطة هو من كان يعدّل التوازن؟ وما تغيّر خلال الحرب الأهلية من أدوار الطوائف مع لَحْظ الدور القيادي السني في معارضة الامتيازات المارونية في بداية الحرب، ثم الانقلاب على هذا الدور القيادي بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية؟ وكيف أضعف خروج منظمة التحرير الدور السني، فبرز زعماء الحرب من الطوائف الأخرى، إلى أن ضُربت القوة السنية عسكرياً عامي 1984 في بيروت (تصفية حركة المرابطون) وعام 1985 في طرابلس (تصفية حركة التوحيد الإسلامي) واستباحة المدينتين تحت عنوان مكافحة الظاهرة العرفاتية (نسبة إلى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات)، وهما من كبرى الحواضر السنية، مع ميلاد الاتفاق الثلاثي بين زعماء الميليشيات المسيحية والشيعية والدرزية في دمشق، في الوقت نفسه وكان هذا أول حلف للأقليات، وإن كان لم يعمّر سوى لأشهر. وأخيراً، وربما الأهم، دراسة دور رفيق الحريري في معالجة الخلل في المعادلة وكان السنة خارجها، وهل نجح في ذلك، أم إن اغتياله كان يعني سقوط المحاولة وفشل السياسة؟ إن مجيء رفيق الحريري إلى لبنان، هو الذي أعاد الدور السني إلى المعادلة على نحوٍ مؤقت، وليس بسهولة أو سلاسة، وعلى قاعدة هشّة، وليس من دون أكلاف مادية باهظة، من ضمن ما سمي بالمحاصصة الطائفية وتقاسم النفوذ في الدولة بين أركان الترويكا، ونحن الآن ندفع غالياً ثمن هذه التركيبة التي وضع أسسها النظام السوري.
إننا قد نخطئ في التحليل، حين نُغفل مسألة مهمة وهي قراءة تجربة رفيق الحريري، ونقفز إلى مرحلة الحريري الابن، فنحمّله وحده المسؤولية، مع العلم أن جزءاً كبيراً من نجاح الرفيق يعود إلى ظروف متعددة: في الداخل، وقعت حروب الأشقاء في الجانب المسيحي من جهة وفي الجانب الشيعي من جهة أخرى، ما بين الاتفاق الثلاثي عام 1985 وإلى انتهاء حرب التحرير عام 1990 بإخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا. لقد كان إنهاك زعماء الحرب، طريقاً نحو اتفاق الطائف الذي أعاد الدور السني في المعادلة الوطنية نظرياً، وكان جزء من الجنوب تحت الاحتلال الإسرائيلي ولم تنضج بعد القوة الشيعية. وفي الخارج، رسمت حرب تحرير الكويت عام 1991، معالم المرحلة إقليمياً، فجاء رفيق الحريري بدعم سوري غربي سعودي. أما اغتيال الرفيق، فكان ضمن لحظة التحوّل في العالم والتي بدأت في 11 أيلول 2001. فهذه الحادثة المفصلية كانت بتبعاتها الاستراتيجية، وراء إسقاط صدام حسين عام 2003، ثم إعدامه، عام 2006، وحصار ياسر عرفات ثم موته في ظروف ملتبسة عام 2004. وما بين هذين الحدثين، كان اغتيال الرئيس الحريري عام 2005، والذي لا يمكن وضعه إلا ضمن هذا السياق، أي سياق المغالبة واقتناص الفرص، في ظلّ تنامي الدور الإيراني ونشره للاضطراب الدائم في كل دولة عربية استطاع الوصول إليها.
يمكن الإضافة أيضاً، أن إبعاد مستشارين وتقريب آخرين، هو من الأسباب الجوهرية، لسعد الحريري الجديد
فعالم ما بعد 2001 تبدّلت موازينه، واختلت المنطقة تبعاً لذلك بتداعيات 11 أيلول الخطيرة والتي لم تنته بعد. فهل معنى ذلك أن السنة فقدوا دورهم أساساً لأسباب خارجية، وأن لا مجال للعودة إلى المعادلة الوطنية، إلا بتغيّر معاكس في المنطقة والعالم، أم أنه بالإمكان بالمعطيات الداخلية حتى الأكثر اختلالاً استعادة الدور المفقود؟
ثانياً، تذبذب أداء سعد الحريري:
حين نحاكم تجربة سعد الحريري، لا بد من التعريج أولاً إلى تجربة والده، وهل كانت كافية أو تأسيسية لسدّ الخلل في التوازن الوطني، والذي كانت معادلته قد تبدّلت بشدة بسبب الحرب الأهلية. ما نعرفه على سبيل المعايشة والمتابعة، أن غياب الرجل أحدث فراغاً هائلاً في الساحة السنية، وفي المشهد الوطني عموماً، لكن الضرر البالغ ظهر جلياً بعد غيابه، في بيئته الطبيعية التي لم تستفد من حضوره المتوهج في بناء مؤسسات راسخة ومستقرة، وتجديد البنية الاجتماعية وتطويرها على نحوٍ متوازٍ في أقل تقدير لما كان ينمو باطراد في أماكن أخرى، وبشكل مبرمج ومدروس، تحت عنوان الخروج من حال الحرمان التاريخي، فكانت النتيجة مسح صفة الحرمان الاجتماعي والمناطقي عن طائفة كبيرة وإلصاقه بطائفة أخرى. فما يعاني منه أهل السنة في المناطق النائية، ليس مسؤولاً عنه بالأساس، سعد الحريري، بل هو مسؤول عن عدم معالجته طوال الخمسة عشر عاماً من تسلّمه رداء الزعامة.
إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية! (1/2)
أما عن قيادة سعد الحريري للمرحلة التي تبعت الاغتيال المؤلم، فليس منسجماً القول إنه امتاز في البداية وانتكس في النهاية، أو أنه كان زعيماً سنياً ووطنياً بامتياز في حقبة، وأنه أصبح مفرّطاً في الحقوق والمكتسبات السنية، والوطنية استطراداً، دون أي وجه حق في حقبة أخرى. فإما أنه كان مؤهلاً ليكون زعيماً حقيقياً، وإما أنه لم يكن من قماشة الزعماء منذ البدء إلى المنتهى؟ “لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار”، بحسب تعبير الشاعر نزار قباني. بالمقابل، أشار الدكتور السيد إلى القيادة الجماعية لحركة 14 آذار وعلى رأسها الزعيم وليد جنبلاط، وأنها وراء تلك النجاحات. فيكون الجواب البديهي أن تحطّم الحركة، بخروج وليد جنبلاط منها، وتفكك أوصالها، هو سبب تردي الأداء السياسي لسعد الحريري. بل يمكن الإضافة أيضاً، أن إبعاد مستشارين وتقريب آخرين، هو من الأسباب الجوهرية، لسعد الحريري الجديد. لكن حتى لو سلّمنا بهذا الاستنتاج، إلا أنه يمكن إيراد حجج أخرى، دالة على أن التحوّل المشكو منه لم يكن عبثاً، بل هو تحوّل استراتيجي متأخر، في أداء الحريري الابن، لكن في لحظة غير مؤاتية. وهنا لا بد من العودة إلى مرحلة القيادة الجماعية التي أشار إليها المقال، فإلى جانب نجاحاتها الباهرة في إخراج الجيش السوري، والفوز بانتخابات عامي 2005 و2009، والتمكن من تشكيل المحكمة الدولية رغم العوائق، إلا أن لحركة 14 آذار إخفاقات تضاهي النجاحات، من تشكيل الحلف الرباعي في الانتخابات النيابية عام 2005، إلى مدّ اليد عقب انتخابات عام 2009، وقبلها منح حزب الله ذريعة القيام بعملية عسكرية في 7 أيار عام 2008، من دون أي سبب واضح حتى هذه اللحظة، أي خوض معركة من دون جهوزية ولا استعداد، فضلاً عن عدم التكافؤ. فمن حاسب تلك القيادة الجماعية على هذه الأخطاء “الشنيعة”، أي بقراءة استرجاعية. فإن كان مطلوباً اليوم التشدد والتصعيد مع حزب الله، بعد انفراط العِقد، فلمَ لمْ يكن هذا إبان قوة الحركة وصلابتها؟ مع ملاحظة أنّ التوازن الوطني الذي اعتمد كشعار في تلك المرحلة لم يتحقق بل حصل العكس تماماً.
يُغفل المقال قراءة واقعة تأسيسية، في 17 تشرين الأول من العام الماضي. فمع انطلاق الثورة الشعبية في ذلك التاريخ، على الرغم من ثغراتها، وعثراتها، ومحاولات استغلالها من الأحزاب ذات البرامج المختلفة، ظهر نهج جديد تماماً في قراءة المرحلة السابقة
وعليه، يمكن الافتراض أن سعد الحريري الذي جلس خمس سنوات في المنفى، ما بين عامي 2011 و2016، قد قام بمراجعة حسابات الحقبة الماضية، فاستنتج أنه كان عليه، أن يتبع سيرة والده في عقد التسويات مع خصومه، بدلاً من خطوته الأخيرة التي أودت به، أي محاولة تشكيل حلف انتخابي مع المسيحيين بعكس رغبة دمشق وحلفائها. وأنه كان عليه التحالف مع ميشال عون الذي كان جزءاً أساسياً من اليوم المشهود في 14 آذار عام 2005، بدلاً من التحالف مع حزب الله وحركة أمل ضد التيار العوني. وأنه عليه، استدراك الخطأ في عام 2016، بانتخاب عون رئيساً، والذهاب في طمأنة المسيحيين أكثر مما ذهب إليه والده، فيتخطى حتى اتفاق الطائف، فيعيد للمسيحيين بعض ما سلبه منهم. إنه كان في الحقيقة يقرأ في كتاب والده، في لحظة مغايرة تماماً. فلا يمكنك أن تنجح في المرحلة الجامعية بمقرّرات المرحلة الثانوية، والعكس صحيح!
ثالثاً: إحياء عناوين 14 آذار:
ونصل أخيراً، إلى العِبَر التي استخلصها الدكتور رضوان السيد، ابتداء من تصوّر الشيء أي الإشكاليات المعقدة للحقبة الماضية، والحكم عليها، إلى الاستنتاج المفاجئ بضرورة استعادة عناوين المواجهة التي عبّرت عنها الحركة المُجهضة عمداً من أصحابها، بمناسبة صدور حكم المحكمة الدولية بشأن المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، من أجل التصدي لحزب الله، وإسقاط “العهد القوي”. في واقع الأمر، إن الدكتور السيد بدعوته هذه، قد تجاوز ما سبق أن تصوّره وحكم عليه في الجزئين الأوليين من قراءته. فالسنة هم خارج المعادلة الوطنية فعلاً ومنذ سنوات، وتحديداً منذ الفوز بالانتخابات عام 2009، لأن الحريري الابن أضاع النصر في مساومات تبيّن أنها أوهام. ولا يوجد لهم سند خارجي كما للآخرين، بلحاظ التغيرات العميقة في بنية الحكم في الدول الخليجية ورهاناتها المحلية والخارجية. والسؤال ما زال هو نفسه دون جواب حقيقي، أي كيف يُعاد السنة إلى المعادلة الوطنية؟ فهل العودة إلى روحية 14 آذار هي الطريق إلى ذلك؟
إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: الحشد لقرار المحكمة الدولية وإسقاط العهد القوي (2/2)
يُغفل المقال قراءة واقعة تأسيسية، في 17 تشرين الأول من العام الماضي. فمع انطلاق الثورة الشعبية في ذلك التاريخ، على الرغم من ثغراتها، وعثراتها، ومحاولات استغلالها من الأحزاب ذات البرامج المختلفة، ظهر نهج جديد تماماً في قراءة المرحلة السابقة، بما يتجاوز 14 آذار التي كانت رداً على يوم 8 آذار. فالجمهور اللبناني، لا سيما جمهور 14 آذار، قام بمراجعته المتأخرة أيضاً، واستنتج أن المشكلة كامنة وحاضرة في الطبقة السياسية التي تشكّلت في مرحلة ما بعد الحرب. صحيح أنه لرفيق الحريري مكانة مميزة في قلوب اللبنانيين والأكبر عند السنة، لكن إعمال العقل بتجرّد يفيدنا أنه لا يمكننا التغيير بالأدوات نفسها وبالذهنية نفسها. لقد حان الوقت، للتغيير الشامل في بنية النظام السياسي، لا تغيير السياسات الاجتماعية والاقتصادية وحسب، ولا الإصلاح الإداري فقط. بل الخروج كاملاً من حقبة والدخول في أخرى. لم يعد متاحاً الخوض في استقطابات سياسية تنتهي إلى تسويات، بل لا بد من خطاب جامع لكل مكوّنات الوطن، تتبدل فيها الأولويات الاستراتيجية. لقد شاركت كل الطوائف في ثورة 17 تشرين الأول، وجوبهت الثورة بالمحاولات نفسها لتلك التي تعرضت لها حركة 14 آذار، من أجل إعادة الاصطفاف الطائفي، وتطويع الجماهير مجدداً. لكن جزءاً كبيراً من جمهور الثورة، وهو ما يتعلق مباشرة بهذه القراءة، هو جمهور 14 آذار، وقد انتفض وثار على قياداته الذين فضّلوا التسويات الآنية على المصالح الوطنية بعيدة المدى، وارتكبوا ما لا يرتكب تقصيراً متعمداً في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والإصلاح الإداري والفساد أولاً ودائماً.
فإذا ما أراد الدكتور السيد استنهاض هذا الجمهور مجدداً تحت عنوان العدالة لرفيق الحريري، فإن المسألة باتت أكثر تعقيداً. فأولياء الدم ولو أنّ الولاية في هذا المجال وطنية وليست عائلية، هم الذين أنهوا هذه الحركة عملياً، فضلاً أن الأولويات الآن، باتت مختلفة، مع الاعتراف أنّها تجاهلت العناوين السياسية العميقة لـ14 آذار واستبدلتها بمطالب الحياة التي يستحقها اللبنانيون، وبرنامج العمل قد تحدّد، وله أنصاره وجمهوره الجدد، وكثير منهم لا يعرف حقبة رفيق الحريري أو لا تعني له سوى ظلال من الحكايات والمشاهد التاريخية.
ختاماً، هي قراءة الشيخ الباحث، بحماسة الشاب المتوقّد، والذي ربما أزعجه هذا البرود الذي يَرُونُ على المشهد السياسي السني، الوطني استتباعاً بالضرورة.
لقراء مقالة المفكّر رضوان السيّد “قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: خروج أهل السنّة من المعادلة الوطنية!”،
ولقراءة النقاش الذي أثارته مقالة الدكتور رضوان السيد إضغط هنا